مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 حنين قصة قصيرة حمادي بلخشين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حمادي بلخشين
عضو



عدد المساهمات : 15
تاريخ التسجيل : 12/11/2010

حنين قصة قصيرة حمادي بلخشين Empty
مُساهمةموضوع: حنين قصة قصيرة حمادي بلخشين   حنين قصة قصيرة حمادي بلخشين Empty25/9/2011, 07:36



حنين





تنهّد سليم راشد طويلا وهو يشيّع بنظراته سيدة اعتاد رؤيتها في نفس الوقت وهي تجرّ ولدها الى المدرسة.. كان قد فرغ منذ ساعة من تـناول قهوة مجانية وهبها له صبيّ المقهى.. رغم ذلك ظل عاكفا في مكانه.. كانت السّماء مكفهرّة ممّا ضاعف كآبته وزاد ألمه.



ممّا ضاعف قنوط سليم راشد انه كان يكابد ألم الجوع أيضا. كما كانت حاجته الى النوم تعادل حاجته الى الطعام..بالأمس حين وصل الى البيت وجد زوجة عمه تزيل آخر صحن .. استحيى من القول بأنه لم يتعش فبات على الطوى.. كما ان مكالمة هاتفية قلعت عمه من فراشه حرمته ايضا من فطور الصباح..فقد كان عليه مغادرة البيت بعد مغادرة صاحبه تجنبا لأقاويل الناس رغم انه كان في أمسّ الحاجة إلى ساعات نوم اضافية بعد أرق أقضّ مضجعه.



كان الراديو يذيع للمرّة الثالثة في ظرف ساعتين أغنية جديدة لنانسي عجرم .. منذ نصف ساعة أعلنت وفاة شيخ الأزهر.." حالما يعود الى أرض الوطن من رحلته العلاجية، سيعيّن الرئيس محمد حسني مبارك شيخا جديدا للأزهر".. هكذا أعلن المذيع.

صاح صديقه مروان محمود بضجر:

" ليت الغائب لا يعود، و ليت الفقيد لا يعوّض!"

اندفع بعدها كشلال:

" يا أخي ليترك الإسطبل فارغا..

ثم مواصلا:

" بالله عليك ما حاجة الشعب المصري الغلبان الى كاهن ازهري جبان لا يساوي ظفر راهب بوذي يقود المظاهرات في بلده ؟!"

حين أعلن عن مرشّحين إثنين لخلافة الفقيد صاح مروان محمود ثانية وهو يضرب الهواء بقبضته :

" سيكون القادم ألعن..

ثم وهو يضيف غاضبا:

... اذا استمر الإنهيار الأزهريّ على هاته الوتيرة فسيتوزع القادمون بين ملحد و مثليّ.. سيحصل هذا في غضون سنوات قلائل..

تساءل ضاحكا:

" لم لا تكون إمرأة ؟"

ثم وهو يجيب نفسه قبل ان يغادر المقهى:

" و هل ان السابقين كانوا رجالا؟! "



لأنه أوقف يومين على قيد التحقيق في شغب جامعي.. اعتبر سليم راشد من أصحاب السوابق، لأجل ذلك حرم من جواز سفر ينقذه من وطن بغيض و بطالة مؤبدة و كرب مقيم.. منعه الفقر من احتجاز مكان في احد قوارب الموت بعد ما سدّت في وجهه الأبواب و كلّت رجلاه من التردّد على مكتب العمل و أرباب المصانع و الشركات.. مرت سبع سنوات كاملة على تخرجه دون أن يلوح ادنى أمل في انفراج قريب..

" سواء عليك أكنت من أصحاب السوابق أم لم تكن، فان الشهادات الجامعية قد أصبحت عملة غير قابلة للصّرف".

" من زكّاه الحزب الحاكم فهو آمن، و من ملك وساطة فهو آمن أيضا".

"اقرأ و إلا ما تقراش المستقبل ما فمّاش " الجملة التي كان يردّدها طلاّب السبعينات أصبحت اليوم واقعا معاشا وحقيقة مروّعة... اللعنة".

" لا ضوء يلوح في نهاية النفق.. ستتحول هذه البلاد الى ساحة قتال حقيقية .. ماذا يرجيّ من حمير سائبة تقود شعوبا خانعة؟!"

" الدولة تفرّط في القطاعات الخدماتية باسم الخوصصة حتى تتفرغ كليّا الى وزارتي الإعلام و الداخليّة.. من لم تشغله الكرة و المسلسلات شغلته السلاسل و الهراوات!".

هكذا كان مروان محمود يردد بين غضب و آخر.



نهض سليم راشد من مكانه ليخلص طفلا مشاغبا من قبضة مجنون قد أمسك به و شرع يخبط رأسه على واجهة دكان مغلق.. بعد ان صرف الصبية المشاغبين أجلس عم مرزوق الى جواره.. منذ شهرين أهتزت البلدة لفقدان أنجب بناتها: دكتورة شابة أقدمت على حرق نفسها إحتجاجا على شغل لم تـنله رغم مؤهلاتها العالية...منذ بلغه مغادرة ابنته الحياة غادر عم مرزوق عقله.



هم سليم راشد باستجداء قهوة لعم مرزوق حين وصله صوت أنثوي رقيق:

ــ بابا أنت هنا؟

حين ألتفت رأى فتاة شابة تتقدم نحو الأب المجنون وهو تقول معاتبة :

ــ لقد حيرتنا يا أبي.

ثم وهي تسحبه من يده:

ــ لا بد أن تعود معي، فقد آن وقت الدواء.





بالأمس... و في غمرة توسلاته الى صاحب مطعم شعبيّ، بلغ سليم راشد صوت ينبعث من غرفة سيئة الإنارة، كان سليم راشد يحاول انتهاز فرصة انشغال صاحب المطعم بمكالمة هاتفية لنبش زوايا ذاكرته بحثا عن صاحب الصوت المألوف حين صعق برؤية أستاذه الدكتور الزاهي حمدان عميد كلية الآداب و العلوم الإنسانية وهو يغادر تلك البؤرة المعتمة، كان الدكتور المهيب يعتمر طربوش طباخ و يشدّ على وسطه فوطة ملطخة بالمرق! لم يملك سليم راشد دمعة انبثقت من مقلتيه حين تذكر أناقة العميد التي كانت مضرب الأمثال.



حين علم الدكتور الزاهي حمدان بان تلميذه كان بصدد البحث عن شغل، التفت الى ربّ العمل ثم قال مشيرا اليه و هو يمسح بقايا دموع:

ــ كان من أنجب تلامذتي!

رغم نجاح وساطة الدكتور في إقناع ربّ العمل بتشغيله ثلاث ساعات كل يوم، فان توقير سليم راشد للعميد السابق اجبره على ترك المكان بعزم نهائي على عدم العودة ولو بصفة زبون.

حين عاتبه مروان محمود عن التفريط في شغل كان في متناوله، ردّ عليه سليم راشد:

ــ كان لا بدّ لي من فعل ذلك...

ثم مبررا:

ــ أخشى أن أخطئ في حقه.

أضاف غاضبا:

ــ ثم أن رؤيته اليومية على تلك الصورة المزرية قد تدفعني إلى ارتكاب جريمة.

حين طالت غيبة الدكتور عن طلابه أشيع بأنه قد أصيب بمرض خبيث قبل ان يتأكد خبر اعتقاله بسبب قوله" ما أطول عمر الكلاب!" أثناء دردشة لا صلة لها بالسياسة.. اتفق تأكيد سوء ظن الدكتور في رئيس الجمهورية حين مشّطّ بيته و عثر على مسودّة مشروع تحقيق كتاب" فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب !" بعد تعذيب طويل.. اكره الدكتور على الإعتراف بأنه كتب رسائل تحريضية اخرى تحمل عناوين... " فضل البغال على كثير ممن لبس النعال"

" فضل ذوات النيوب على من حكم الشعوب"

" فضل القوادين على كثير من الكتاب و الصحفيين".

" فضل القحاب على كثير من رؤساء مجلس النواب"



أحسّ سليم راشد باحتقار ذاتي حين اكتشف أن للكلاب إمتيازات كثيرة لم يطلها هو .. من بين تلك الإمتيازات انها لا تبيت جائعة ولا تزج في السجن اذا وقعت على أنثاها.



كان مرسال خليفة يدندن بأغنيته الشهيرة"أحنّ الى خبز أمّي و قهوة أمّى و لمسة أمي" حين فاضت كأس سليم راشد فانخرط في بكاء مرير سرعان ما قطعته يد

حانية حطّت على كتفه قبل ان يصله صوت مروان محمود وهو يقول مواسيا:

ـــ أغنية مؤثرة.

أضاف مروان محمود ثم وهو يجرّ كرسيا:

ــ لا تقل لي انك حننت إلى أمك؟

كفكف سليم راشد دمعه، تمتم وهو يغادر المقهى:

ــ بل الى أمنا جميعا.



ــــــــــــــــــــــ 2 ــــــــــــــــــ



لم يجد مروان محمود تفسيرا مقنعا لما تمتم به سليم راشد قبيل مغادرته إلا حين سلّمه صبيّ المقهى لفافة تضم ّمجموعة كتب جيب من بينها رواية قصيرة لإسحاق عظيموف تحمل عنوان "أمّنا الأرض"..

حدث ذلك بعد يوم واحد من إهتزاز البلدة و في ظرف أقلّ من شهرين، لفقدان أنجب أبنائها.. و أشدّهم تعاسة.



أوسلو9/5/2010
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حنين قصة قصيرة حمادي بلخشين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات سردية :: مدار القصة-
انتقل الى: