مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 زوايا مساحة افتراضية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نورالدين بوصباع
عضو



عدد المساهمات : 19
تاريخ التسجيل : 19/09/2009

زوايا مساحة افتراضية Empty
مُساهمةموضوع: زوايا مساحة افتراضية   زوايا مساحة افتراضية Empty28/11/2009, 16:00


زوايا مساحة افتراضية




" كي يـكون للـعالم مـرآة، ينـبغي أن يـكون للـعالم شـكل" أمبرطو ايكو



تحت ضوء المصباح الباهت كل الأشياء في الغرفة تلتبس أمام عينيه المتعبتين..المكان لا يريد أن يسترد رونقه المعهود رغم قيامه بإعادة تأثيثه بعناية، إنه لا يركن في غرفته، يظل يقف ويجلس وكأن به مس..صورة المرحومة أمه المعلقة في الجدار أمامه تنكأ في قلبه جروحا دامية، وتزيد من غربته، والسبحة المعلقة إلى جانب الصورة تعيده إلى الوراء القهقرى صورة أبيه وهو يمرر حبات السبحة بين أنامله مرددا اسم الله كي يسكن جنان القلب..و السروال المعلق في المشجب والوحيد الذي يحفظه ولا يستعمله إلا عند الضرورة فعيناه لا تكلان على حراسته مخافة أن تغمره سحب الغبار المتطايرة، أو تقع فوقه ذبابة فتدنسه..السروال لا يزيده إلا اشمئزازا، وهو يـمرر يده فوقه ويتحسسه بحنو دافق ثم وهو يـمد يده إلى الـمسمار المثبت في الحائط ليتأكد من انغراسه جيدا في الحائط، وهو يرتد خطوة أو خطوتين يقوم بنصف دورة حول نفسه فتمر صورته من أمام المرآة خاطفة، يرتبك أيـما ارتباك، الصورة التي رآها لم تكن تشبهه بالمرة، من الواضح أن المرآة تريد أن تناكفه هذا المساء، كان لوحده في الغرفة ينتظر صديقه الذي تأخر في القدوم، إنه لا يعرف لماذا لم ينقطع رنين هاتفه النقال منذ الصباح وحتى الظهيرة دون أن يتمكن من الإمساك بالجاني..أتكون هي الفاعلة كي تثير أعصابه! هو الآن غير آبه أو خائف من غواية المرآة، يريد أن يقرأ وجهه داخل المرآة وعبر إطارها الزجاجي يريد أن يركب سيارة همومه ويرحل عبر أهواءه الضائعة بـحثا عن حكاية قديمة جديدة، يقترب من المرآة كثيرا، ينفخ فوقها بأنفاس ملتهبة، ثم يمسح صفحتها بطرف كمه..هل المرآة تريده أن يتصالح مع ذاته! يبتسم ابتسامة عريضة، يتهيأ ليعانق صورته عناقا محموما لكن عندما يمعن النظر في وجهه الـماثل أمامه يحمر وجهه خجلا ويشعر وكأن نارا لاهبة تأكل صدره..كيف تجرأ صاحب الوجه القابع في المرآة وكسر حجب الحياء والوقار وغمزه بطرف عينه، أيكون الماثل أمامه هو ذاته نفسه أم شخص أخر لا صلة له به ربما يشبهه! أمعن النظر إلى نفسه في امتعاض وقد انتفخت أوداجه وارتعشت فرائصه، تـمايل في وقفته يمنة ويسرة وعيناه لا تزالا متبتثان في المرآة في اهتمام ثم رف بجفنيه..عليه أن يتخذ كافة الاحتياطات اللازمة حتى لا يقع في حالة تلبس أمام صورته، إنه خائف من صورته أن توشي أو تنفجر في وجهه بكلام يأنف من سماعه..هو معجب بنفسه حد الجنون، لا يـحب أيا كان أن يشاركه في خصوصياته، لكن عندما تجرأت المرآة وأرته حقيقة وجهه اكتشف فجأة أنه هو القناع، ثم هل سيظل متسمرا وجها لوجه أمام المرآة لا يزيغ عنها قيد أنملة! وإذا لم يأتي صديقه لزيارته من سينتشله من هذه الورطة! يلمح في المرآة سرواله وراء ظهره، يقوم بنصف دورة حول نفسه موليا المرآة ظهره ثم يشرع في تلمس سرواله بحنو زائد..السروال الذي لا يكل من العناية به مخافة أن يتسخ أو يبهت لونه وحتى لا يضطر إلى تصبينه المرة تلوى الأخرى الأمر الذي يؤدي إلى ترهله فهو يرغم نفسه على عدم استعماله إلا عند لقاء مهم، لكن اللقاء بها على شاطئ البحر قد طال أكثر من اللازم، فقد كانت أخر مرة التقيا معا قبل شهر ونصف ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخبارها، حاول غير ما مرة الاتصال بها، لكن هاتفها النقال ظل دائما مغلوقا وفي كل مرة يلتهم عبر علبته الصوتية في شره الدريهمات القليلة التي بحوزته، كان يستشيط غضبا، يتنهد من أعماقه تنهيدة ملتاعة، ثم يقفل عائدا من حيث أتى مطأطئا رأسه، تكاد الحسرة أن تأكل قلبه..السروال منذ شهر ونصف وهو معلق في مكانه وهو قابع في مكانه يحرسه، يترصد بالذباب مخافة أن يقع فوقه فيدنسه وأذنه ملتصقة بهاتفه النقال ينتظرها أن تكلمه ليحددا معا موعدا للقاء..الفراق بينهما يذكي في قلبه نارا لاهبة تسري إلى كل أوصاله فتكفهر الدنيا أمام عيناه ويركبه القنوط، اهتز صدره بقوة لما رن هاتفه، استدار في خفة وهو يرفع الهاتف نحو مسامعه ينقطع رنينه، وجد نفسه وجها لوجه أمام صورته ثم انفجر حانقا ورذاذ اللعاب يتطاير من فمه..ربما قد يصل به الأمر حد التلاسن مع صورته فيرفع يده محتجا متوعدا أو ربما يبصق على المرآة..المرآة كما يدور في مخيلته سبب العداوة بينه وبين صورته..غيمة السحر الذي تعمي عيناه وتحرك في أعماقه الساكن فيها ثم من قال أن المؤمن مرآة أخيه! يرددها في دواخله مغتما، هو الإنسان كما يجول في قرارة نفسه لن يبوح لأخيه الإنسان إلا بمحاسنه أما المساوئ فيلقيها وراء ظهره ومن الأفضل أن يكون كل واحد منا مرآة لنفسه..المفارقة التي تؤرقه أنه كلما استفسر صديقه ليبدي رأيه فيه كان صديقه يـتردد قليلا ثم يتكلم مـتلعثما" إنسان رائع لولا ازدواجية شخصيتك"يضحك ملء شدقيه ويرد في سخرية لاذعة على صديقه وعيناه متسمرتان على وجهه" أنا أعرف بنفسي منك..و من تكون أنت يا مـجنون حتى تعرفني من أكون أنا!" يمد صديقه يده فوق كتفه ويجيب " أنا وأنت أشبه بتوأمين..مع من رأيتك مع من شبهتك" يتمهل قليلا في مشيته، يستنشق الهواء حتى تـمتلئ رئتاه ثم يتكلم والابتـسامة تغمر محياه" تصور يا صديقي ماذا لو تـم استنساخ البشر كم من واحد سيتشبه بغيره " مسكين هو! الشبيه الذي يبحث عنه متلهفا ينفلت منه، يراوغه، يظهر له ثارة في صورة ملاك وثارة أخرى في صورة شيطان ثم هل حقا أن الشبيه يحن إلى شبيهه ! لكن لماذا هذا الجفاء! قفز من مكانه لما ثقب مسامعه رنين هاتفه، كان الرنين يؤشر على رسالة مكتوبة، أبرقت عيناه في رأسه وتسارعت دقات قلبه في الـخفقان، سار يضغط بعصبية على أزرار الـهاتف والألـم يشع من عينيه متوقدا يضيء ما اسود من أيامه الـحالكة، ربـما تكون هي من بعثت الرسالة! انتهى بسرعة إلى زر الرسائل، ضغط عليه، خاب أمله، لـم تكن الرسالة الوافدة سوى إشهار عن تعبئة مضاعفة تـهم المشتركين الراغبين في تجديد رصيدهم، استشاط غضبا،لم يدري كيف بصق اللعاب من فمه فتناثر فوق السروال، بهت في مكانه شاخصا ينظر إلى سرواله الـمبلل وقد انقبضت أسارير وجهه، ثم مد يده وهي ترتعش، وشرع يـمسح اللعاب ويـحدث نفسه هازئا" جميل، لقد فعلت كل شيء ولم تعد تخصني غير تعبئة مضاعفة وأنا الذي لا أملك من فتات الحياة ما أشتري به سروالا آخر..صحيح، في وقتنا الـحاضر أصبحت الحياة بطعم آخر، وتفرض علينا من كل شيء ضعفين..في التعبئة..في السراويل..في العشيقات..و حتى ف الوجوه.." استدار حول نفسه، رأى نفسه في المرآة، حدق في نفسه جيدا ثم تكلم في حيرة" هل أنا هو أنا أم أنا أحد غيري!"...
نورالدين بوصباع-تيفلت/المغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
زوايا مساحة افتراضية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مجلات ثقافية ابداعية افتراضية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات سردية :: مدار القصة-
انتقل الى: