فيصل القاسم … العقلانية الجريحة
فوزي الديماسي / تونس
جريدة الحقائق " الحقائق الثقافية "
نافذة" الإتجاه المشاكس "
برنامج - الإتجاه المعاكس - للنبيه فيصل القاسم ، ساحة حوارية أو هكذا ندّعي ، و هذا الفضاء التلفزي يمكن بأي حال من الأحوال أن يستقيم عيّنة نستقرئ من خلالها و اقع العقل العربي و راهنه أنتروبولوجيا ، أي ندرس العينات المتداولة على البرنامج من خلال ثنائية الطبيعة و الثقافة أوالبشري العام و المكتسب .
الناس جميعا يشتركون في الطبيعة أي يشتركون في جملة الأستعدادات التي تخول لهم أن يرتقوا من مرتبة البهيمية إلى مرتبة الإنسان ، و يختلفون في الثقافة ، بعبارة موجزة ، الطبيعة بينهم واحدة و الثقافة مختلفة . فلكل قبيلة أو شعب أو فريق ثقافته التي بها يتصف ، و عن طريقها يتميّز، فحرق جثث الموتى في الهند ثقافة ، و رقص القبائل الموغلة في التوحش ثقافة ، و أكل الهمبروغر ثقافة .
و ثقافة برنامج فيصل القاسم و نقصد بذلك ضيوفه الميامين المترددين عليه … ثقافة التقزيم و التهميش و الإلغاء و الإقصاء و التغييب و التخوين و الجعجعة .
فكل مساء يوم محدّد يطلع علينا وجهان لعملة واحدة أو هكذا نسميها تفاؤلا و تجوّزا ، و الوجهان يمثّلان الخطاب الثقافي الواحد و من خلال هذا الخطاب العيّنة يمكن أن نسبر أغوار الخطاب العام بالمعنى الدوركايمي للكلمة – نسبة لدوركهايم –
و مع كل نهاية حصّة يزداد يقيننا رسوخا بأنّ العقل العربي عقلان ، عقل مناوئ ، و عقل منافق ، عقل كارثي و آخر انهزامي ، عقل عقيم و آخر سقيم ، و كلاهما في أسفل الدركات سواء من حيث الإتصاف بنفس الصفات ، فهذا العقل المجروح يحتكم لثقافة استبدادية و شمولية و اطلاقية و كليانيّة ، إنها ثقافة هتلرية قدرها أنّها ناطقة بلسان عربي قبيح يجرّم و يخوّن على طريقة كنائس التفتيش في القرون الوسطى .
بمعنى آخر أن أحد الطرفين في الحوار يعتبر الآخر- لا الآخر بالمفهوم الفلسفي للكلمة لأنهما ابنا لسان واحد و جلدة واحدة على الأقل افتراصا- أي المخالف له في الرأي عميلا بالضرورة ، و ارهابيا بالضرورة ، و ينقلب البرنامج بمجرد انتهاء الموسيقى الإفتتاحية إلى صراع ثيران على الطريقة الإسبانية ، و هذا السلوك الإفتراسي المتبع من قبل الإخوة في اللسان و الثقافة و المصير يعكس عمق سطحيتنا نحن كمثقفين و ببغائيتنا ، فجميعنا يتشدق بالكلام المنمّق و المتقعّر من قبيل الدمقراطية و الخطاب الحداثي و العولمة و مما يدعو للإستغراب أنّ جلّ مثقفينا لم يتجاوزوا مرحلة العبودية بمفهومها الماركسي سلوكا و يتوهّمون و يوهموننا بأنهم بفكرهم و علمهم يعيشون مرحلة الإمبريالية الثقافويّة ، فأين ثقافة الإختلاف و رحابة الصدر و مفهوم الآخر المختلف ، و لكن ما كل ما يتمناه العربي يدركه و لو كان ذلك على شاشات التلفزيون ، فكيف للإنتليجنسيتنا أن توفق بين حديثها عن حوار الحضارات و هي المتصارعة حدّ التقاتل في الحضارة الواحدة ؟ و كيف نطلب من الغرب أن يعاملنا مثلا بمثل و الحال أننا في نفس الخندق و كل يلغي صاحبه و كأن لا علم لنا بمفهوم النسبية ؟؟