موضوع: حوار مع رسام الكاريكاتور النغربي عبدالله الدرقاوي 25/11/2008, 22:08
الدرقاوي لـ"الرأي": الكاريكاتير هو متنفسي للتعبير عن همومي وهموم الملايين من أبناء وطني
رسام الكاريكاتير المغربي عبدالله الدرقاوي
14/03/08 GMT 3:09 AM
الرأي – عادل نجدي: الكثير من قراء جريدة "الصحراء المغربية" يعرفونه برسوماته الساخرة التي تجعلك تدمن فن الكاريكاتير وتتمنى أن تكون
ممن يحترفونه. خطوطه وموضوعاته تحمل الكثير من المفارقات المأساوية وتعكس واقعاً حياتياً مؤلماً يعيشه الإنسان، في سخريته الفنية مرارة ظاهرة وتجسيد لهموم أمته. في تاريخه الفني العديد من الجوائز العالمية، فقد حصل على الجائزة الأولى لمسابقة "الهولوكوست" بإيران 2006، والجائزة الأولى لمسابقة الكاريكاتير حول موضوع العولمة والمعلوميات بالصالون الفرنسي للمعلوماتية 2005، والجائزة الثانية لمسابقة ناجى العلي للكاريكاتير بلندن 1993. أقام عدة معارض فردية بمدينة الدار البيضاء والرباط بالمغرب، كما اعتاد كل سنة المشاركة بمدينة سنت-جست- لومارتيل الفرنسية. في هذاالحوار محاولة لمعرفة رأي رسام الكاريكاتير المغربي عبد الله الدرقاوي في عدد من القضايا الفنية والفكرية التي تشكل عالم الكاريكاتير لديه، والتعرف على " تقنياته" في فن يقال عنه إنه" فن المواجهة بالسلاح الأبيض".
* ليكن مدخلنا للحوار الحديث عن بداياتك، فماذا تقول عنها؟
- منذ نعومة أظافري تملكتني رغبة في تجسيد كل ما يؤثر في نفسي الناشئة أو يعلق في ذاكرتي من أحداث ومشاهد، على الورق بالاعتماد على الألوان الطبيعية. لكن الأمور تغيرت بعد اكتشافي لفن الكاريكاتير من خلال رسومات ناجي العلي إذ انبريت أجسد الواقع بشكل ساخر مغاير لشكله الواقعي وكانت النتيجة لوحة كاريكاتيرية تمتزج فيها السريالية والدهشة والبساطة.
* ماذا يعني بالنسبة لك الكاريكاتير؟ - الكاريكاتير هو المتنفس الذي أعبر من خلاله عن همومي وهموم الملايين من أبناء وطني.
* هل أنت ساخر بعيدا عن الكاريكاتير أم أنك تجد مفتاح سخريتك من خلال هذا الفن؟ - أن يكون المرء رساما ساخرا لا يعني بالضرورة أن السخرية تجد لها مكانا في طبعه وسلوكه فأنا على سبيل التمثيل إنسان كئيب أميل كثيرا إلى الأعمال الفنية الدرامية. لقد كان فنان الكاريكاتير صلاح جاهين نموذجا للفنان الخفيف الظل والذي أضحك الملايين برسوماته وأشعاره إلا أنه مات كئيبا، وقد كان يحكى أنه زار طبيبا نفسيا ببريطانيا فاشتكى له حالة الاكتئاب التي تعصف به فسأله الطبيب عن مهنته ولما عرف هذا الأخير انه رسام كاريكاتير اعتبر الأمر طبيعيا، لأن أغلب الذين يزورون عيادته هم رسامي كاريكاتير.. وكما يقال "طباخ السم..هو أول من يتذوقه".
رسومي.. انتقام للمعذبين في الأرض ------------------------
* ما الذي يدعوك إلى رسم كاريكاتير ما؟
- الظلم الذي نراه يوميا ونحن أمام جهاز التلفاز حيث إخوتنا في فلسطين تنتهك أعراضهم وأرضهم، والاحتلال الذي يدوس كرامة إخوتنا في العراق، وحالات الفقر والمرض والمجاعة في القارة الإفريقية الغنية بخيراتها، وارتفاع الأسعار المهول، وعدم الاكتراث بالطبقة الفقيرة ونهب خيرات البلد وتهريبها إلى دول غنية.. كلها قضايا تستفزني وتخلق بداخلي قلقا إبداعيا أترجمه في مرحلة لاحقة إلى رسم ساخر يحاول أن تنتقم لهؤلاء المعذبين في الأرض بالاعتماد على السخرية التي تبقى السلاح الوحيد الذي نمتلكه.
* ما نوعية المفاتيح التي يمكن للمتلقي أن يعتمد عليها للإمساك بدلالات الرموز في رسوماتك؟
- ليست هناك مفاتيح أو إشارات بعينها يمكن الاسترشاد بها، لكن يبقى الإلمام بالحدث أو الموضوع الذي تعالجه اللوحة والإحساس والثقافة البصرية عناصر يمكن أن تعين الناظر إلى الرسم الكاريكاتيري على فهمه. وأعتقد أن اللوحة التي لا تحمل تعليقا تأخذ وقتا من القارئ ليفهمها ويفك طلاسمها مقارنة مع اللوحة التي تحمل تعليقا فهي أشبه بنكته مكتوبة•
غياب التنافس -------
* هل يمكن الحديث عن مدرسة مغربية قائمة بذاتها في فن الكاريكاتير، مدرسة تحررت من أسر تقليد المدرستين الشرقية والغربية؟
- الكاريكاتير في المغرب ما زال حديث العهد بالمقارنة مع المدرسة المصرية مثلا، فالتجربة بدأت خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي مع نخبة من الرسامين الذين وضعوا اللبنة الأولى لهذا الفن من خلال تجربة
" أخبار السوق" التي عرفت رواجا وإقبالا كبيرا، حيث كانت تباع في السوق السوداء، لأنها غالبا ما تنفد من الأكشاك بمجرد وصولها. وكان من بين الأسماء التي لمعت آنذاك الفيلالي محمد والبوهالي حميد وحمودة الصبان وإبراهيم المهادي...وهي أسماء ستبقى خالدة في تاريخ الكاريكاتير المغربي. بيد أن ما أود الإشارة إليه بصدد الحديث عن التجربة المغربية، هو أن قلة عدد رسامي الكاريكاتير يجعل التنافس بينهم غائبا، عكس التجربة المصرية أو الأردنية أو السورية حيث التنافس الشريف يدفع إلى البحث عن الأفكار الجديدة والإبداع الذي تكون نتيجته رسومات بمستوى عالمي. ومع ذلك، لا أخفيك أني متفائل بمستقبل الكاريكاتير ببلادنا وتفاؤلي نابع من وجود جيل جديد من الرسامين الذي يمتلكون الموهبة و الوعي و إن كان عددهم مازال محدودا.
بين الرسوم الدانماركية وجائزة "الهولوكوست" ------------------------------
* كيف تنظرون إلى التفاعلات التي عرفها موضوع إعادة نشر رسومات الكاريكاتير المسيئة للرسول الكريم بالدانمارك؟
- أعتقد أن المسالة خرجت عن نطاق "الفني" لتنحرف نحو العبثي، فالرسومات التافهة التي أعادت نشرها بعض الصحف الدانماركية لم يكن من هدف وراء ذلك سوى الشر وإثارة مشاعر الحقد والكراهية والاستهتار بقيم التسامح والتعايش التي عرفت بها أوروبا. كما أن الرسامين الذين أنجزوا تلك اللوحات الحقيرة تعوزهم الموهبة الكافية والحس الفني الذي يؤهلهم لاحترام ريشتهم وتقديم خدمة للإنسانية من خلال إشاعة قيم المحبة والتسامح وتشجيع حوار الأديان والثقافات على اعتبار أن للفن
الكاريكاتير رسالة نبيلة شأنه في ذلك شأن باقي الفنون الجميلة. لكن هؤلاء كانوا ينشدون شهرة ومجدا عن طريق احتقار الديانات والمس بمقدسات الإنسان.. وقد عبر عدد من رسامي الكاريكاتير العالميين الذين يتمتعون بصدى طيب في جل أنحاء العالم عن امتعاضهم من إعادة نشر هذه الرسومات والدافع إلى ذلك. وعبروا عن سخطهم على هذه الرسومات البعيدة كل البعد عن حرية الرأي والتعبير ورأوا فيها أساس وشرارة لمظاهر التفرقة والعنف والحروب التي تعصف بالعالم من كل جانب.
* لكن حتى جائزة "الهولوكوست" التي جاءت كرد حضاري على الرسوم المسيئة للرسول أثارت ردود فعل غاضبة في العالم الغربي؟
- الجائزة التي فزت بها في المسابقة الدولية للكاريكاتير بإيران والتي كان موضوعها"لماذا يدفع الفلسطينيون ثمن مجازر الهولوكوست؟" كانت بمثابة جس نبض الغرب، الذي عبر عن استيائه وتدمره من قيام المسلمين بالاحتجاج على نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم وصنفها في خانة حرية تعبير التي يجب الترحيب بها والتهليل لها، إلا انه بمجرد الإعلان عن نتائج المسابقة الإيرانية حول المحرقة ثارت ثائرة الغرب وعبرت صحافته عن إدانتها وسخطها من هذه الرسومات التي تشبه ما يجري من تقتيل وذبح للمسلمين في فلسطين بالمحرقة التي ارتكبها النازيون بحق اليهود، ولم يتم القبول بها في إطار حرية التعبير. لقد كانت هذه المسابقة مقياسا للكيل بمكيالين الذي يمارسه الغرب كلما تعلق الأمر بحق من حقوقنا•
الكاريكاتير وحرية التعبير -----------------
* على ضوء هذه التفاعلات، ما حدود حرية التعبير بالنسبة لجنس الكاريكاتير؟
- الحرية شيء مقدس، لكن شريطة عدم تجاوز حرية الآخرين..وجميع الفنون بما فيها فن الكاريكاتير مطالبة باحترام حرية الأخرين، وأن تكون مسؤولة في ممارسة رسالتها مادام للفن رسالة في الحياة تنبني على خلق جسور التواصل بين بني البشر ونبذ الحروب والفتن.
مقص الرقيب العربي ------------
* من خلال تجربتك كيف يتعايش الكاريكاتير مع الرقابة؟ - مساحة الحرية تختلف من دولة عربية إلى أخرى، وبرغم ذلك فقد استطاعت أسماء عربية أن تفرض أعمالها عالمياً. لكن ما أود أن ألفت الانتباه إليه، بهذا الصدد هو أن الإنترنت أصبح المتنفس لجل رسامي الكاريكاتير العرب، لما يوفره من إمكانات الهروب من مقص الرقيب، والتعبير بحرية أكبر قد لا تتوفر في الصحافة الورقية حيث أغلب الأعمال الجريئة تتعرض للبتر أو الحذف، إلا أن ذلك لم يمنع يد الرقيب في بعض الدول العربية من الوصول إلى رسام الكاريكاتير، بعد أن أقرت تعديلات على قوانين المطبوعات تخول لها تجريم الكاريكاتير على الإنترنت، باعتباره جريمة الكترونية يعاقب عليها القانون.