1- تقديم
هذه الدراسة مهداة إلى قريبين عزيزين أولهما المبدعة المتوهجة فتحية الهاشمي حفظها الله والثاني طود خلق وجمال سيدي حسن بواريق فلهما الفضل بعد الله في انجاز الدراسة حول نص أعتبره قمة إبداعية..2-
2- على عتبة النص
أن تجالس نصا ، معناه أن تقارب نبضه قبل حرفه ، وتماسك الروح المبدعة فيه مع موضوعها قبل البحث عن اتساق النص البنائي وتأويلات الخطاب بفعل آليات التلقي
ها هنا نريد أن تتحول علاقة النص مع قارئه إلى علاقة منتجة ، لا أن يصبح النقد مجرد
تمارين تطبيقية تنهل من المرجعيات النظرية نهل المريد من جبة الشيخ ، حتى تصبح الظواهر الأدبية نسخا متشابهة بفعل مشرط الناقد الناقل الناسخ .
والواقع أن قيمة النص في تميزه ، وقيمة النقد تتجسد في تميزه بتأويلاته المتفردة ، فيصبح الخطاب النقدي إبداعا على إبداعا لا نصا على نص أو كلام على كلام كما قال أبو حيان التوحيدي
هنا وأنا أجالس نص المبدع عبد الحميد شوقي بتحفيز من الأديبة فتحية الهاشمي والمحلق في سماء الفضيلة سيدي حسن بواريق ، استفزني السؤال حول مكمن اللذة في النص ؟
وكيف ينسج المبدع مع كل حرف خيوط النشوة التي يبثها بثا في نفس المتلقي ويؤسس له
خيالا خاصا .
وكان علي وأنا أحاور هذا النص أن أتحرر من كل مسبق حتى أجد لذتي الخاصة ؟أو لعلني بعد قراءته أجده بلا ميزة . وكلا الأمرين مطروحان على الناقد فقط عليه أن يبرر الإمتاع إن وجده ، وان يتحمل مسؤولية قرار المج إذا ارتضاه في حقه .
3-العنوان أمارة.
أن اقرأ العنوان قبل النص فتلك بديهة بحكم أن أول ما تقع عليه عيناك هو تلك العبارة المكثفة الملخصة لنص طويل . وأنت هنا أمام خيارين ..
الأول أن تترك البحث في العنوان إلى أن تنهي النص وحينئذ تربط الجدول بالنهر .
الثاني أن تفترض للنص موضوعه ، وترسم له طرقه بحكم ما رامت من تجارب . وهنا تقيس افتراضاتك على ما آلت إليه أحداث الرواية ، والأجمل أن يخيب النص أفق انتظاراتك ويحدث في نفسك الصدمة .
ونحن في هذه الرواية أمام عبارتين في العنوان الثاني منهما يفسر الاول ،
العبارة الأولى(الموت في رابينة )
ادعوك هنا إلى النظر في قول عبد الفتاح كليطو وهو يقارب هذا الموت ، هذا الشيء الذي يكرهه الجميع وينساه الكثيرون ويرتقب نقدمه بهلع او باشتياق
'' من يموتون يصنعون حيلة خبيثة نحو الإحياء يتوارون تاركين مهمة تفسير فكرهم ، أي أن يتجادلوا حول ما قالوه
وما كان ممكنا أن يقولوه ، بل وحول ما لم يقولوه''
يفعل بنا الرائع عبد الحميد شوقي مثل هذا، نتساءل بلهفة عن ما يعرفه عن الموت ؟ وكلنا حرقة أن نستكشف من خلاله هذا المعلوم المجهول . ترى أيعرف السارد عن الموت ويريد
أن يمتعنا بالدخول إلى كهوفه واغواره المرعبة ؟ هل أتاه ملك الموت خلسة ليطلعه على الخبايا الموغلة في الرعب والإمتاع والتشويق والحزن ؟
هنا تشتعل الأسئلة في ذهن المتلقي .. أي موت سيتحدث عنه السارد ؟ اهو موت الطين ام موت الفكرة أم موت الموقف ؟ ثم من مات وكيف وما اثر هذا الموت ؟؟؟؟؟
كثيرون تحدثوا عن الموت الفلاسفة والأدباء ورجال الدين ؟ كثيرون وجدوا أن أقلامهم
تنطلق ونهر مدادهم ينساب كلما تحدثوا عن الموت ، يااااااه أتنسج حياة النصوص من القبور ؟ أتبني النصوص صرح إمتاعها من خلال ما تبثه من الم ؟ أيريد عبد الحميد شوقي أن يضمن بقاءه وخلوده من خلال فتح فوهة القبور؟
أم انه خائف يترقب مقدم هذا الكائن العجيب ؟ وهل يعتبر موت شخوص الرواية'' لا وعيا'' يؤطر الذات فيتوحد موت الغير بموت الأنا؟
نتذكر هنا سيرة العروي حيث يبدأ السارد بالموت وينتهي به وكأننا نكتب لكي نداري حقيقته ، ونكتب لأننا نرفض أن نكون نسيا منسيا ، نشد على الحياة بالنواجذ عن طريق ترك شاهد يدل علينا هو الحرف .
فمن مات في نص عبد الحميد شوقي ؟ وكيف مات ؟ وما ترك ؟ وما علاقة هذا برؤية عبد
الحميد لجدلية الحياة والموت ذلك رهان النص ؟ ورهاننا أن نكتشف نحن بلاغة الرؤية
وبيان التفلسف في هذا الخطب المميز ؟
ثم يعرج بنا العنوان ليربط الحالة بالمكان فهل الموت في رابينة يختلف عن غيره ؟ الموت واحد وان تعددت الأمكنة لكن الطعم يختلف ، والأثر يتفاوت وإلا لاكتفى السارد بعنوان من لفظ واحد هو الموت والموت وكفى .
فما رابينة ؟ هل تختلف قسمات وجهها عن أمكنة أخرى ؟ إن سؤال المكان موصول بسؤال الذات ؟ وقد يكون جسرا لاكتشاف خفايا النفس ، ففي المكان تتشكل الأخيلة وفيه تنمو الطموحات وعليه تتكسر الأحلام قد نمر بالمكان نفسه ، لكننا حتما سنختلف في رؤية المكان بل قد تختلف الرؤية عند الذات الواحدة حسب الزمن والنفسيات .
العبارة الثانية ( اغتيال علي غريب )
الاغتيال سرقة حياة ، واغتصاب لأقدس مقدس عند الإنسان لذا فالفرق واضح هنا بين
الاغتيال والموت حيث الحزن في الأول اشد والمأساة اكبر ، والمغتال هنا غريب – ودع عنك اسم العلم – والغرابة تزيد الوضع ألما وتضيق الأصفاد على معصم المأساة . ان الغربة هي أن تجد العالم الذي تعيش فيه غير العالم الذي ترغب فيه وأن تجد الزمن يباعد بينك وبين أمانيك
تصبح في الدنيا كأنك عابر سبيل ، لكنك تجد المفارقة العجيبة هنا فتجميع الموت والغربة تكون حافز لإعطاء الحياة ومنح الأنس والإمتاع ولعمري ان الغربة هنا تتجاوز اللغة التي جعلها أرسطو المكون الأساسي لفرادة النص الأدبي لتصبح متعلقة بالرؤية الفلسفية بحالة الإنسان وهو يواجه مصير الموت .
ادعوك في هذا المقام أن تنظر إلى ما كتبه الأستاذ احمد المجاطي وقارن بينه وبين تجلي
الموت في الرواية فأمام الغربة والموت تنكسر الحدود بين الشعر والنثر
'' كان عذاب الشاعر مع لورك عذابا في الحياة لعجزه عن نيل شرف الشهادة ، أما مع أبي العلاء فإن عذابه في إحساسه بالعقم في الموت (و) هكذا تحققت للشاعر غربة أخرى ، لكن غربته هذه المرة في الموت''
يسري الأمر ذاته على القصة إذ يتحدث السارد في قصص بوزفور عن غرابة الموت
'' يا أيها التراب الأسود لساخن ، يا أيها التراب، كل الأحباب
خلف البحر وخلف القبر وخلف الجدران ، وأنت حتى الآن ، أيها الأرمل الخائن ، سخي سخي وساخن ''
وتعالوا إلى ما قاله عبد الحميد شوقي
''ولكن الحياة ليست مجرد تعاقب للكائنات البشرية إنها أفراد بلحمهم ودمهم ليكون للحياة معنى ....آه ''والخلاصة أن العنوان كان كيمياء جمعت من الحزن اشد عناصره ، ومن الألم اقسي جرعاته ، ويكفي عنصر واحد لنتوقع أن تدور الرواية مدار المأساة فما بالك لو اجتمع الموت وهو الذي يجسد الحيرة على مال مصير الإنسان وبعده الاغتيال الرديف لألم الغدر
ثم الغربة المعادلة للتفرد في تذوق المأساة
انه العنوان الذي اختار أن يدثر الرواية في كفن السواد يفتحه المتلقي وهو ينتظر مضمونا مأساويا وأحداثا مغرقة في الألم .