كان الشيخ الكبير يسعل كعادته و هو يلقي مواعظه على جمع من الشباب في القرية.
ترجاهم أن يعملوا للدار الآخرة ، فالموت قريبة من الإنسان ، و هي أدنى إليه من ظله ، واصل سعاله ،و كان يجتهد لإيصال صوته الخفيض إلى مسامعهم ، بينما كانوا هم ، يتهامسون و يحث كل منهم الآخر على الصبر و إبداء التقدير لكلماته ، ودعهم مغتبطا لما رآه في عيونهم من إيمان بكلامه ، قصد باب جاره عمر ليحدثه بفضل الإحسان إلى حماره.كان يسعل بحدة ، غير انه ظل يبتسم فخورا بمسعاه، أحس بتعب بالغ ، لكنه أصر على الدخول إلى الإسطبل ، و اخذ ينادي بأعلى صوته صاحبه عمر ، الذي تخفى خلف بقرته الشهباء تهربا من الموعظة ، ناداه مدعيا بأنه يراه ، و توعده بعقاب الهي وشيك يفني زرعه و ماشيته، و ظل يصرخ منذرا متوعدا ، حتى أحس باختناق أنفاسه ، فسقط على الأرض ، خلف مؤخرة حمار ، انطلقت الحمير تنهق بأعلى صوتها ..و في تلك اللحظة ، انتبه و هو يرى الموت ماثلة أمام عينيه ،إلى جهله لسبب لغط الحمير و هرجهم، برغم كل ما أوتي من علم ...
بعد الموت اخبروه ، في عجالة ، أن الحمار كان ينهق لأنه افتقد أتانه ، و أن حكمته لم تعد تساوي فلسا واحدا ، بعد أن أوصلته إلى موت بين روث البهائم .