قراءة في ديوان " الشاهد الذي لم يمتّ لثورية حمدون.
كاتب الموضوع
رسالة
هــري عبدالرحيم شاعر
عدد المساهمات : 29 تاريخ التسجيل : 27/03/2008 الموقع : http://hirriabderrahim.jeeran.com/
موضوع: قراءة في ديوان " الشاهد الذي لم يمتّ لثورية حمدون. 8/6/2008, 16:52
بدءاً ومنذ الوهلة الأولى تطالعنا لغة الرفض، رفض الواقع المرير المتعفن، واقع انهيار القيم.
ففي الإهداء، نجد المرسل إليه: ناجي العلي،الفنان الثائر الذي كان يحمل وحده قضية تقض مضاجع الحكام. ناجي العلي الذي رسم بالريشة الساخرة تصويرا مريرا لواقعنا العربي المتردي، فقد فعلت ريشة ناجي ما لم تفعله الجيوش العربية.
والشاعرة تخبرنا بأن ناجي كان بداخل ذواتنا، فهل تعتبر الشاعرة نفسها استمرارا لريشة الكاريكاريست؟.
أول نص يطالعنا تتراءى لنا فيه المحاكم كدليل على وجود متهم، غير أن الشاعرة تفصح لنا عن التهمة الموجهة لها والتي لم تكن سوى انتماءها لهذا الوطن:
: تهمتي أني طفل لمدينة تحاكم الأحلام"ص 19.
ثم نجد المحاكمة كعنوان واضح الملامح في نص : "محاكمة زيد".
وزيد هنا، هو ذاك الاسم التعيس الذي به وعبْرهُ ومن خلاله تهَجَّيْنا اللغة العربية، وزيد ملازم لفعل " ضرب"، هكذا أخذنا القواعد من أفواه الرجال، وهكذا مورس علينا الضرب من طرف "زيد" الحاكم، و "زيد" القاضي، و"زيد" ولي الأمر.
والعنوان موشوم بلغة المحاكم " الشاهد الذي.."فهل هو المواطن الشاهد على التاريخ الذي لم يُكتبْ بعد؟ أم هو الشاهد الذي سيُزوِّرُ التاريخ؟
الشاهد هنا هو ذاك المواطن الذي لم يمت، ولا تهمنا شهادته من أي طينة هي، مادام حيا يسمع ويرى،فحتما سيأتي الزمن الذي يُفصح فيه عما عاناه.
ونتجول عبر الديوان، فيطالعنا نص بعنوان "حنظلة"، ذاك الشاهد الذي لم يمت، الشاهد على اغتصاب الأرض، والشاهد على النكسة، والشاهد على المآسي التي طالت عالمنا العربي.
حنظلة لا زال يمشي بيننا في الأسواق، ويأكل الطعام، حنظلة الشاهد الذي سمع ورأى، لم يكن أخرس حيث وقَّع نصوص الشهادة الناطقة.
وبين العنوان و "حنظلة"ن تبرز الشاعرة لتخاطبنا نحن المسافرين:
" أيها المسافرون
الطريق القمر من دمي
سلموا علي هنا جسد
.....
وحنظلة يطل من ثقب السفر.
....
.....ّص 48.
حنظلة يرقب الذهاب والإياب، يرقب الحركة والسكون، والشاعرة كذلك شاهدة على العصر.
النصوص في الديوان أتت جلها إن لم أقل كلها موشومة بالشهادة:
" آلامنا أكبادنا تمشي على الأرض
تجتر ما في الدهر من أحزان
تسجل بمداد الملح
يوميات ميت
...............
وفي نص آخر:
طفلة تلعب بالحجر
طفل في الساحة يحتضر
وآخرون يملئون الأرض
يحجبون عنا
عن النهار الخبر.
فالشاعرة حاضرة في الديوان حضور فاعل،فهي لم تكن الشاهد،بل محركة الدمى في مسرح الحياة، فهي تكتب من المعاناة نصوصا بالدم النازف من جراح صنعها القهر حينا ، والتواكل أحيانا، وتتفاعل الشاعرة مع القضايا الوطنية والقومية إلى الحد الذي تهب فيه روحها قربانا كي يعيش الوطن:
نقرأ في ص74:
حملتك في ذاكرتي
فنمتْ تربة وسنابل
وعندما فقدت التربة
احترق اللون الأخضر بالقنابل
صرخت: فلتحرقوا ذاكرتي
لأني لا أملك رقعة لزرع السنابل
....................................
دعيني أمتطي صهوة الموت
أولنا بكاء
وآخرنا بكاء
أريد أن أسبر أسرار الصمت.ً74.
القاموس الذي استعملته الشاعرة هو مزيج بين القاموس القومي الثوري، والقاموس الإسلامي، فقد جاءت مصطلحات :حنظلة- بلفور- لتذكرنا بالوعد الغاشم الذي ضاعت بسببه أولى القبلتين، ولا زال المرابطون هناك على الأرض وفي الأرض المقدسة يقاومون،فكلهم ذاك الطفل حنظلة، وكلهم ذاك الطفل الذي يلعب بالحجر.
وبين نص و آخر تستدعي الشاعرة قاموسا إسلاميا لتذكرنا بهوية الأنا الفاعلة:
تحملنا خطانا" وهنا على وهن"
بيننا مليون قرن
والأزمنة عناكب
فينا يعرش الردى
فينا يحتضر الحرف./.
ونص آخر:
جبتُ الأرض بأحلامي
أصافح كل الحضارات
الحزينة
أهرب من شر الخلق
أمسك في يدي جمرات
تبزغ في الكف
كلمات
تنير " كنتم خير أمة أخرجت للناس"
يا رب الفلق
أعرف أن جناحين
........
لكني ما زلتُ أسأل البحر
أين الفلق؟./.
ونص آخر:
قتل زيد
"وإذا الموءودة سئلت
بأي ذنب قتلت "./.
تيمة الموت:
استهلكت الشاعرة قاموس الموت، مرة بالتلميح ، ومرة بالتصريح:
فبدءاً من العنوان، يطالعنا "الشاهد الذي لم يمت"، ثم هناك نص معنون ب"وجوه الموت"، ونصوص أخرى لها نفس التيمة:" مذبحة النخيلّ، " اختفاءّ.
نقرأ:
لأني عشقتُ يوما إسمي
لأني عشقت في دروب الغروب
أن أمشي
ذُبحتُ بسيفين
...............
آه يا سيفي المغسول بدمائي
العناوين تجلد الأشياء
والاغتيال ينمو على جنبات الرؤى
.............
أغرق أختنق، أختفي
داخل دمائي
أحمل رأسي المذبوح بين يدي
ومثلي بكى النهار المذبوح ./.
تتعثر يدي وتتعثر الجثة
ويغتالني الجواب
يخرج وجهي رصاصة ./.
تخافنا حقولنا
تخافنا عيوننا
ووجوه الموت كثيرة
فهل تعرف وجه موتك؟./.
هنا وهناك
غردت البلابل:"ذبحوا النخيل"....
من الوريد إلى الوريد"./.
والموت هنا لدى الشاعرة هو بدء الحياة ، هو استمرار للعيش:
ليتنا نغتسل
حتى نخرج من الظلمات الثلاث
كاللؤلؤة.
وأرتدي الصباح
لعلني أكون شهيدة
وأولد من الثرى
ولادة جديدة.
والديوان الذي يمتد على مدى 87ص من القطع المتوسط،كلما عدنا إليه، كلما تفتح عن تيمات أخرى ، فهو منجم يخفي جواهر، كلما ازداد الحفر، كلما اكتشفنا كنوزا.
وبين كل تلك التيمات تتجلى لغة التخصص" اللسانيات"، فالشاعرة تتجول معنا عبر أركان اللغو المفيد: الفعل ،الفاعل، والمفعول. وزيد اللعين في لغتنا العربية الذي ما فتيءيشبع عمرو التعيس ضربا، وضرب زيد لعمرو هو ضرب موجع عبر الزمان،فما مات عمرو إلا بضرب زيد له ضربا نجم عنه الموت المحقق، ومن هنا أسس لنا النحويون سلوكنا، فلم نزل نضرِب ونُضربُ والأرض سائرة على الخراب، ومنه استمد الحاكم نهجه في سياسته الأمة، فعلم حماة الوطن ضربَ عمروٍ، المواطن العربي البئيس، حتى تخلفنا عن الركب واحتلت حقوقنا المراتب الدنيا، فخرجنا من حلبة السباق .
وفي الغلاف الأخير للديوان، نلمح صورة "حنظلة"، المراقب لكل أفعالنا،وبهذا تكون الشاعرة قد بنت متراسا حول القول، لبناته الرفض،ففي البدء ناجي العلي، وفي الختام حنظلة، فأي رسالة هاته التي تريد الشاعرة إبلاغنا إياها؟
في الختام تحية للشاعرة التي تستمد الحرف من المعيش ، ومن لظى الحياة.تحية لثورية حمدون التي يوحي اسمها بالانتفاضة والثورة . هــري عبدالرحيم 22/05/2008[img][/img][img]
قراءة في ديوان " الشاهد الذي لم يمتّ لثورية حمدون.