ترددت كثيرا في اقتحام اسوار تاملات الاخت نور كناقد مهتم بالابداع الادبي لأسبا ب كثيرة اولها ان الكاتبة كانت في عوالم صوفية احسانية مجردة لاتقاس باللفظ بل بالذوق والاحساس ولا يسبر غور العاشق الا العاشق ولا يتنسم عبير الاحسان الا من ذاق حلاوة مقاماته لذلك تخوفت وترددت من خوض غمار النقد والتحليل .وثانيها انني ماكنت انوي النقد مخافة ان اختزل اشواق نور الربانية الى مجرد نص ادبي ينتقد بميكانيزمات نقدية ويعالج بتحليلات عقلانية وتنتهي المسالة . وثالثها كنت اخاف من ان احرق المراحل واطوي المسافات لمبدعة هي في طور بناء طريقها الابداعي بثبات وتؤدة.
غير ان مناديا اخر من اعماقي حدى بي الى ان اعانق الاشواق بالاشواق وارسم معالم العهد والميثاق في خلجات تاملات ليكون المقال الفلسفي الاحساني الاجتماعي الوجودي المتامل تاملا لنا جميعا عسى ان ينتفع به من القى السمع وهو شهيد . عسى ان نكون من اولي الالباب . عسى ان نصبح مع المشتاقين في نزهاتهم . ومع الذاكرين في رياضهم.
لذلك استخرت الله وتوضات ويممت قلبي شطر هذه التاملات وسبحت في بحورها بل ارتقيت افلاكها ومقاماتها وشرعت في مناقشة الاسلوب الذي صيغت به هذه التاملات على اساس ان اقسم نقدي الى حلقات لااريد ان اعددها اترك ذلك لفيض الروح كي لاالزم نفسي نفسي بامر يفقد قراءتي قيمتها وتميزها واهدافها .
لقد عنونت نور التركماني مقالها بتاملات بصيغة النكرة ولم تعرفها وهذا له دلالات كثيرة منها التعميم لاالتخصيص ومنها ان الكاتبة لم تستعمل منهجا محددا في تاملاتها لان هاته التاملات هي تاملات فطرية بالاساس وليست وليدة جدل فلسفي تاملي معين واوردت اللفظة بصيغة الجمع لتكون منسجمة مع كثير من الالفاظ الواردة في النص وبالتالي ليصبح المقال منسجما مع ذاته وذات الكاتبة فمثلا الى جانب جمع كلمة تاملات نجد في مستهل النص تساءلت والتساؤل تفاعل والتفاعل لاياتي مفردا بل ياتي عبر مجموعة من العوامل فالتساؤل ليس سؤالا بل تفاعل مجموعة من الاسئلة مع شيء معين يكون باعثا لهذا التساؤل وكلمة تساؤل تفيد التكرار والاكثار. كما نجد في نفس السياق كلمات من مثل اعماقي فهي لم تتحدث عن عمق واحد بل اعماق وكل عمق يقتضي تاملا بعينه وبدرجة عمقه . كما نجد ورود كلمة ظلال المضافة الى العيون ليس هناك ظل واحد بل مجموعة ظلال وليست عينا واحدة بل عيون وهكذا يمكننا المضي في نفس النهج لتتبع الالفاظ المجموعة في النص لنستخلص منها ذلك الانسجام بين الفاظ النص.
كلمة تاملات كذلك تفيد اطالة النظر وامعانه في الشيء والاشياء المعينة او في المجردات كذلك لنجد عند الكاتبة ذلك الانسجام ين مدلولات الفاظ النص والعنوان لقد صدرت الكاتبة نور كلامها بكلمة لطالما والتامل يقتضي طول المدة. واستعملت لفظة التساؤل وهو تفاعل واستنطاق والتامل يقتضي طرح السؤال تلو السؤال في نسقية يتولد عنها مجموعة من الاسئلة او التساؤلات . وكلمة كنه تعني جوهر وماهية الشيء والتامل هذا هدفه الاسمى هو ادراك الكنه واللب لا القشور والعوارض والاشكال فقط. كلمة اعماق كذلك تفيد سبر الغور والنفاذ الى الاعماق فليس هناك تامل لايجاوز السطح بل هو نفاذ الى العمق بابعاده . كما ان كلمة المختزل تفيد تفكيك ما يبدو قليلا وصغيرا وهذا ينسجم مع العنوان فالتامل ياتي كذلك لتفكيك وتفسير ونشر المختزل كما يبعث ويكشف المختزن.ويمكن ان نمضي الى مالانهاية في نفس النهج لاكتشاف ذلك الانسجام المتالق في النص مع ذاته.
مسالة اخرى نرى ان الكاتبة ختمت الفقرة الاولى بجملة تفيد ان حزنها مختزل ببوح الصوت الذي يغرق روحها في لجته. لتصدر اخر فقرة في المقال بكلمات تفيد صمت البوح . اترككم لتكتشفوا ان البوح بوح لكن هناك لفظتان متناقضتان صائت وصامت صوت وصمت لنلحظ ان الرحلة بدات ببوح الصوت لتنتهي رحلة التامل بصمت البوح وشتان بين هذا وذاك .
بدات الرحلة كذلك بحالة الغرق في لجة بوح الصوت الى التحليق والسمو والعلو في الملكوت الالهي .
لا اريد ان اقف اسلوبيا على كل لفظة وعلى اي سياق داخل النص فقط اثرت بعض الوقفات التي تنطبق على مجمل النص لنخلص الى الحلقة الموالية لمناقشة التساؤلات الواردة في النص وبواعثها في الحلقة القادمة.