أطل من شرفة عالية ذات صباح كعادته، بدت له ساحة القلعة كرقعة شطرنج باردة ، تؤثثها بيادق صغيرة ، مصوبة بنادق نحو الأعلى ، فوهاتها محشوة بورود بيضاء .عاد إلى زنزانته، وهو يفكر في لغزها محتارا ، تطلع نحو مرآة جانبية بحجم الجدار ، بدا وجهه واجما ، أسود ، لكن أوسمته الكثيرة ، ونياشينه البراقة كانت تنط فرحا ، فتل شاربه الأبيض بزهو ، ثم وقف منتصبا ، وهو يعتمد قبضة مسدسه ، فصفعته برودتها ، استغرب كيف أنه لم يطلق ولو رصاصة واحدة في حياته ..لمح فراشة جميلة فوق شجرة "البونزي" النادرة قرب النافذة ، راودته فكرة لعينة ، وهو ينظر إليها بحنق متسائلا :
- كيف تجرأت على الدخول إلى جمهوريته، دون إذن مسبق ؟
صوب نحوها مسدسه بكل ثقة وحزم ، لكن طلقاته كانت فارغة ، طارت الفراشة فلاحقها بعينين حزينتين...... وهو مستسلم لخيبته كانت الفراشة تتراقص فوق بنادق البيادق التي تراقصت قلوبها ، وتمايلت ورودها في دعة وانسياب...تساءل الماريشال، ماذا لو آمر كل من في القلعة بإطلاق النار على الفراشة ؟ أو اعتقال كل الورود ورفسها تحت أحذيتي الثقيلة؟
حلقت ظنونه كيعسوب حائر ، اشرأبت أعناق البيادق المتيمة بكل بياض وأمسكت الورود بالبنادق ، وصوبت طلقاتها نحو هواجس الماريشال، فأردته قتيلا على الفور.
-------------------------------------------------------------
ركاطة حميد