تقاطــــع
مثل الخطيئة...
عاريا إلاّ منه، انتصب قبالتها تماما...
رمشت في انفعال ، حرّكت كتفيها كما يفعل المصارع أو الملاكم قبل بداية الجولة : عليها أن تبدو متماسكة أكثر ... صوّبت نظرها نحو الجسد الفاره
…الرّأس ، تمهّلت قليلا ، عقدت مابين حاجبيها ، أتراه الشّعر أم الرّأس ما جلب انتباهها، كلاهما رجوليّ حدّ الفداحة العينان ... التقت الأعين ، خفضت نظرها ثم ّبسرعة استرجعت أولويّتها في التّحديق ، حرّك بؤبؤيه في بطء على الجسد الملفوف في المئزر الأبيض في لامبالاة ، ابتسم في سخرية ! الوجه الخالي من المساحيق يبدو كالغيمة ، و الشّعر المرفوع إلى فوق بفرشاة الرّسم و قد تساقطت خصلاته... و تمتم
لا يمكن لهذه الحزمة من القشّ الذّهبيّ أن تكون شعرا و تساءل منذ متى لم تمشّطه صاحبته ؟ ...
حدجته بنظرة قاسية، لن تتركه يسيطر عليها... توقّفت عند تفّاحة ادم كانت تنبض في انفعال واضح ، يدلّ على أن صاحبها بدأ حالة العد التصاعدي ! كم تمنّت أن تضغط عليها بسبّابتها لتوقف نبضها ! الشّعر الأسود المجعّد غطّى الصّدر العريض [الإقطاعي يجلده، الدّم الأرجوانيّ يقطر من الشّعيرات السّود، الحجر يسقط و ساعداه المفتولان ينحنيان في كلّ مرّة ليلتقطاه من جديد... و تبسّمت في خبث، لو ينحني الآن، لو ؟]
رفعت عينيها تصاعديّا ، الوجه المقدود من الصّخر لا يبدو عليه أي انفعال الشّفتان المرسومتان بنصف انفراجة تقطران سخرية ، تستفزّانها و لا تسقطانها في الفخّ ...
خلف الحاجز البلّوري الشّفّاف ، ارتكزت على الحاجز الخشبيّ ، تقضم القلم حينا وتقضم أظافرها أحيانا أخرى ...
[صرخت صديقتها ، هزّتها من كتفيها بعنف ، رافضة و بشكل قاطع فكرتها المجنونة ... انتبه كلّ من في المقهى لحديثهما، جرّتها من ذراعها إلى الخارج جرّا، لم تبد معارضتها، تبعتها، كانت مسكونة بهاجسها القاتل ،كما سمّته صديقتها ، تلاحق الوجوه الهاربة في شوارع المدينة ، تصطاد الأجساد الرّجوليّةفي غير فظاظة ، الرّسم التصق بحدقتيها ، و لا بدّ وأن تجده !!! ]
الفرشاة تقطر ألوانا، اختلطت ، تداخلت ، و لم تجد لونه المناسب ، لون الشّهوة والرّغبة القاتلة ... أيكون أحمر كالجرح أم أسود كاللّعنة أم ضبابيّا كالخطيئة و الرّائحة ؟ لرائحتها لون كذلك ، لون التماع النّصل عند تلاقي الأعناق ...
حرّك رجله قليلا، انتبهت للحركة ، ها إنّه بدأ يفقد صبره ، صوتها الأجشّ الحالم ، سمّره للحظة
ـــ لا تتحرّك !
ألقت بجسدها الصّغير فوق الجمع المتدفّق كالسّيل ، جذبته من كمّ جاكتّته ، أوقفته وسط المحطّة ، جعلته يدور حول نفسه كعارض أزياء ، تحلّق حولهم بعض الفضوليون ، يبدو أنّه استلطف اللّعبة ، لم يبد انزعاجه ، ضرب كفّا بكفّ و هي تدور حوله ، خطوات إلى الخلف ، خطوات إلى الأمام ، ثمّ توقّفُُُ للحظات ...
عقد ذراعيه على صدره في اتنظارها ...
ـــ لا تتحرّك !
سمّرته مثل هاته المرّة عندما حاول الانصراف .
ـــ فلتأت معي !!
ارتسم السّؤال الغريب على تقاسيمه ، إلى أين تروم أخذه ؟ و جاءه الجواب كالصّدمة
ـــ إلى منزلي !!
انتفض متلفّتا حوله ، خشية أن يسمعه المتطفّلون ...
أعاد سؤالها، و أعادت على مسامعه نفس الجواب...
على أرنبة أنفها ،ارتسمت بقعة حمراء ... ثبّت نظره عليها ، أيمكن أن تكون مجنونة ؟ الرّجال الأشدّاء ذوي المآزر البيضاء يأتون بغتة ، يكتّفونها ، يأخذونها إلى المستشفى ، و هي تضحك و تضحك ، ملطّخة إياهم بألوانها الترابيّة ...
ثبّتت نظرها في عينيه ، لا يبدو عليه التّأثّر ، و تمتمت في حنق
ـــ أيمكنه أن يكون ... ؟؟؟
و استبعدت الفكرة ، حرّكت رأسها يمنة و يسرة ... لا يمكنها أن تخسر المعركة ، نزعت المئزر ، ألقته جانبا ، ذراعاها اللّتان لوحتهما الشمس ، أصبحتا بلون العسل ، حرّكتهما في غنج ، رمقته ، خفية ...
سقطت نظرتها تحتُ ... جحظت عيناها ، ارتبكت ، أسقطت الفرشاة ، تناثرت الألوان على الأرضيّة ، انحنت ثمّ ارتفعت ، رمقته بالنّظرة الغائمة ...
ضمّ رجليه ... المجنونة ، ستلتهمني ، ستلتهم رجولتي ...
نظرتها الحارقة أخافته ... بحث عن ثيابه ، عليه أن يهرب و بسرعة ، قبل فوات الأوان، لو أنّه حمل معه هاتفه الخلويّ لاستنجد بصديقه ...
ـــ حبّك للمغامرة سوف يسقطك في المتاعب ... و أيّ متاعب !!!
ضربت بكفّها على الحاجز الخشبيّ ، سلّت الفرشاة من شعرها ، حزمة القشّ انهالت على الكتفين ، دارت حول نفسها ، أعادت رفع شعرها ، صوّبت نظرها إليه ، لعنته ، بصقت على الأرض ...
ـــ أجسام البغال و ...
تقوقع حول نفسه ، سقط على جلد النّمر المكمّل للّوحة ، لم يكن نمرا و لا جرذا ، حشرج ، كان مغامرا بين يدي مجنونة ...
رفعت الحاجز البلّوريّ المكهرب
....
خطت نحو الجسد المكوّر ثمّ توقّفت ، [الإقطاعي يجلد الظّهر الفولاذي ... ]تبسّمت في خبث ، صوت السّوط يحدث فرقعة ، تأمّلته ، الخطوط الحمراء تغطّي جلده الأسمر ، تثير قرفها بلونها الورديّ ... اقتربت منه أكثر ، ازداد تعلّقا بشرنقته ، جعل من كفّيه درعا واقيا ، أثارتها حركته ، انتزعت حزام بنطالها ، في حركة مباغتة ، لوّحت به نحوه ، تعثّرت ، سقطت ، رمت بالبنطال إلى حيث لا يكون بين ركبتيها ...
جلدة أولى ...
ـــ إلى الجحيم أيّها ... و انطلق من بين الأسنان البيضاء المتناسقة سيل من السّباب
[من يقع عليه اختياري ، سيكون مثال الرّجولة ، الأنفة و العنفوان ، سوف يكون متّزنا جسميّا و عاطفيّا ... ] و جلجلت ضحكة صديقتها :
ـــ هل أنت غبيّة ؟ أم أنت تتغابين عليّ ؟ أيّ رجل يبقى متوازنا ، و هو عاريا حتّى من ورقة التّوت ، أمام امرأة في مثل إغرائك ، تتمتّع برسم انفعالاته على الورق ، سوف تتحولين إلى الورقة ذاتها و سوف يرسم بأنيابه على جسمك ، لا بيديه ...
جلد ة ، تتلوها جلدة ...
ـــ ها هو جرذك يتقوقع أكثر يا صديقتي المغفّلة داخل شرنقته ، و ها إنّنا نخسر الرّهان ، كلتانا ، ها إنّنا نتواجه دون حاجز مكهرب بل و الحقّ يقال هي معركة من طرف واحد ...
كره ضعفه ، خوفه ، لو كانت فتى لكان له معه شأن آخر، و لكنّها أنثى و تأوّه من بين أسنانه ، أيمكن أن تكون هذه المجنونة ، أنثى ، و تساءل أيمكن أن تكون مصابة بداء العصر السّيدا و تريد الانتقام من الذّكور في شخصه ... تكوّر حول نفسه أكثر فأكثر ، لتضربه ، لتفعل به ما تشاء و لكنّه لن يقترب منها البتّة ، لا يريد أن يموت ناقص عمر ...
صرخت به :
ـــ تحرّك ! تحرّك ! افعل شيئا ، سأحرّرك من عقدك ! سوف تعود ، رجلا من جديد ...
لعنها ، لعن الرّجال ، و الرّجولة ، و تمنّى لو ينتزع رمزها و يلقي به إلى كلاب الحيّ..
[ طف ] ...
هزّها الصّوت الغريب ، انتفضت و ارتخى الحزام بيدها ، كانت أمّها ملقاة على أرضيّة الغرفة من هول ما رأت ، ووالدها كمن ربح آلافا مؤلّفة في آخر سحب [ للبروموسبور ]لا يبدي حراكا ، ثمّ و بصوت قاطع ، حشرج كأنّه ينازع :
ـــ هذي آخر الحرّيّة اللي عطيتهالك ، الليلة تعرّسو ...
و تعالى صوتاهما في صرخة واحدة لاااااااااااااااااااااااا
و صفق الباب بقوّة ...
2002