مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 قصة فصيرة

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
عبد الهادي الفحيلي




عدد المساهمات : 93
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: قصة فصيرة   قصة فصيرة Empty7/5/2008, 17:21

الدموع




التقيتها. لم تتأخر كثيرا عن الموعد المضروب بيننا سلفا, عيناها حمراوان مثل حبتي طماطم ناضجتين. دخلنا إلى أقرب مقهى هربا من عيون تحترف الفضح كما قالت هي.
رميت جثتي على مقعد وجلست هي قبالتي. صرت أدخن صامتا. عيناها الماتزالان حمراوين تنبشان في وجهي. أحسهما. أشعلت سيجارة أخرى بجمر السابقة. جاءني صوتها:
- تدخن كثيرا!؟
- .........
- لماذا تدخن؟
- لأني أدخن.
عبرت ابتسامة تفتعل الحزن إلى شفتيها.
سرحت بعيدا. كانت ترمقني, لعلها تنتظر أن أقول شيئا. ليس عندي ما أقوله. هي اتصلت بي وطلبت لقائي. كثيرا ما كانت تؤجل هذا اللقاء عندما كنت أنا أبادر بطلب ذلك. كانت تتذرع بأسباب لا تقنعني ولو أني كنت أبدي تفهمي لظروفها. وهاهي اليوم تبادر. لم أسألها عن سر الحمرة في عينيها. خمنت بأني لو فعلت ذلك فقد أفتح علي بابا من الإزعاج لا طاقة لي على إغلاقه. أيكون لهذا الأمر علاقة بلقائها بي؟
بين الدخان الذي ينبعث من سجائري والصمت الذي يتهادى بيننا, تناهى إلى سمعي صوت ما, رنين أو ما شابهه. رأيتها تخرج هاتفها من حقيبة يدها. تضغط على بعض الأزرار.تمعن النظر وشفتاها تتحركان. أطلقت كلمة واحدة: "أواه!؟". واندفعت دموعها شلالا. لم أسألها شيئا. صرت أنظر إليها ببلاهة. أي مصيبة هذه؟ بعد لحظة بدأت تكفكف دموعها بمنديل. نظرت إلي وقالت:
- اعذرني, لم أستطع التحكم في نفسي.
- لا عليك.
- أمي في حالة سيئة جدا وأنا خجلة منك لأن لقاءنا الأول جاء في مثل هذه الظروف.
- لا تهتمي لذلك. ما يهم هو صحة الوالدة.
أطلت دمعة صغيرة من عينها اليمنى. أخرجت مرآة صغيرة من حقيبتها وصارت تنظر فيها وهي تمرر أصابعها على خديها كأنها تسوي ما بعثرته دموعها. أنظر إليها وأنا أنفث الدخان غير معني بأي شيء مما انتابني اتجاهها في تلك اللحظة.
أرجعت مرآتها إلى الحقيبة وأرسلت نظرة طويلة إلى عيني مباشرة.
-لا أدري ما أقول لك. في الحقيقة لا أعرف من أين أبدأ.
بنت الزانية, ماذا تفعل؟
- خيرا؟
- أرجو ألا تسيء فهمي.
بقيت صامتا. لو تختصر وتعتقني من هذا المرض!
ههمهمت بأصوات مبهمة وأشرت لها برأسي وعيني أن تخرج ما عندها وأنا ما أزال أراود الدخان المنبعث من سيجارتي التي أوشكت على الاحتراق كاملة.
- لقد تركت أمي مريضة جدا والرسالة التي وصلتني قبل قليل أعلمتني أن حالها قد ازداد سوءا. وأنا أطلب منك أن...... تقرضني ......بعض النقود وسأسددها لك حالما تتحسن الأمور.
أحنت رأسها وركزت عينيها على سطح الطاولة التي بيننا.
هكذا إذن؟ المسخوطة, كل هذا المسلسل؟ والدموع والحزن و............. كم من المال تريد يا ترى؟
أدخلت يدي في جيب سروالي وأخرجت ورقة من عشرين درهما. مددتها لها وقلت:
- لا تعيديها لي.
رفعت عينيها إلى يدي الممدودة ثم إلى وجهي. لم تمد يدها لتأخذ المبلغ. مدت نظرة غضبى تحمل كل علامات الدهشة والاحتقار. انتصبت واقفة وانفجرت في وجهي بكل حقد: تفو عليك. أحسست بعيون شتى كانت رابضة في المقهى تغرز نظراتها في هذا المشهد. عندما استدارت وانطلقت لتنزل عبر الدرج المؤدي إلى الطابق الأرضي للمقهى, عضضت على شفتي تحسرا. كان بنطالها يكور ردفيها العظيمين بشكل زلزلني. ابتسمت ساخرا. ما أغباها! في أول لقاء؟ وتلك الدموع, وعيناها اللتان تنبئان أنها كانت تبكي قبل أن نلتقي, أهي حقيقية؟!
لم تنطل علي حيلة الدموع تلك. أعرف أن للنساء قدرة هائلة على التحكم في تلك الغدد التي تطاوعهن وقتما شئن لتفرز محيطات من الدموع ومن......الحزن.
هي لم تشرب حتى كوب ماء. لو أخذت تلك العشرين درهما لكان سعيها أفلح ولو شيئا ما. ارتج جسدي بفعل ضحكة أطلقها شيطاني لهذه الفكرة.
قمت من مكاني وهطبت إلى الطابق الأرضي. طلبت قهوة سوداء وأنا ما أزال أبتسم في خاطري ساخرا.
مع الرشفة الأولى جاءتني صورتها, أينك الآن؟ لو تعرفين ما جرى؟ كانت تبكي لأتفه الأسباب, لم تطلب مني ولو درهما واحدا رغم هذه السنين التي مرت وأنا أسترق منها سر تفاح الدنيا كله. وعندما تنهمر دموعها أضمها وأقبلها وأمسح عينيها فأحس بخلاياي تنشطر وتستبد بي الرغبة القاتلة في مضاجعتها. كانت لا تمانع. أهو البكاء مفتاح الجسد؟ بكت مرة ونحن في حضرة البحر نفترش الرمل هروبا من إفلاس ألم بجيوبي. كانت تشكو لي أباها الذي لا يعدل بينها وبين أختها الصغيرة خاصة في المصروف. وهي تحكي بعض التفاصيل أفلتت دموعها, أسرعت يدي تربت على خدها وتمسح سيولها. كانت فتحة صدرها تراود كل الشوارد في دمي. أمسكت وجهها الغارق في الدموع ونظرت في عينيها. كانتا تصرخان, شفتاها تناديان كل شيطان أرعن في ثناياي. منفرجتان تستجديان جنوني المتوقد. هكذا بدت لي سيما وأن دموعها زادت جمالها القمحي وحشية وصراخا. احتويتها بذراعي وصرت أعصر فمها المضرج بالشهوة بفمي. تركت لي المجال واسعا لأسرح بعيدا على جسدها المحموم غير عابئ بما قد يحصل خاصة ونحن نتلاشى على مرآى ومسمع الريح.
وهكذا, كانت كلما بكت أو بكيت نفعل ذلك الشيء اللذيذ. الحقيقة أنها هي التي كانت تبكي باستمرار. لا أذكر أنني بكيت أمامها مرة. ربما أكون قد فعلت!؟
حتى أمي كانت تبكي كثيرا. ربما لهذا السبب أنجبت عددا لا بأس به نصفه مات وفق ما تذكر هي. هل كان أبي يضاجعها حين تبكي؟ لا أدري, لأنني لم أرها مرة تبكي في حضرته.
أمي لم تكن الوحيدة التي تبكي في البيت. حتى أخي الأكبر رأيت دموعه مرات عديدة, كنت صغيرا, فأقول في نفسي: "ياه, يبكي مثل امرأة!". أختي الكبيرة كانت تمتلك بحرا زاخرا من الدموع. قبل أن تتزوج كانت تبكي كثيرا. لم أكن أعرف الأسباب لأني كنت صغيرا جدا ولو أني كنت أرى أبي ينهال عليها ضربا وشتما. لم تكن الوحيدة التي كان أبي يضربها, أمي كذلك كانت تأخذ حصتها وبسخاء.
بعد زواجها, كنت أراها تبكي أمام أمي وهي تشكو زوجها الذي يراعي خاطر أمه أكثر من اللازم. مرات كانت أمي تضمها وينخرطان في نوبة بكاء طويلة.
كانت كلما بكت تلد طفلا. لها الآن ثلاثة إناث وذكرا. لم تعد تزورنا كثيرا. مرة من المرات التي قلت فيها زيارتها لنا بكت بحرقة حتى جف الدمع من مقلتيها. أمي تواسيها. لكنها لم تلد بعدها.
الشخص الوحيد الذي لم أره يوما يبكي هو أبي. لكنه بكى مرة. لم أبصر دموعه بالطبع. كانت عيناه منتفختان ومثل الجمر. قيل لي إنه بكى حزنا على ابن عم لي يعزه كثيرا جدا مات في ريعان شبابه. حتى أنا بكيت عليه. الكل بكى حزنا ذلك اليوم.
أبي بكى إذن! جلمود الصخر بكى! كان قد عانق زوجة عمي –أم الفقيد- وأطلق العنان لدموعه, كما ذكر لي.... ربما بكى لحسرته على حظه العاثر وهو يتحسس جسد زوجة أخيه المثمر والناضج, فقارن بينه وبين جسد أمي الذي أكله الزمن؟!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فتحية الهاشمي
الادارة و التنسيق
فتحية الهاشمي


عدد المساهمات : 1899
تاريخ التسجيل : 23/01/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد   قصة فصيرة Empty7/5/2008, 19:29

أخي عبدالهادي أضحكتني حكاية الدموع هذه حتى

دمعت عيناي و لكنني لن أنجب بعدها

ههههههههههههههههه

فعلا أعجبني أسلوب الحكي عندك ولكن قاعدة البكاء هذه

صديقي لا تنطبق على كلّ النساء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الهادي الفحيلي




عدد المساهمات : 93
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد على الموضوع   قصة فصيرة Empty7/5/2008, 23:11

--------------------------------------------------------------------------------

أخي عبدالهادي أضحكتني حكاية الدموع هذه حتى

دمعت عيناي و لكنني لن أنجب بعدها

ههههههههههههههههه

فعلا أعجبني أسلوب الحكي عندك ولكن قاعدة البكاء هذه

صديقي لا تنطبق على كلّ النساء





أنت التي أضحكتني عزيزتي فتحية.
هو شيطاني من أوحى لي بذلك.
أعرف ما قلته بخصوص قاعدة البكاء تلك. ربما من عرفت كن يفعلن ذلك؟!!! هههههه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لميس سعديدي
مشرفة



عدد المساهمات : 285
تاريخ التسجيل : 13/04/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: قصة قصيرة   قصة فصيرة Empty13/5/2008, 15:48

[size=24][/size]

يا أخي الفحيلي ماخطب الدموع في قصتك مخصبة ؟!

الحمد لله أننا في الواقع لا نلد بعد الدموع لكانت أزمة السكان خلقت كارثة

جميلة هي القصة لبساطة حكيها الدي طبعته بالعفوية

وأجزم بأن دموع الوالد لم تكن إلا بسبب الأسى أنا أعرفه لإهو يشبه والدي

شكرا أمتعتنا أخي عبد الهادي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حسن بواريق
الاشراف العام
حسن بواريق


عدد المساهمات : 801
تاريخ التسجيل : 12/02/2008
العمر : 70

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة فصيرة   قصة فصيرة Empty13/5/2008, 20:14



لو اطلع المسؤولون الصينيون على قصتك
لأصدروا قرارا بمنع بكاء النساء...
الأخ العزيز عبد الهادي الفحيلي
لقد استمتعت حقا بسردك
دام لك الألق
مودتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الهادي الفحيلي




عدد المساهمات : 93
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد على الموضوع   قصة فصيرة Empty13/5/2008, 20:58

الأخت لميس
شكرا لكلماتك الجميلة. لو اطلع أبي الحقيقي على هذا النص لطرد اسمي من صفحتي في كناش الحالة المدنية. هو الأب هنا رمزي وكل الشخوص كذلك لكن لوثة الإبداع أختي تحطم الحواجز بين الواقع والخيال.
تحياتي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الهادي الفحيلي




عدد المساهمات : 93
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد على الموضوع   قصة فصيرة Empty13/5/2008, 21:01

الأستاذ حسن
لو فعل الصينيون ذلك فسأبدع لهم سببا آخر يجعل النساء تلد غير الدموع. ههههههههه
مرور كريم . تحياتي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حبيبة عياشي
مشرفة
حبيبة عياشي


عدد المساهمات : 195
تاريخ التسجيل : 04/02/2008
العمر : 44
الموقع : تونس

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: قصة فصيرة   قصة فصيرة Empty14/5/2008, 07:15


lol! لا حبوب لمنع الحمل بعد اليوم lol!
نعم لقرار منع الدموع

Razz Razz Razz Razz Razz

نصّك رائع أستاذ عبد الهادي
حقّا استمتعت بقراءته
سأسجّل حضوري في كلّ نصوصك

مودتي




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عبد الهادي الفحيلي




عدد المساهمات : 93
تاريخ التسجيل : 05/02/2008

قصة فصيرة Empty
مُساهمةموضوع: رد على الموضوع   قصة فصيرة Empty14/5/2008, 13:16

أشكرك أخت حبيبة
هي الدموع تحيط بنا من كل الجهات وتطلع علينا من كل فج عميق. فلنسخر منها ماشاءت لنا السخرية.
تحياتي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قصة فصيرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصة فصيرة
» قصص فصيرة جدا ترجمة مرتضى العبيدي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات سردية :: مدار القصة-
انتقل الى: