ويرنو ..كما التي ....
أحمد ختّاوي
.
ساعي البريد يتوسط الباب الخلفي للغرفة المطلة على حديقة السلطان .. ظلت ترنو إليه كما التي ..لم تنبس ببنت شفه.حدثهما الصقيع بما يكفي وأزيد .. وأحتوى المكان رنو كل واحد منهما... عنيدان كانا .. ساعي البريد في قفله جمجمة رسالة بلا توقيع ، وفي سترتها ابتسامة الربيع .. وفي مدونة العجوز ملاذ السنين .. وبقايا من قصائد المتنبي التي أهداها لكافور الإخشيدي سرا دون أن تنقلها وكالات الأنباء ولا فرسان البراري ..
احتشدا بالمكان ، لا الرسالة أطلت من المحفظة ولا اليتم في عباءتها أصر على البوح ..لم يكن المتنبي عربيدا كما وصفته العجوز ، ولم يكن متغطرسا أمام كافور الإخشيدي كما قالت الكتب ..
ودنت منه . فيما تشبث بقفل المحفظة ..غارت عيناه . لم يفتح قفل المحفظة ..رنت إليه في وجل ..
ضحكت العجوز .أطلت الرسالة من ثقب المحفظة ..استوت على السطح قبالة الغرفة . اختطفتها فأرة متوحشة .. سلبتها منها الجحور . لم تكن الفأرة أسيرة ..
كانت تتوسد محفظة ساعي البريد الذي ظل يرنو إليها كما التي .. وتوارى لكنه وقّع الرسالة نيابة عنها .. لم تجرؤ .. ظلت ترنو إليه كما التي .. وظل يرنو بدوره..
هذه المرة أطلت الرسالة .
قالت / من يخلصنا من فيل السلطان الذي يشرب ماءنا .
قالت العجوز / المتنبي أولى فأولى ثم أولى فأولى . رقصتِ الفأرة .. تهاوت اللحظة ..
وتسربت الرسالة كرسم كاريكاتوري من قاع المشنقة التي كانت منتصبة خلف الغرفة الخلفية ..ساعي البريد يتضوع جوعا .. يشرب ماء السلاطين كما العادة جرت ..يغمره المزن خارج الدار .. تبللت الرسالة ..
قلنا جميعا : المزن أولى فأولى ، ثم أولى فأولى .. وانصرفنا نحن أيضا نرنو إليها كما التي .. ارتوت البحار بماء المزن وارتوينا بالضحك .. كنا أولى فأولى ، ثم أولى فأولى ....