الساحرة التي تحقق سعادتها بقصاصات ورق تبعثرها في الهواء
قراءة في رواية نهى محمود الحكى فوق مكعبات الرخام
هشام الصباحى
الرواية أو المذكرات أو المجموعة القصصية لك مطلق الحرية في تسميتها كما تشاء صدرت للروائية نهى محمود كعمل أول عن دار ميريت في القاهرة بإسم الحكى فوق مكعبات الرخام لن تجد صدقا أكثر من هذا في الكتابة والمشاعر وعشقا للآخر الفائت والحاضر.. من اللحظة الأولى أنت وأنا بصحبة كائن يعلن انتمائه و إمتنانه للأسرة أما وأبا من الإهداء ويبحث في كل الأساطير عن الآخر الذي انفصل عنه و عندما تغلق آخر صفحة ستشعر بسعادة شديدة بعد أن حصلت بسمة وهى بطلة المذكرات والتي لن تعرف اسمها إلا في الصفحات الأخيرة من الرواية على أميرها الجديد الذي غير كل شئ والذي اكتشفت معه أماكن جديدة وعوالم أخرى لا تشم بها رائحة الماضي بل تفوح بعطر المستقبل
والذي يبدأ في التحقق والخلق والظهور إلى الحياة مثل جنين ملائكي جميل
وفى اللحظة التي تتوقف الكاتبة /البطلة عن استخدام جملة تصبح على خير كنهاية لليومية تبدأ في وضع حدا لتعاستها وتعاسة القارئ معها والانفتاح على الحياة بكل حواسهم المشتركة القارئ والبطلة والكاتبة معا ولان الموت و الفراق يبدأ كبيرا ومأساويا وحادا وعنيفا ومدمرا لذا فهو سيطر على اغلب صفحات الرواية و مع مرور الزمن يتحول إلى وداعة وهدوء ورقة وحسرة خفيفة على الفقد وأيضا تاريخا إنسانيا جميل بلون الألم الذي سوف نضحك عليه بعد تجاوزه والبعد عنه والانشغال واللعب مع الحلم والمستقبل
السرد في الرواية يأخذ شكل الجمل القصيرة والمكثفة والتي تحدد ما تريد وتصيب الهدف مباشرة وكيف تريده في اختزال شديد يفتح داخلك شهوة القراءة إلى مداها الأوسع والأرحب الامتناهى وخاصة انه يمنح الرواية إيقاع موسيقى سريع ومتدفق ومتلاحم ومتواصل دون فاصل أو هدوء نسبى
حالة البطلة وهى تحكى لنا كل تفاصيلها مع الآخر/الحبيب /الماضي مستخدمة تقنية التذكر لما كان يحدث وتسجله في يومياتها التي تنز ألما أنثويا نبيلا وصادقا يجعل الصفحات تتحول بين يدي القارئ إلى كائن من دم ولحم ونبض كما أنها تقدم في الرواية كل التفاصيل المادية الملموسة والنفسية الى تجعل
الغائب فقط بجسده حاضرا في كل سطر وكل نفس في حياة البطلة حتى أن عبارة تصبح على خير هي الأكثر تكرارا في نهايات مقاطع /يوميات عدة مؤكدة على استمرارية الحضور الكامل للآخر وعدم الاعتراف بالفقد وربما يكون هذا راجع إلى فطرة الأنثى التي تتجلى كاملة في الرواية والتي تهتم بكل التفاصيل الحياتية والإنسانية التي حدثت مع الآخر/الماضي الذي يجعلها تتحدث مع قائلة-لن نتبادل هذا العيد الأمنيات ولا الأوراق المالية الجديدة
كنت تحفظها لي كل عيد .. طفلتك الأثيرة كنت - (الرواية ص 49) وتقدم لنا صفات له مثل -أنت صاحب أجمل تعليقات على البشر أسمعها في حياتي (الرواية ص50)
نجحت الكاتبه في حشد الرواية بكل التفاصيل الكبيرة والصغيرة التي تظهر في المتن والتي تتوارى في الهامش دون ان تفقد التواصل الحميمى مع مشاعرنا إنها تنتصر من اجل المشاعر الإنسانية العادية والحياتية البسيطة والمحدودة و لا تتورط في اى نوع من الإيديولوجيات أو حتى توجيه العمل إلى هم جماعي أو لعب دور المرشد أو النبي أو العراف
نجحت نهى أن ترسم لنا صورة أنثى تسير في الشارع ..تعمل في المستشفى وتنام في بيتها وهى ينز دما دون توقف ليضع في كل مكان بصمتها المؤلمة والتي لايمكن علاجها إلا من ذي صفة حيث انه واحد فقط القادر على المداواة هو أمير حبها الذي وجدته في نهاية الرواية الذي أسعدها وأسعدنا معها وجعلنا قادرون على مشاركتهم رواية جميلة مثل الحكى فوق مكعبات الرخام
هشام الصباحي
H.alsabahi@gmail.comالصين في 18-3-2008
https://www.facebook.com/group.php?gid=8147277718