الى سى محمد منير الذى يقاسمنى لوعة الغياب
كان أبي.
أبى ما عاد.
تلفظني الحافلة,أو تلفظ ما تبقى منى على الأصح.
خائر القوى..رئة ملأها الغبار ودخان السجائر الرخيصة
تلفظني بعراء موحش, لكنه اقل عذابا من تلك الحافلة اللعينة ...ضجيج يعلو كلما اهتزت,دخان يكاد يفقأ المقل يتسلل من الشقوق كلما اختنق صوت المحرك,كلام يزداد بذاءة كلما احتدت المشادة .تلفظني قطعة من العرق والغبار...اركن إلى جدع شجرة يتمها العطش,وخدش قليلوا الحياء لحاءها بعبارات تجرؤوا,هم العابرون في خلوة مع أنفسهم,أن يخلدوا وهمهم على لحائها الجاف.
جلست أملأ صدري بنهم,ارقب بنظرات متعبة وجوه من مر بى ,على قلتهم, تلمست هاتفي المحمول ولجت بوابة الرسائل القصيرة" عزاؤنا واحد , الدفن غذا" غزاني احساس مرعب بالفجيعة.
أبي ماعاد.
رفعت بصري,غيوم تتمرغ كدببة بيضاء,تتمزق وتندثر كالضباب...
كان العالم يمتد امامي عاريا وموحشا صامتا حد البلاهة...
اقتحمت صمت العراء الممتد,كتلة من الحزن عبر ممر ملتو وضيق عليه اثر حوافر...رحت اميز بين الذى يئن تحت ثقل وبين الاقل ثقلا بدرجة انغراس الحافر في هذا التراب,بين الذى اطال الوقوف عنوة وعنادا وبين الذى اوقفته حاجته...اكتشفت هروبي من غصة الفجيعة,التفت غابت الشجيرات وسط سراب لافح....
عانقت الربوة من جهتها الشرقية كي لا اخترق بيوت القرية المتلاحمة...لاح بياض شواهد القبور,لمع زجاج قنينات منغرسة اعناقها نحو الاسفل,رخام هنا وهناك يؤرخ لوعة الغياب وقسوة التجربة لتعاند النسيان...
دنوت من الامتداد الحديث ,دنوت ممن لم يستو سطحها بعد فكان بلل التراب دليلي الذى وفر عنى عناء البحث...
أثر اقدام كثيف حول القبر" لعل الذين رافقوك كثر ,وتركوك وحدك في هذا العالم السفلي." تحسست قرآن الجيب الذى لايفارقنى ,قرأت "يس" والدموع تبلل لحيتى ...رفعت رأسي,مازالت الغيوم البيضاء تواصل تمزقها...كانت دموعي تجلل هذا الذى كان...
أبي ماعاد.
أبي اختار الرحيل.
دنا منى طيف ـ كان كثيرا ما يراود أحلامي طفلا ـ لا ملامح له,مطأطأ الرأس كأنه يرفض القدر الذي ساقه إلي, صوت كالصدى به مسحة حزن عميقة ...دعا لي بالصبر والسلوان.