عن صحيفة العرب القطرية العدد202 7
السبت01 مارس 2008
«مرثية رجل».. لمن جرب غياهب السجن
2008-02-30
الرباط - حسن الأشرف
صدرت أخيرا مجموعة قصصية للكاتبة والقاصة المغربية البتول المحجوب لمديميغ، موسومة بعنوان «مرثية رجل» عن مطبعة سجلماسة بمدينة مكناس (وسط المغرب). والمجموعة القصصية الجديدة للبتول راجعها الناقد والشاعر المغربي إبراهيم قهوايجي، وقدم لها المبدعان حاتم قاسم وحسين الهنداوي.
شاعرية القصص
وجاءت قصص الكاتبة المغربية -كما ورد في التقديم- بلغة سلسة وشاعرية صبغت المجموعة بألوان من الحنان القزحي، وهذا ما جعل القاصة تقفز بلغة القصة من السردية إلى أجنحة الخيال الواعد»، وكتب «قهوايجي» على ظهر الغلاف.
إن في المجموعة القصصية «نزعة إنسانية بدوية صافية، تهجس بالغياب والرحيل والحزن، ويتمة غياب الأب تظل مهيمنة فيها لأنه الرمز المتعدد..».
وتؤكد القاصة المغربية البتول المحجوب في حديث لجريدة «العرب» أنه ليس بالضرورة أن يرمز الأب في المجموعة القصصية إلى الإنسان كفرد، فقد يتعداه إلى رمزية المكان .. الوطن.. الذات الإنسانية الرائعة.. السمو.. الحب الدفء، الأمان والفضاء النقي، كون الأب في الحياة وعند شخوص النصوص القصصية يمثل السمو والنقاء والحب الجميل والحياة الأكثر إشراقا في حياة كل فرد».
وحول سبب كتابتها الجانحة نحو الشاعرية، تقول البتول إن «الأسلوب الشاعري الحالم غلف معظم النصوص الموجودة بداخل المجموعة القصصية، معتبرة أن هذا المنحى في الكتابة القصصية لم يكن مقصودا، وإنما ولد كتعبير عفوي عن الذات الإنسانية وما تهجس به من شعور وإحساس داخلي بما هو جميل تعبير عن ذات الإنسان الجريحة والباحثة عن كلمة عذبة حالمة، لذا طغى أسلوب شاعري حالم كتعبير أو كحلم نسعى أو نحلم بتحقيقه في حياة كل منا».
مرثية لكل رجل رائع
وتحدثت القاصة المغربية في تصريحات لجريدة «العرب» عن الصحراء كمكان أساسي يؤطر قصصها بالقول إن «مرثية رجل» وليدة فضاء صحراوي تستمد انتعاش روحها من رائحة الثرى المبتل وتستمد دفئها من دفئ رمال ذاك الفضاء الصحراوي الممتد دون حد، لذا تجد الصحراء ورائحة البداوة الموغلة في بادية بعيدة حاضرة بقوة في النصوص القصصية»، مضيفة: «ربما يكون حنينا ما لمكان بعيد.. أو حنينا للعودة لما هو جميل ونقي.. أو حنينا لفضاء لا حدود له بعيدا عن صخب المدن وضجيجها وعن أسوار جدران تقيد كل تفكير حر».
وتبرز البتول أن الاحتفاء بالفضاء الصحراوي كحكي داخل النصوص هو افتنان بالمكان أولا، واحتفاء بشخوص النصوص السردية الذين يرتبطون بالمكان كمكان وُجد في زمن جميل، وأيضا الاحتفاء بالبادية يبقى أملا أو حلما ببهاء المكان/الفضاء الحر، ويجعل شخوص النصوص القصصية يتنفسون بحرية أثناء هذيان الحكي، لذا يحتفي الكاتب وبطل السرد بالمكان والزمان معا».
ولأن الرجل كان حاضرا بقوة في قصص البتول المحجوب، تؤكد هذه الكاتبة المغربية أن الرجل بالنسبة إليها «إنسان بهي.. وأب رائع وأخ جميل وصديق مميز.. بل أكثر من هذا فالرجل وطن دافئ وبلسم للجراح».
وخلصت القاصة في حديثها للعرب أن كتابها «مرثية رجل»مرثية لكل رجل رائع،
ولكل إنسان بهي عرف الألم وأقبية الظلام وغياهب الزنازين المظلمة ولم ينكسر، وهي أيضا «مرثية لكل من عاش على أمل الخلاص يوما ما، ولكل من يحلم بفضاء جميل تسوده المحبة والإخاء والسلام».
وهكذا، تأتي المجموعة القصصية «مرثية رجل» إضافة للإبداع المغربي الراهن الذي تناول -دون توغل تأريخي- معاناة وآلام ضحايا سنوات الجمر التي عرفها المغرب خلال مرحلة من مراحله التاريخية.
مرثية رجل
وتحفل قصة «مرثية رجل» القصة /العنوان بالتفاصيل الدقيقة وسبر أغوار النفس البشرية، لهذا جاءت كثيفة المعاني وقوية النفَس إلى درجة التماس مع الخطوط المحددة لكتابة رواية. وفي ما يلي مقطع رئيس من قصة «مرثية رجل»:
إلى من ظلت عيناه تبحثان عن أمل ضائع.. إلى من عاش على أمل الانعتاق، إلى من تاق للخلاص.. للحياة من جديد.. إلى من مات قهرا في أقبية الظلام.. إلى من انطفأ بعيدا عن أحبته.. إلى من احترق بنار الغياب والانتظار.. عيناه نحو سقف زنزانة ضيقة.. النوم يجافيه، يفكر في صغار تركهم.. أي مصير ينتظرهم..؟ من يرعاهم بعده..؟ حرقة سؤال وألف سؤال تراوده لحظتها. يتأفف من ضيق المكان.
يصرخ.. أكاد أجن، أشعر بالاختناق. ينظر إليه زميله بحزن قائلا:
ـ لا داع لهذا.. ستطول سنواتك هنا.. اصبر، لصغارك رب يحميهم، كن أكثر أملا.
يبتعد به فكره يتذكر أسرته، يتذكر الأشياء الصغيرة.. يبتسم بحزن.. تدمع عيناه.. يخاف غدر الزمن.. ذئاب الليل.. يدعو الله في صلاة صامتة أن يحفظهم.. يدخل أحد رفاقه قاطعا حبل انغماسه قائلا:
ـ اطمئن الحياة تستمر هناك.. ونحن نتعفن في هذه القلاع المنسية. رحلة العذاب يا رفيقي يظهر أنها ستطول يرمى بنا من مخبئ سري لآخر ألا ترى رحلة العذاب من (اكادير - لورزازت - اكدز) وها نحن الآن نتعفن في (قلعة مكونة) جحيم آخر ومخبأ عذاب وتعذيب، يطول ويطول، يعصر مابين حاجبيه بقوة علّه يمسك بذاك الصداع المدمر الذي يصيبه..
ـ أما من وسيلة للخروج من القمقم.. من رمى بنا في قلعة الجحيم «المكونية» هاته؟ تبا لهم.. أي مصير مجهول نساق إليه..؟
يستلقي على ظهره.. ينظر للسقف هل ضاع أملنا في الخروج..؟ نتعفن هنا كعلب سردين نتن.. أي مصير هذا.؟ يردد هاته الكلمات اليائسة في نفسه.. عيناه يقظتان تبحثان عن خلاص.. تمر أيام، ليال وسنوات عجاف.. يضيق ذرعا بكل شيء.. يختنق.. يصرخ.. يئن من ضرب جلاديه..
............................................................................................................................