تيفلت وجدانا للتسامح الثقافي
كلمة الجمعية
عبد الحميد شوقي
على حدود التماس بين الأطلس المتوسط وسهول الغرب ، بين الأمازيغ والعرب ، تقف كوشم يدل على نزوح الوجدان إلى الجسد الزموري المترَع بالأهازيج والفرح والطوطم وحكايات الأسلاف . إنها تيفلت البلدة التي وُلِدتْ بوادي النخلات بين حقول الفلفل الشاسعة ومواويل المنشدين القادمين من شهيق الأطلس المتوسط ،ونداءات الباعة الآتين من أسواق دكالة والشاوية . يمتزج الجرح الأمازيغي بالتيه العربي في هذه المنطقة ، وتتداخل الأصوات المحملة بذاكرة الانصهار الثقافي الذي لم يكن أبدا سهلا ، ولم يصدر أبدا عن وعي سعيد وساذج الأبعاد . وُلِدت تيفلت من رحم الاختلاف والتضاد والتداخل والصراع . هذه وقائع تاريخية لا مجال لإنكارها . لكن تيفلت شيدتْ لنفسها كينونتها الخاصة ، وبصمتها المتفردة في التسامح والانفتاح والتعدد . فتحت روحها لأهازيج " تموايت " ذات الحزن الإنساني الآسر ، لدندنات " المرساوي " التي تذكر سليلي بني هلال وبني معقل بشمس الحقول الدكالية والشاوية وما يجاورها من عبدة والرحامنة والشياظمة ، وللآهات المتوحشة لصحراوة القادمين من كصور ورمال الوافدين من الجنوب وشطحات سواسة المفعمة بعبق الأشجار في الأطلس الصغير. يمثل فضاؤها العام صدى لهذه الفوضى الخلاقة في تداخل اللهجات وتعدد التقاليد وغنى الإيقاعات . لكنها بالتأكيد نحتت ذاكرتها الجماعية وهويتها المنفتحة رغم قصر تاريخها الذي لا يزيد عن مئة سنة أو أكثر قليلا . هذا واقع لا يمكن القفز فوقه : تيفلت ناتئة في التاريخ ، لكنها مع ذلك فهي تمثل بلد التعدد اللغوي والازدواجية الثقافية والتسامح الأخلاقي . وهذا ما يشكل ، ربما ، محور هويتها التي نذرت نفسها لمحاربة الانغلاق . يقول عبد الكبير الخطيبي في " النقد المزدوج " : " إن التعدد اللغوي أو الازدواجية قوة للمعرفة والتسامح ، عندما يكون لها مركز ثقل محدد للهوية ، ويكون تعبيرا عن الإجماع ، فيما تتحول إلى عامل من عوامل ضياع الطاقات وانكفاء المجموعة ، حين يتم إخفاؤها أو إنكارها . فإنكار الواقع يؤدي إلى التخلف وإلى هشاشة الصورة التي نرسمها لأنفسنا . "
من هذا المنطلق ، تنفتح جمعية الإشعاع الثقافي على بعد من أبعاد الهوية الثقافية للوطن ككل ، ولمنطقة زمور بالخصوص ، وهو البعد الأمازيغي ممثلا في الاحتفاء بالفنان عبد الواحد حجاوي والشاعر مصطفى سرحان ، لكي نقول للمرة الألف إن الأمازيغية لا ولن تكون مرادفا للفولكلور والبهرجة والعجائبية . هناك شعر أمازيغي أصيل خارج عن التقليد الجماعي ، يكتبه أفراد يشكلون ذواتٍ شاعرةً لها استقلاليتها الإبداعية ، وهناك فنانون أمازيغيون ينحتون إيقاعاتهم وأعمالَهم من خلال تجاربهم الذاتية التي تستلهم التجربة الجماعية ، ولكنها تطبعها بأسلوبها الشخصي . لا نعني بالثقافة الأمازيغية هنا مجرد التماهي مع الموروث الأطلسي أو مجرد الإنصات إلى شاعر يكتب على منوال الشعراء المجهولين في الذاكرة التاريخية ، ولا الإنصات إلى مغنٍّ يردد ما تناهى إلى سماعه من ألحان شعبية جاهزة في الوجدان ، بل نقصد مبدعين حقيقيين يجسدون فرادة الخلق والقدرة على الإنتاج من خلال العناصر المشكلة للأثر الإبداعي كالذاتية والتخييل واللغة والتكثيف ، لكنه إبداع لا ينفصل عن التجربة الجماعية وإنما يعيد تشكيلها من جديد .
مرحبا بكم جميعا .
تيفلت 24-12-2011