مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
مدارات
المدير العام
مدارات


عدد المساهمات : 134
تاريخ التسجيل : 18/01/2008

المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي Empty
مُساهمةموضوع: المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي   المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي Empty2/3/2008, 09:10

المرأة الحلم




أصابته الرّعشة و جسمه المنحني على الوجه الشّاحب تكهرب ...
القمر اللّيلة مكتمل ...
لعق الشّفتين ... طعم التّربة ...إنّهما بطعم تربة نديّة ، مرّر سبّابته على مكان القبلة ، تمعّن في الإصبع الممتدّ أمام العينين المشدوهتين ... إنّه يحسّ حبيبات الرّمل فوق لسانه و لكنّه لم ير شيئا ...
كان يسير خلف خطوها الخفيف مسلوب الإرادة ، مشدود ا إلى الجسم المتموج أمامه كنسمة خريفيّة ذات عصر ... القدمان الصّغيرتان لا تكادان تلامسان العشب النّديّ و الذّراعان المتدلّيان تشيران إليه بالسّير قدما، و الشّعر ضيّق ما بين عينيه وهو يتعرّف إلى لونه :
لم يكن كستنائيا و لا أحمر ، و لا خرنوبي ، على كلّ حال هو يعترف بجهله اللاّمحدود في معرفة الألوان و لكنّ ما شدّ انتباهه، طوله، كان شعرها يتماوج وراءها، يظلّلها كلّها حتّى أنّه لم يتبيّن معالم جسدها البتّة...
كان كحقل قمح ينام على الظّهر المنتصب...
أراد أن يسألها عن سرّ طوله و لكنّها أشارت إليه دون أن تلتفت وراءها
ـــ لا تستعجل الأمر، كلّ شيء في أوانه...
ـــ أيّ أمر تقصدين ؟
ـــ يتعبني التّحديق في ضوء القمر !
ـــ و لكنّه دليلنا !
ـــ ربّما كان دليلك ، و لكنّني أعرف طريقي تماما .
ـــ أين تقطنين ؟
ـــ و لكنّني لا أقطن مكانا ، فكلّ الأماكن منزلي ، ربّما بضع خطوات من هنا ، ربما هناك ،
حيث أنام أحيانا كثيرة ، أو ....
اصطدم بالجسم الرّخو في تقدّمه اللاّهث و في توقّفها المباغت ، شعرها المنتفض حين استدارت ،فاحت منه روائح لم يألفها أنفه ، شدّ نفسا عميقا وأحسّ بدوخة خفيفة ... قد تحمله تلك الرّائحة إلى مكان ما ، لحظة ما ، مازالت محفورة في ركن قصيّ من ذاكرة ترفض النّسيان ....
ـــ لا تتعب ذاكرتك أكثر ! لا تستعجل النّهاية، قد تأتي عجلى ، مقيتة !
ـــ أو قد تأتي خفيفة كقطرة ندى !
انسابت كلماته في يسر و أذناه تلتقطان حفيف ثوبها الشّاحب ...
مدّ يده إلى الأصابع النّائمة في كفّها الأخرى ... للحظة تراءى له أنّ البريق المنبعث من العينين الآسنتين شدّه إلى اللاّمكان و اللاّزمان ... قد ينتهي في كفّ ممدودة و عين برّاقة ...
انسلّت كنسمة و هي تتحرّك أمامه ...
هي لا تمشي ، لا تطير ، خشخة العشب المتكسّر تحت خطوها أصابته برعشة خفيفة ،شدّ ياقة جاكتّته ، شدّ نفسا عميقا من السّيجارة المشتعلة ، على بريقها لمع الخلخال الملتصق بالقدم الصّغيرة ... اللّيلة ! إنّه عيد زواجه ... ربّما عيده الأوّل أو العاشر أو اللاّمحدود ...
في مثل هذه اللّيلة تزوّج المغفور له ... أضحكته العبارة ... شدّها من خصرها ، أدارها حول نفسها ، صفّر طويلا ، الخلخال أحدث صوتا ... تناهت إليه وشوشات ، همسات ، زغاريد ...
الرّائحة ... ليست هاته الرّائحة طبعا ، هذا ما تأكّد منه الآن ، دسّ أنفه في الشّعر المنسدل ، أحسّ برغبة شديدة في البكاء ... ربّما هذا ما كان يحتاجه فعلا ...
جاءه صوتها باردا ...
ـــ دع البكاء لي ... عليك أن تحتفل بعيد زواجك !
ـــ فلنحتفل سويّا !
ـــ يتعبني ضوء القمر !
ـــ لا أعرف الرّقص ! قد نصل إلى حلّ ما ...
ـــ عليك بالعودة الآن !
ـــ و أنت ؟
ـــ سأظلّ حيث أنا ! ستعود في العيد الماضي ... ؟؟؟
ـــ كيف ؟
ـــ لنفترق الآن ! ها هو الفجر يزرّر أسراره !!!
ـــ أتخافين الضّوء ؟
نظرتها انطلقت بعيدا عنه ...
شدّها إليه ، أحسّ بها هشّة ، على وشك العطب في أيّ لحظة ... انسابت من بين يديه ، شفيقة ، خفيفة ...
تحت ضوء القمر المكتمل تحوّل اللّون الأسود الفاحم إلى ... لم يتبيّن اللّون العالق بثيابه و لكنّه قطعا لم يكن لونها الحقيقيّ...
دفع الباب بقدمه ، و ذقنه يضغط المشتريات و ذراعاه تتلمّسان المكان و تحاولان الضّغط على زرّ الكهرباء ...
تلمّت الأحباب و جات من كلّ قبيلة ...
حمله اللّحن إلى لحظة بذاتها ...
ـــ كلّ عام و نحن عرائس ...
الدّوخة لم تغادره إلا لتعود إليه أشدّ من ذي قبل ...
يده الممتدّة إلى الكأس المفعمة لم تمنعه من تنشّق رائحة غريبة، ممزوجة برائحة تربة نديّة ، حكّ أنفه و عيناه تلتصقان بالشّاشة أمامه ، تتابعان أدقّ التّفاصيل في حفل زفافه المشهود ...
شفتاه المنفرجتان توقّفتا على حافّة الكأس المترعة ...
يده الملقاة على الكتف الرّخو ،ضغطت عليه في عنف ظاهر ...
ـــ أَحّيتْ ! شْويتْني ...
الوجه الملتصق بالشّاشة ، كان محتقنا ، مستثارا ، و العينان الآسنتان تشتعلان في تحدّ و الجسد الملفوف يهتزّ اهتزازا متواترا و القدمان ...
ـــ أوقفي الفيلم ! أوقفي الفيلم !
صرخ بزوجته ...
الوجه الملتصق بالشّاشة ، يصيبه بالقشعريرة و سواد العينين يصيبه بالتّوهان و الجسد الهشّ ينساب بين يديه شلاّل ضياء ...
ـــ مسكينة ! لقد ... ! ألا تذكرها ! إنها ...
فاحت الرّائحة أكثر !
العينان البرّاقتان تلمعان و أصابعه تعبث بالألبوم العائلي ، تبحث عن كلّ شيء ،أو عن اللاشيء في تلك اللّيلة المشهودة ...
السّواد يلفّ الغرفة و هو في رحلة البحث تتوه نظراته والقطّة السّياميّة تقرفص أمامه في استكانة و بريق عينيها يقوده إليها ...
إلى وجه تائه ، شعر برائحة التّربة النّديّة و خلخال يهتزّ مع وقع قدم صغيرة ...
تحرّكت يده تثبّت رأس القطّة ، تصوّب نظرتها إلى الصّورة السّاكنة بين دفّتي الألبوم .... قطعا لم يكن يحلم ....
يده اليمنى تبحث في جيب بنطاله عن المفاتيح بينما كانت اليسرى تشدّ ياقة المعطف إلى أعلى و تضغط على الوجه الحليق في حركة تبعد عنه التّردّد قليلا أو هي تشدّ من أزره أكثر .... في الخارج الهواء البارد لفحه ، تطاير المعطف و هو يسرع نحو السّيّارة و قطرات المطر تتساقط في تواتر ، رفع رأسه نحو السّماء ، هزّ كتفيه في لا مبالاة و أدار المحرّك ....
بضعة أمطار أخرى وانفجرت السّماء بالبكاء ....
يمناه تعبث بالمسجّل و يسراه تتشبّث بالمقود بينما تلهث عيناه باحثتان عن خيال شفّاف بقدم صغيرة يزيّنها خلخال مميّز ...
السّيّارة المسرعة تجاهه ، سائقها صوّب ضوء مصابيحها نحوه ، فاجأته الحركة ، غطّى عينيه بظاهر كفّه و هو يحاول الإفلات منها ، انزلقت العجلات إلى جانب الطّريق ، آلمته الصّدمة ، أمسك بجبينه و السّيّارة تتوقّف تدريجيّا و خيوط المطر تعانق الإسفلت ....
أحسّ بحرارة في كفّ يده ، تأمّله ، تأمّل وجهه في المرآة أمامه ، كان هناك خيط قرمزيّ يسيل على خدّه الأيسر ...
الثّوب الشّاحب يتماوج أمامه و الشّعر المنسدل يمنعه من الرّؤية ، أحسّ بالغثيان وهو يستقبل الجوّ الماطر ....
تحرّك ببطء ، أحسّ بثقل في رأسه و كلّ جزء في جسده كان يؤلمه حدّ البكاء ، اتّكأ على جذعه ، كانت الجدران تتراقص أمام عينيه المتعبتين و السّقف يقترب من وجهه ، أحسّ بالاختناق ، أغمض عينيه و ألقى بجذعه إلى السّرير ...
صور قديمة ، بعيدة ، شدّته إلى الأسفل ، المعلّم يجذب الأذن ، يمسك بها بشدّة ، الوجه الأسمر يحمرّ حدّ الاحتقان ، العين الصّغيرة تحملق في اللّوحة و الصّوت البغيض يأمر في عدم رحمة :
ـــ اقرأ ! اقرأ !
الحروف تتراقص أمام العينين الخائفتين ، الوجه الخمريّ الصّغير تتغضّن تقاسيمه و الشّفتان الصّغيرتان ترتعشان في انفعال شديد و هي تهمس في أذنه الكلمة المرسومة على لوحه ...
حمل عنها محفظتها ، يومها ، بعد أن تركت عصا المعلّم علامات لن تمّحي إلا بعد أيام عدّة عن الذّراعين النّحيلين ...
رأسه يؤلمه بشدّة و اللّون الشّاحب يحجب عنه الرّؤية ، فتح عينيه ، ركّز نظره على الجسد المنتصب أمامه ، إنّه الفجر : نعم هاهي الشّمس تستحمّ في عباءة اللّيل و تتبدّى خجلة من العيون المتجسّسة .... الرّائحة أخّاذة ، رائحة تربة نديّة ، و الوجه الشّاحب بضفيرتيه المتدلّيتين يحاصر نظره ، يتبعه كظلّه و الجسد الصّغير يتحمّل عنه العقوبة ، أصبح المعلّم يتفنّن في
معاقبته كلّما غشّشته صديقته ... كم تحمّل سخرية أصدقائه و هم يشيرون إليها و هي تنتظره ، رأسها المنحني فوق الصّدر الصّغير يستكين في انكسار و عيناها تنذران بالبكاء ...
كانت تتبعه كظلّه و كان ينهرها حتّى وصل به الأمر إلى الامتناع عن الذّهاب إلى المدرسة ...
الوجه الشّاحب يحتضنه في حنوّ و الجسد المتموج يتنقّل في خفّة بين أرجاء المنزل ...
ـــ أين اختفيت ؟ في اليوم الموالي لزيارة أمي لكم ، اختفيت .... بقيت أرنو إلى الشّجرة
تاكسي الغرام كما كان يحلو لأصدقائي تسميتها عدّة أيّام و لكنّني ...
ـــ سرعان ما نسيت ذلك ! انسابت كلماتها كالدّموع ...
ـــ لا لم يكن ذلك نسيان !
ـــ اُشْتْ ! لا تحاول المراوغة ! كانت عيناك تطاردان الوجه الجديد ! طالما آلمتني و داست عليّ و هي تجلس مكاني ، و طالما همست إليك كما كنت أفعل دائما و لكنّ عيناك كانتا تطاردان صوتها و تلتصقان بالشّعر المجعّد القصير ...
ـــ و لكن كيف علمت ذلك ؟
ـــ إنّه قلبي ! لقد رحلت و تركت قلبي هناك حيثما سرت أنت !
ـــ و لكن أيعقل هذا ؟
سرحت بعينيها نحو الأفق و نظرتها السّاكنة تغتسل في قطرات المطر المنسابة في حنوّ على بلّور النّافذة ...
ـــ يمكنك البقاء قدر ما تشاء ، عليّ الذّهاب الآن !
ـــ و لكن ...
انساب طيفها كشلاّل ضياء ...
الغرفة الواسعة تسبح في البياض ... بياض أصابه بالغثيان و هو يتابع خيوط الشّمس المتسللّة من نافذة يبدو أنّها لم تفتح منذ مدّة .... المقاعد ، الخزائن ، الأرضيّة ...
حيثما سار داهمه اللّون الأبيض .... أحسّ بالانقباض ، مرّر أصابعه على أحد الهياكل الملفوفة بالأبيض ... الأتربة تغطّي المكان و الرّائحة النّديّة تملأه ، في رحلة البحث عن اللاّشيء تعثرت أصابعه بورقة صفراء ذات أسطر عموديّة مستقيمة ، بالكاد قرأ ما خطّ فوقها ... أ ح. بّ . ك .... كان الخطّ ملتويا ، مفكّكا ، مبعثرا بقلم أسود ، ربّما كان قلم زينة من النّوع الرّديء أو هو قلم رصاص ...
يدها الصّغيرة تمتدّ تحت الطّاولة ، تتلمّس طريقها إلى جيب بنطاله ، تتعثّر بيده ، تندّ عنه صرخة مدويّة و الورقة المطويّة تتسلّل إلى أرضيّة القاعة ...
أصوات الباعة تغطّي على شهقاتها ... فالمدرسة تقع حذو السّوق البلدي و الجامع ...
ارتفع صوت المؤذّن و نظرتها المتّهمة تخترق ارتباكه و تهدّده بالانهيار ... قبل أن يغادر و الجرس يعلن نهاية الحصّة ، دسّ الورقة المطويّة بأصابع وجلة في جيب ميدعتها و هو يتلفّت حوله ...
ها هي الورقة الصّفراء القديمة ، قدم عمره ، تنام في كفّه كعصفور مقرور ... و ها هي عينه المطاردة تغرق في اللاّشيء ...
و صوت المعلّم يردّ إليه طفولته ...
أدار المحرّك و هو يلقي بنظرة وجلة على المنزل المستكين وسط الورود الشّائكة و الأعشاب الطّفيليّة و رائحة عنبر اللّيل تغرق المكان ...
رائحة النّدّ تغرق السيّارة ...
إنّه لم يستعمل هذا المعطّر بهاته الرّائحة النّفّاذة البتّة ... إنّه يحبّذ رائحة الخزامى ...
على الكرسيّ المجاور ... التّجويفة الخفيفة توحي أنّ صاحبها خفيف الوزن و ...
مرّر يده على المكان ، أصابته قشعريرة خفيفة و أصابعه تغرق في اللاّشيء و في البرودة ...
مرّر حبيبات التّراب على الكفّ المشرعة على الرّائحة النّديّة ...
ـــ اِنْسَكِّرْ عْليكْ الشِّبّاكْ ! الضَّوْ يْقلّقكْ !
انسدلت السّتارة تدريجيّا و شعاع الفجر ينسحب ، قليلا ، قليلا ... يداه تحطّان على المقود ،و السيّارة تنزلق إلى الأمام ....


فتيحة الهاشمي
شاعرة و روائية تونسية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://madarate.keuf.net
سامي البدري
مشرف
سامي البدري


عدد المساهمات : 199
تاريخ التسجيل : 11/11/2008
العمر : 64

المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي   المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي Empty15/11/2008, 21:03

جميل ما قرأت هنا ايتها المدعة

مودتي وتقديري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فتحية الهاشمي
الادارة و التنسيق
فتحية الهاشمي


عدد المساهمات : 1899
تاريخ التسجيل : 23/01/2008

المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي   المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي Empty15/11/2008, 22:16

شكرا على مصافحتك للنص

مع كل الود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المرأة الحلم.. فتيحة الهاشمي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» راحلة .. الى فتيحة الهاشمي
» رائحة و وجوه .. فتيحة الهاشمي
» بكل الحب نرحب بالاديبة فتيحة الهاشمي
» رواية - منة موال - للاديبة فتيحة الهاشمي للتحميل هنا
» موقع عرار الاردني يجري حوارا مع الاديبة فتيحة الهاشمي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات متفرقة :: مدار النصوص المختارة-
انتقل الى: