مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 بنية القصة القصيرة عند عبد السلام جاعة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد داني
مشرف



عدد المساهمات : 56
تاريخ التسجيل : 20/11/2009
الموقع : daniibdae.blogspot.com

بنية القصة القصيرة عند عبد السلام جاعة Empty
مُساهمةموضوع: بنية القصة القصيرة عند عبد السلام جاعة   بنية القصة القصيرة عند عبد السلام جاعة Empty22/6/2011, 17:01

بنية القصة القصيرة عند عبد السلام جاعة


***********************************
يعتبر الكاتب عبد السلام جاعة من الكتاب الطموحين ، الذين لا يعشقون الأضواء......يمارس الكتابة بشغف وألفة...فيها يرى إنسانيته ، وراهنه... ومن خلالها (أي الكتابة) يقدم صورة لواقع يرى فيه ما لا يرضاه،فيسرج له كل جياده لسلخ هذا الواقع ، وعركه... تنوعت أوجهه، وتعددت ملامحه السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية...
هناك سؤال يطرح نفسه بإلحاح: لماذا الكتابة؟.. ماذا يرى فيها الكاتب عبد السلام جاعة؟... هل يجد فيها ملاذه؟... ويجد فيها المكان الذي يفرد فيه صوته ، ويعليه صارخا، ومنددا بما لا يرضاه؟...
إنه يرى في الكتابة نوعا من الحكي المر...والقرع على الصخر المستمر... وحك الجلمود بمبرد من الصلد... وبالتالي تصبح الكتابة عنده نوبات ألم... وطوفانا يلبس البدن دونما ميعاد... ووعيا قلما توفر لآخرين...
الكتابة عنده وجود... وامتداد، وإشراق...وشغف هوميري...وقد امتد هذا الشغف عبر منتديات كثيرة... ترك فيها ومضاته المشرقة، وقصصه القصيرة جدا... وقد ألبسها فكره، ورؤاه... ومنظوره للمجتمع، والإنسان، والحياة...
وفي مجموعته القصصية (مهمة وسخة) ، نجده يحرص أشد الحرص :"في بناء مادتهما الحكائية على المزاوجة الفنية بين استلهام الذاكرة والواقع من جهة، وبين استشراف عالم المتخيل من جهة ثانية. تلك المادة/ المواد الحكائية التي تعكس مدى تأثيرها، بشكل من الأشكال في المسار القصصي الذي يتبناه المبدع في عمله، شخوصا وأحداثا، رموزا ودلالات" …
وتضم مجموعته (مهمة وسخة) 48 نصا قصصيا، تتفاوت طولا وقصرا...حيث نجد أربعة أنواع من نصوص، هي:
1- النصوص التي بلغت 10 أسطر، عددها نصان قصصيان ، بلغت نسبتهما 4.17%،وهماSad زائر . و وعد).
- النصوص التي بلغت 8 أسطر، نص واحد ، هو(كيد).
- النصوص التي بلغت 7 أسطر، نصان هماSadشذرات نتنة- زوجان).
- النصوص التي بلغت 6 أسطر. 5 نصوص، وهيSadشرود- بوح- عتاب- نتانة- افتتان).
- النصوص التي بلغت 5 أسطر، 7 نصوص هيSad فأل- خزي- مجاعة- ظلامية- أنثى- زواج- عرس مكناس).
- النصوص التي بلغت 4 أسطر، 9 نصوص هيSad والد- حذر- عبث أو يكاد- عاشقان- وظيفة- قداس- غزل- انكسار- سؤال).
- النصوص التي بلغت 3 أسطر، 13 نصا، وهيSadوله- حاكم- مناضل- أنوثة- قدر- صحة- نبوءة- تصابي- خلاص- شمة- إعجاب- وصال- عصفورة).
- النصوص التي بلغت سطرين، 9 نصوص، وهيSad من وحي الحدث- سياسي- شهيد- الجلاد إياه- رجل- صحافي- غثيان- غيرة- تيه).
ومن هنا نجمل كل هذه المعطيات الإحصائية في الجدول التالي:
القصة عدد سطورها عدد كلماتها
شذرات نتنة 7 20
شرود 6 49
فأل 5 31
من وحي اللحظة 2 14
سياسي 2 25
خزي 5 65
مجاعة 5 50
وله 3 17
حاكم 3 20
بوح 6 71
والد 4 31
مناضل 3 26
شهيد 2 12
أنوثة 3 17
حذر 4 10
قدر 3 11
صحة 3 25
عبث أو يكاد 4 30
نبوءة 3 17
زائر 10 56
عاشقان 4 37
ظلامية 5 32
الجلاد إياه 2 17
تصابي 3 41
عتاب 6 40
رجل 2 19
أنثى 5 54
نتانة 6 24
افتتان 6 27
صحافي 2 21
وظيفة 4 53
خلاص 3 31
غثيان 2 16
قداس 4 26
زواج 5 38
غيرة 2 24
شمة 3 32
إعجاب 3 34
تيه 2 13
كيد 8 65
عرس مكناس 5 78
غزل 4 50
زوجان 7 60
انكسار 4 48
وعد 10 84
سؤال 4 44
وصال 3 52
عصفورة 3 25
وهذه النصوص القصصية تتفاوت عناوينها بين الكلمة المفردة وبين الجملة ، وشبه الجملة...
وهذه القصص لا تخلو من واقعية، ولا تخلو من حقيقة...إنها في مضمونها اختزال لحياة الناس، بشتى تلاوينها... بالإضافة إلى توفرها على تماسك الحكي، المتميز بالفنية والمحافظة على مقومات القصة القصيرة...
إن المجموعة (مهمة وسخة)، تواجه القارئ/ المتلقي بعنوانها الإخباري... وهو يحمل واقعية انتظارية استفزازية، ومقززة.. كما يحمل شفرة إخبارية تجعل القارئ يبحث عن جواب لأسئلة يستفزه بها هذا العنوان... ما هي هذه المهمة؟... ولم هي وسخة؟ وما الأشياء التي جعلتها وسخة؟...
إنه البحث في خبرية الكلمات، ومدلولاتها، وحمولتها... فالمهمة لا تكون وسخة وقذرة،إلا إذا كانت مهمة خارجة عن الأعراف والقانون، وتتجاوز اللائق والمعقول..ويرى فيها الإنسان تجاوزا لإنسانيته، ولقيمه...
فهل جاءت النصوص موضحة لهذه المهمة؟... هل النصوص هي عبارة عن مهمات.. وتتصف بوساختها لأنها غير مقبولة في نظر الكاتب/ السارد..؟
الجواب نجده في القصة القصيرة جدا (شذرات نتنة)، تتضمن ثلاث مهام فالمهمة : الاجتماع، النمو، الاستماع ... كل هذه المهمات قامت على فعل شنيع غير مقبول.. الأول نتج عنه تجامع كان من مخلفاته كرب عظيم، والثاني نتج عنه هلع شديد أدى إلى الانتحار، والثالث، تعلقت به ، واستمع لاعترافاتها وحبها، ولكن لم يكن وفيا لهذا الحب ، بل قام باغتصاب هذه الفتاة...
وفي (شرود) نجد مهمة يقوم بها الموت وهي قبض روحين لم يكن قادما من اجلهما...
وفي (سياسي) نجد النفاق الاجتماعي والسياسي، يدفع بالسياسي إلى الكذب والتمثيل أمام الناس.
وفي (خزي) مهمة الفتوى والإرشاد والوعظ التي يقوم بها كثيرون ، وهو في داخلهم شيطان أخرس...
وفي (والد) نجد درجة، الانحطاط ترتفع عندما يكتشف الابن خيانة والده لوالدته.. ويطلب منه عدم إفشاء السر... فالفعل من الطرفين ذميم..ز
وفي (مناضل)، حيث نجد المهام التي يقوم بها أدعياء النضال زورا وبهتانا، ويلبسون لكل مهمة ولكل صفة وجها، وتلونا سياسيا... يجرون وراء مصالحهم المادية والاجتماعية والسياسية...
وفي(نبوءة).. نجد الاستغلال الجنسي للأطفال، وكيف انتقلت التربية إلى نوع من البدوفيليا...
وفي (تصابي) كيف تلعب المراهقة المتأخرة في فساد الود، والعلاقات...حيث تتحول مهمة التزاور ، وإحياء الرحم إلى بناء شرك لتصيد فتاة في ريعان صباها...
ولا تسلم الوساخة من ميدان الصحافة، حيث نجد في (صحافي) صورة قاتمة جدا، إذ يتحول الصحافي من وظيفته الإعلامية والتوعوية إلى سبّاب ونمام وشتّام...
صحيح أن هذه الومضات تتضمن مهمات وسخة ، تعري واقع الحال.. وهي في مضمونها إدانة من الكاتب لهذا الواقع ولهذا المجتمع الذي تفسخت قيمه، وتبدلت معاييره، وانقلب إنسانه إلى وحش آدمي ، يفرح للمسوخ، وللوساخة ويبرع فيهما...
إن قصص المجموعة ، تشكل الواقع المغربي إطارها العام... ويجعلها تتحرك داخله...
هذا يجعل من المنجز السردي الذي تنوعت فضاءاته، يتطلب من الكاتب توظيف تقنيات تعبيرية مختلفة... من قبيل: السخرية، والوصف السردي، والتقطيع، والمشهد السينمائي، والعرض، والتلميح، والتفسير، والتبرير...
صحيح أن هذه الومضات يشكل فيها المجتمع المغربي مساحة كبيرة...حتى وإن لم يأت ذكر لمدينة من مدينته كمكان تعريفي، وتلميحي، أو إشارة إلى ذلك... تلبس فيها الكتابة لباس التعرية والفضح، والنقد والانتقاد..وهذا يبين علاقة عبد السلام جاعة بالاجتماعي والسياسي.. وبالمواطن عامة.. ورفضه بعض السلوكات التي تسود الحياة الاجتماعية، والسياسية، والتربوية... عامة...
كما يصور في نوع من الدهشة هذا الإنسان، الذي غيرته المهمات الحياتية الكثيرة...وجعلته يتلون بتعددها، وتغيرها..يستسلم للمواقف، والمفارقات...يتنامى فيه القهر والشعور باليأس والغبن، الشيء الذي يجعله يمل آدميته، ويقوم بأية مهمة دونما تفكير أو وازع... "باحت له بحبها... تردد قليلا، ثم اغتصبها"...
- البناء الفني لقصص المجموعة:
الشكل القصصي الذي اتبعه عبد السلام جاعة:"تميز بالتنوع والخصوبة، إذ ثمة طرائق لغوية وبنائية متعددة، أضفت على المتن الحكائي بعدا جماليا وإبداعيا" ...نحدد بعضها في:
1- المتح من التراثي والمقدس: حيث ضمن بعض الآيات القرآنية في قصصه. وهذا شكل تناصا أعطى لكتابته بعدا دلاليا، وجماليا...كما في قصته (والد)، والتي يقول فيها:
"قال يا بني...
لا تقصص ما رأيت على والدتك، ودس في يديه الصغيرتين دراهم عدة...
نظر الطفل إلى اليافعة التي ودعت أباه للتو وقال: ستكثر يا أبت سواد المسلمين"
ونتلمس فيها تناصا مع قصة يوسف ووالد يعقوب عندما حدثه عن رؤياه سجود الكواكب الأحد عشر والشمس والقمر...
ويقول أيضا في قصته(شهيد):"قال سآتيكم منها بقبس ، وغذ السير.... جهة ناره.. لما آتاها ، اعتقلوه"...
وفيها نجد تقاطعا مع قصة موسى وأهله... ورؤيته النار وصعوده جبل طوى...
2- المتح من الحديث النبي الشريف... حيث ضمن الصياغة... في بعض قصصه.. كما في قصته(خزي)، والتي يقول فيها:
"ألقت إليه خيط الحديث، فالتقطه عجلا، واستوى كما شاءت له فتنتها...
استسقته لأرضها، فتذكر ضياع روائه في خلواته العديدة.. احتجاج...
مسد لحيته في رفق، نظر في المتحلقين حوله وقال يعظهم: "إياكم والزنى فإنه مفسدة للقلب، ومجلبة للفقر""..
وقوله في (حاكم)، والتي يقول فيها:"ضرب الطاولة بيمناه وقال: لأقيمن فيكم كتاب الله وسنة رسوله..بعد لحظات وضعت أحجار أساس لبناء سجون جديدة"...
وفيها نتلمس تقاطعا مع الحديث الشريف.." تركت فيكم كتاب الله وسنة رسوله"...(وسنتي)...
3- توظيف السيرة النبوية: كما في قصته(نبوءة)، والتي يقول فيها:
"داعب الطفلة الصغيرة ، رفعها عاليا، أنزلها أرضا، ربت على مؤخرتها الصغيرة، وقال: " سيكون لك شأن عظيم"...
وهذا يذكرنا بثلاثة أقوال شهيرة في السيرة النبوية... الأول للراهب بحيرة بنجران عندما قال لعبد المطلب احرس هذا الطفل سيكون له شأن عظيم...
وقول أبو طالب عندما قال لمحمد صلى الله علليه وسلم... " يا ابن أخي سيكون لك شان عظيم..
وقول خديجة رضي الهل عنها عندما جاءها محمد صلى الله عيه وسلم مرتعدا وحكى لها قصته مع الوحي(جبريل).. فقال : والذي نفسي بيده يا محمد سيكون لك شان عظيم...
4- المتح من المقامات البديعية: حيث نجد توظيفا لتناص من مقامات بديع الزمان الهمذاني كما في قصته(زائر) ، حيث يقول:"من رآني فقد رآني، ومن لم يرني ، قطعا سوف يراني.. قال هذا ثم أضاف...أنا الذي تجزع النفوس لمقدمه، ويوهب المال طوعا وكراهة اتقاء جزعه..
أحد ما استجمع شتات جرأته، وقال: غير هياب: صدقنا مقالتك تصريحا وتلميحا... فمن تكون يا سيدي؟..
قال في عزة نفس ، وكنت أقرب إليه: مول الضو"...
وفي هذه القصة نجد تقاطعا مع تباهي عيسى بن هشام وأبي الفتح الإسكندري بطلا مقامات بديع الزمان الهمذاني(انا باكورة اليمن وأعجوبة الزمن ...من عرفني فقد كفى ، ومن لم يعرفني ما به خفى...)
- المتح من المثنيات الصوفية للحلاج والنفري: حيث نجد في نفس القصة (زائر) في مطلعها ":"من رآني فقد رآني، ومن لم يرني ، قطعا سوف يراني.." ...تقاطعا مع أبيات الحلاج.. ومفارقات النفري...الصوفية...
6- توظيف الشعر العربي في سرده القصصي.والوصفي... وهذا أضفى بعدا جماليا وفنيا على خطابه القصصي كما في قصته(حذر) والتي يقول فيها:
"الوردة تلك
قالت واثقة
لن يفوتني الربيع
وأينعت باكرا"
7- توظيف المشهد الساخر، والنقدي اللاذع.. كما في قصته (سياسي) ، والتي يقول فيها:
"قام إلى المنصة ينوه بالشهيد، يعدد مناقبه ويدعو إلى افتدائه بالروح والدم ...
ليلا أخذ بتلابيبه الشهيد، تبول عليه وعاد إلى جنة الخلد".
8- اعتماده الحوار ، كما في قصته (والد) ، والتي يقول فيها:
"قال: يا بني.. لا تقصص ما رأيت على والدتك ، ودس في يديه الصغيرتين دراهم عدة...
نظر الطفل إلى اليافعة التي ودعت أباه للتو ،وقال: ستكثر يا أبت سواد المسلمين"
واعتماده الحوار الداخلي لإغناء الحكي..كما في قصة (أنوثة)، والتي يقول فيها:
"الفتاة التي كبرت للتو، سعدت كثيرا حين نظرت إلى صدرها.. تساءلت لم هم أغبياء هؤلاء الرجال؟"..
9- اعتماده المشاهد، والصورة المتحركة. كما في قصته (نتانة)، والتي يقول فيها:"هم
تضاحكوا كثيرا حين نهشوا جسدها اليافع.
هي
قامت تمشي تائهة الخطوة حين التفتت إليهم نزت نتانتهم وما تزال"
10- اعتماده على مشاهد من الشعر العربي.. كما نجد في قصته (شرود) توظيفا لصورة الموت وهو يقبض الأرواح والمتضمنة في بيت أبي الطيب المتنبي من قصيدته (هجاء كافور):
عيد بأية حال عدت يا عيد**** لما مضى أم لأمر فيك تجديد
لا يقبض الموت نفسا من نفوسهم**** إلا وفي يده من نتنها عود
حيث يقول عبد السلام جاعة:" تدارسوا هم القبيلة، اختطوا للحياة سبيلا، ثم تواصوا بالصبر...
أقبل حين الغروب ، وقد تفرقوا ، يتأبط أوراق بردي، عليها حروف لا تستقيم كلاما
حار الموت في قبض أرواحهم
كراسيهم المصفحة كانت تمنعه
تناهى إلى سمعه ضجيج ،استطلع الأمر و بدا سعيدا
لبس قفازين و قال الآن سأقبض روحين نتنتين"

- الاستيهام:
نعرف أن الاستيهام هو : الرضوخ لفعل الوهم والاستسلام لعالمه ، وطلب المزيد منه ..وهو ينبئ بعلاقة ذهن الّإنسان بكل ما هو عجيب وغريب، ولا واقعي.. ولا يتقبله العقل...
إن الاستيهام يجعلنا نبحث في (مهمة وسخة) عن التداخل ما بين الحقيقة والوهم، وبين الواقع والحلم في ذهن الإنسان، ودواخله... ويتجلى هذا التداخل في سلوكيات الإنسان... ومواقفه.
وقد استطاع عبد السلام جاعة ، أن يصور بعض مظاهر الاستيهام في بعض قصصه، ويوظفه في منظور شخوصها...
هل يمكن أن نتلمس في هذا التوظيف نوعا من الكفكاوية؟.. وتأثرا خاصا برواية فرانز كافكا (المسخ)؟...أو تأثرا برواية الأديب المغربي محمد الهرادي (أحلام بقرة)، أو برواية (عين الفرس) للروائي المغربي الدكتور الميلودي شغموم؟...
إن قصصه (شرود- فأل- حادثة- سياسي- مناضل- عصفورة أو غيرة) تمتاز بنزعتها الكفكاوية.. ويجوز لنا ربطها بالأدب الاستيهامي.. فهي تنطوي على حدث غريب ، عجيب... تجعل القارئ/ المتلقي لا يتوحد مع الشخصية المحورية ، لغرابة موقفها،وتفرده.. ولا واقعيته.. لأن الواقعة يستحيل وقوعها...
لكن الجميل ، هو توظيف الأديب عبد السلام جاعة للاستيهام ، ليعطي لهذا الفعل الخارق مشروعيته... وبالتالي توفر فيها ثلاثة أشياء هامة:
- عنصر الإدهاش.
- عنصر الاستغراب.
- عنصر العبث .
وهذه العناصر بثلاثتها، تبين مدى الرعب من الزمن، ومن الواقع... وكيف تغلبت على مقومات النفس واتزانها... الشيء الذي أفقد الإنسان الثقة في نفسه، وقدراته.. والآخر... وأصبح عاجزا عن ممارسة إنسانيته، ووجوده...إنه نوع من القلق الوجودي....
وهذه القصص تتضمن الغيبي والخرافي، واللامعقول،والوهمي.. ولو أنها كلها هي توظيف لرمز من طرف الكاتب ....
فعندما نتمعن في قصة(شرود)، وقصة (فأل)، وقصة (سياسي)، نجد فيها تأثرا واضحا بالكفكاوية، لما تحمله من تلميح وترميز، ومجاز... جراء انفتاحها على عوالم الاستيهام، والحلم ، واللاوعي، واللامعقول.. متجاوزة في ذلك قوانين العلية والسببية، التي يتأسس عليها العادي لكل ظاهرة كيفما كانت...يقول في (شرود):
" تدارسوا هم القبيلة، اختطوا للحياة سبيلا، ثم تواصوا بالصبر...
أقبل حين الغروب ، وقد تفرقوا ، يتأبط أوراق بردي، عليها حروف لا تستقيم كلاما
حار الموت في قبض أرواحهم
كراسيهم المصفحة كانت تمنعه
تناهى إلى سمعه ضجيج ،استطلع الأمر و بدا سعيدا
لبس قفازين و قال الآن سأقبض روحين نتنتين"
فغرائبية الصورة تتمثل في حيرة الموت في قبض أرواح المخططين للقبيلة... لأن الموت لا يختار وإنما ينفذ...
ثم تتجلى عبثية الصورة في عبثية القدر.. حين يجد الموت حلا ومخرجا لحيرته.. فيقرر قبض روحين عندما عثر على شخصين سمع ضجيجهما... إذن هي مسألة تحايل وخداع في تنفيذ المأمورية والمهمة...وفيها نوع من الخسة والتسلط والاعتداء على حق الآخرين في الحياة...
أما في قصة(فأل)، والتي يقول فيها" نهب وسرق واختلس...أقام في أرضه، جنات فيها نعيم مقيم..
على غير عادته أفاق... هذا الصباح، باكرا... كان سريره مبللا..
سأله طبيبه النفسي: هل رأيت أحلاما؟
قال: فلا وياسمين"
إن الشبه قريب بينه وبين سامسا غريغوار بطل (المسخ) لكافكا..وللمساعد التقني بطل (أحلام بقرة) لمحمد الهرادي،من حيث:
- الاستيقاظ صباحا، واندهاشه أمام غرابة الموقف...حلمه بالفل والياسمين والجنة...وتبوله في فراشه ، وهذا من غير عادته...
- التحول: فالأول تحول إلى حشرة غريبة، والثاني تحول إلى بقرة، والسياسي تحول إلى مريض نفسي، وشخصية فصامية شيزوفرينية......
- الشعور بالقلق، والرتابة من الحياة: (قلق وجودي)... فسامسا كان ينظر إلى مهنته وحياته بسخط، وعدم الرضى.. والمساعد التقني في أزمة مستمرة مع واقعه"ذلك المساعد التقني الذي استنفذ حياته في توقع الترقيات" ... والسياسي يؤنبه ضميره على ما اقترفه من جنح وجنايات في حق الصالح العام... الذي تمثل في الاختلاسات والنهب للمال العام، والسرقة، والتي قضت مضجعه، وخلقت له كوابيس، وجعلته يمرض نفسيا ويتبول في فراشه ليلا....
وفي قصة (غيرة أو عصفورة)، نجد الشخصية المحورية تشعر بالضيق والقلق، فيحدث لها شرخ في نفسيتها.. عندما ترى إلفها يغادر العش مع عصفورة أخرى... الشيء الذي دفعها إلى البحث عن ح في الشعوذة والكهانة، واللجوء إلى الأضرحة والأولياء الصالحين...
وفي (مناضل) "أصيب بحروق في مظاهرة ما، وعاش تؤرقه عاهاته... استبشر خيرا حين علم بنجاح عمليات زرع الوجه.. وقرر نكاية في أعدائه زرع أكثر من وجه"
إنه شعور بالقلق، ونزعة كاموية (نسبة إلى ألبير كامو).. وتمرد من نوع خاص على القيم، والوجود.. وإنسانية الإنسان في علاقاته، ومواقفه.. وأفكاره وعواطفه...وقناعاته...
إنه نوع من الانسلاخ عن المسؤولية الذاتية، والتشاركية في هذه الحياة... فالشخصية ترى في الحياة عبثا، وفي الشكلية والشكل استقامة ، وقبولا في المجتمع...وأن العاهة نفسية أكثر منها جسدية .... وذا وجب سترها بقناع متعدد ومتنوع حسب الحالات والمواقف...
وهذا يجعل من مثل هذه الشخصية، شخصية عدوانية، عدائية...فصامية...
كما لا يخلو هذا التحول من إيديولوجيا... فالاستيهامي هنا هو في مضمونه قناع من أجل الإفصاح عن مواقف... وصراع ضد الرقابة.. وهذا تؤكده مقولة " بيتر بترولد".."بالنسبة إلى كثير من الكتاب لم يكن الماورائي سوى ذريعة لوصف أشيائي لم يكن لهم أن يجرأوا على وسمها بكلمات واقعية" ...
وإذا ما وقفنا على الاشتغال اللغوي في (شرود)و(فأل)،و(سياسي) نجد التوظيف الكبير للعرض والإخبار، والسرد، والوصف....ومن خلالها نتبين أن التحول ، يحدث ليلا...فالموت يقع في حيرته، وفي سوء اختياره ليلا... والسارق يجد نفسه يتحول من عالمه الأرضي إلى عالمه الخيالي ليلا... والسياسي يصيبه كابوسه ويتبول في فراشه ليلا...فالليل أزمة في المواقف الثلاثة...
يقول طازفاتان تودوروف ب"أن العنصر الاستيهامي هو الأداة السردية التي تشغل بصورة جيدة وظيفة محددة تتمثل في تعديل الوضع السابق، وكسر التوازن أو عدم التوازن القائم" ...
فحيرة الموت وارتباكه، كما أن اكتشاف حالة التبول صباحا...والتيقن من أن العالم الذي يعيشه السارق ما هو إلا عالم أحلام، وأوهام ... جاء لكسر عدم التوازن، وإعادته بين الوضع السابق واللاحق...بين الواقعي والاستيهامي، بين الحقيقة والقناع...
فالعلاقة بين الشخصيات وواقعها، علاقة هلامية...علاقة سرابية... انبنت على الرفض والتمرد...وعدم الاقتناع، والغربة، والدهشة، والاندهاش، والإحساس بالتشيؤ...من هذا الواقع المتفسخ...
إن هذا الواقع يجعل من الموت كائنا يعيش المتناقضات.. ويحس انه آلة للتنفيذ والتدمير.. ولذا لا يتوانى في اختيار أيا كان حتى يحس انه يقدم وظيفته كما خلق لها... والشخصية في (فأل) أحس أنه يعيش في زمنين مختلفين... ليله ليس كنهاره... في النهار يعيش واقعا.. وفي النهار واقعا آخر...في(سياسي) يتقنع بقناع امام الناس يحدثهم عن الشهيد ويذكر امامهم مناقبه لكنه في الليل يتحول الشهيد إلى بعبع يخيفه ويزيد من كوابيسه... ومن هنا نحس أن له يدا في موت هذا الشهيد... وسببا في قتله....
فالواقع يشكل للشخصيات بثلاثتها حالة وسواسية، تجعلها تعيش نوعا من الفصام والذهانية تبعدانها عن الواقع بكل تجلياته...
من هنا نجزم أن الاستيهام جاء لإعادة التوازن بين هؤلاء الأبطال وواقعها.. الذي صادر منها آدميتها... ونفى عنهما إحساسهما بالأهمية... وغمسهما في التشيؤ...
- الشخصيات:
لا يمكن للعالم القصصي أن يقوم بدون الشخصية القصصية.. من خلالها يقدم لنا هذا الألم الوجودي الذي هو جزء من الكتابة...
وفي (مهمة وسخة)، نجدها تتضمن 145 شخصية، وردت منها شخصيتان حيوانيان (عصفورة- كلب)،وشخصية نباتية(وردة)، وشخصيات غيبية خارقة (الملائكة- الموت) ، وشخصية واحدة جاءت علما (أحمد)...والباقي شخصيات معرفة بالضمير أو بالإضافة...
ومن خلال هذا الركام من الشخصيات ، يمكن لنا تصنيفها إلى فئات ، كالتالي:
1- الشخصية السلبية الانهزامية: كما في قصة (شذرات نتنة- شرود- سياسي- خزي- بوح- مناضل- قدر- ظلامية- رجل- انثى-صحافي- عصفورة- كيد- زوجان-سؤال).. وهي شخصيات مترددة، انكفائية، لا تقوى على تخطي الهزيمة، أو الانحباسية... أو التسلط والظلم...
2- الشخصية الانتهازية ، المتطفلة: كما نجد في قصة (سياسي- سؤال- إعجاب- نبوءة- تصابي). وهذه الشخصية تتدخل في أمور بعيدة عن اختصاصها تبادر إلى الأمور لتصل إلى هدفها... كما نجد في قصة(تصابي):"
بعد غياب طويل ،زار صديقه الفقير ، محمّلا بهدايا كثيرة
أغدق على الأسرة أفْضالاً و نِعَماً شتّى،وزياراتٍ لا تنقطع
ذات زيارة،أبدى لصديقه رغبةً في القرب منه، وأمعن في النظر إلى طفلة صديقه التي أنهتْ تواً لعِبها مع صٌويْحباتها"
وقصة(نبوءة) " داعب الطفلة الصغيرة ، رفعها عاليا ، أنزلها أرضا، ربت على مؤخرتها الصغيرة وقال: سيكون لك شأن عظيم"
3- الشخصية الجاهلة، الأمية: كما نجد في قصة (خزي)...حيث نجد هذه الشخصية تفتي في أمور دينية لا يفقه فيها شيئا... ينهى عن سلوك ويأتي بأقبح منه.. ظانا ان ظهوره بمظهر الفقيه والمتدين سيعفيه سؤال الناس له عن سلوكاته المشينة....
"ألقت إليه خيط الحديث، فالتقطه عجلا، واستوى كما شاءت له فتنتها... استسقته لأرضها، فتذكر ضياع روائه في خلوته العديدة.. احتجاج...
مسد لحيته في رفق ، نظر في المتحلقين حوله وقال يعظهم ، إياكم والزنى فإنه مفسدة للقلب، مجلبة للفقر.. ودعاهم إلى التقوى..
كان لا يزال في منزله هذا الصباح، حين سمع ضوضاء ما أطل من الشرفة ، سواعد بضة ولافتات احتجاجا على فتواه"
4- الشخصية المضطربة الحائرة: كما في قصة( مجاعة- بوح- قدر-عصفورة- غزل)...فهذه الشخصات يعترضها مشكل ما فتتيه بين السؤال وصدمة المفاجأة... فتضيع في متاهات كثيرة، كما في قصة غيرة او عصفورة " رأت عصفورة حطّت على فنَن... شدت قليلا فأتاها إلفُها، زقزقت بحضرته ثم طارا سوياً...

اجتاحتْها غيرة الأنثى...ذرفت عيناها غُصّتين و أسرعت جهة الولي الصالح"...
5- الشخصية الأنانية والمتعالية: كما نجد في قصة ( حذر- أنوثة).. وهي شخصية معجبة بنفسها... ولا تدري أنها لا تعرف شيئا فيؤدي بها غرورها وأنانيتها إلى ما لا تحمد عقباه "
الوردة تلك
قالت واثقة
لن يفوتني الربيع
...وأينعت باكراً
6- الشخصية المندفعة: كما في القصة (شهيد).. وهي شخصية غير مترددة، متهورة، لا تفكر في ما تقوم به إلا قبل فوات الأوان..." قال سآتيكم منها بقبس ، و غَذّ السيرَ جهة ناره...لما أتاها، اعتقلوه"...
7- الشخصية المتمردة،الغاضبة: كما في قصة (وعد)... إذ نجد هذه الشخصية لا تسكن للظلم ولا تسكت عنه....قلبها على لسانها.. تعبر عن عدم رضاها وسخطها...وتثور مطالبة بحقها:
" دفن أهل البلدة أطفالهم الذين ماتوا لإنعدام الدواء
أُقيم مأتم وسالت دموع حرّى
أما هم فتواعدوا سراً
أقسموا بعرق الآباء وثُكل الأمهات الشريفات
أقسمو ابأحلام العذارى ببلدتهم الصغيرة لينزِعُنّ الفقر من الدوار ولَيزرعُنّ في جنباته بسمات تورق و تورق
و تواعدوا"..
8- الشخصية المتسلطة، والعدوانية: كما نجد في قصة (حاكم)، حيث لا تتوانى هذه الشخصية في ظلم الناس، وسلبهم حريتهم... شخصية لا تفكر ء المعتقلات ، وأماكن القمع وسلب الحريات.. وإخافة الناس وإسكاتهم وترهيبهم...إلا في بنا وتعذيبهم..." ضرب الطاولة بيمناه وقال
لأُقيمنّ فيكم كتاب الله و سنة رسوله...
بعد لحظات وُضعت أحجارأساس لبناء سجون"...
صورة المرأة في قصص عبد السلام جاعة:
المرأة حاضرة في قصص عبد السام جاعة.. لكن ما مدى هذا الحضور؟... وكيف هو؟...
تتخذ صورة المرأة في (مهمة وسخة)، تجليات عدة، مختلفة ومتباينة... لكن الملاحظ هو أن فضاء حضورها في هذه المجموعة القصصية ضيق جدا... وجاءت في ثلاث صور متباينة، لم تعط للمرأة صورتها الحقيقية... بل قزمتها أكثر من اللازم وبينتها قاصرة، دنيئة وانهزامية، وعرضتها في مواقف سلبية جدا...
والسؤال المطروح، هو: ما هي مواصفات المرأة التي يقدمها لنا عبد السلام جاعة في (مهمة وسخة)...؟
إن الكاتب يقدم لنا المرأة، فلا نتعرف على اسمها أو لقبها،.. لكن يقدم لنا في بعضها أوصافا قليلة تساعدنا على إدراك نفسية هذه المرأة..فنجدها امرأة ناضجة جسديا،فاتنة...ولكن لا يتناسب جمالها وفتنتها مع مستواها الفكري.. إذ نجد تباينا شاسعا جدا...حيث لا نرى إلا امرأة تغلب عليها اللذة، والمتع، وتسبقها رغباتها وشهوانيتها.. لمن لا نجد شيئا من فكرها ، وحكمتها، ونظرتها البعيدة، وطموحها الفكري والسياسي ..
وهذا التقزيم لدور المرأة ، ومسخ صورتها ، وربما يتغيى الكاتب من ورائه الإثارة والتلميح إلى دور المرأة في المجتمع والذي ما زال ينظر إليها نظرة دونية ، واستصغار...إنها إثارة إلى وضعها الاجتماعي المزري... والنظر إليها على أنها خلقت للمتعة والزينة ...والاستمتاع...
ولو أردنا تحديد نوعية العلاقة بين هذه المرأة والرجل في المتن الحكائي المدروس، ونستشف منه مدى تحرر هذه المرأة ومدى مكانتها وحظوتها عند الرجل.. نجد أن هذا الدور غير كامل.. وما زال تحررها وتحضرها لم يرقيا إلى المستوى المطلوب... فالمرأة تحضر كجسد ومتعة.."كما في قصة (غزل):" أمسكت بذراع صديقتها ومضَتَا تتنزهان في الطرقات وفي جسديهما تتنزه عيون وقحة
أسمَعَها أحد كلامَ غزلٍ بليد التفتت إليه رمقته بحنق صرخت ثلاثاً فاجتمع الناس حوله حينها أسمعته كلاماً يليق بتافهٍ مثله و بمحترمة مثلها
في الطريق همست لصديقتها ما ألطفه ليته يقول لي ثانية ما قال وتنهدت"
فنجد المراة السلبية ن التي تغريها كلمات الغزل.. ونجدها تعرض فسها على الرجل ليتزوجها مقابل أجر رفيع جدا...كما في قصة(وظيفة) والتي تقول:
" استفاق باكراً ، أفطر مسرعاً ،ارتدى بهاءه و أسرع لِلِقاء مهم
كانوا فِتياناً عشرة جاؤوا لِلتباري حول وظيفة ما لِشخص واحد
نودِيَ عليه حين دورِه تحدثتْ إليه سيدةٌ في عقدها الرابع ، سألته و سألته ثم قالت حظوظك وافرة لِشغل المنصب ، استوْطنه فرحٌ مفاجئ فسأل سيدتي ما الوظيفة؟ بسمت في غنجٍ و قالت زوجٌ براتِبٍ مُغْرٍ"..
كما نجد صورة المرأة الخانعة،التي يهضم حقها وتسلب إرادتها ولا تبدي مقاومة بل تلجأ إلى الشعوذة والخرافة والغيبيات لإبعاد هذا الظلم عنها...كما في قصة (غيرة/ عصفورة)...ونجد صورة المرأة التي تهجر من طرف زوجها بسرعة لأنها لم تستطع أن تشده غليها ،كما في قصة(أنثى)...
و من خلال هذه النماذج النسوية المقدمة، لا نجد علاقة المحبة والألفة بين هذه المرأة والرجل...ولا نجد ملمحا على ذكائها، وفكرها، ودورها الفعال في المجتمع، ومشاركتها في بنائه...
فجل النماذج النسائية في المتن القصصي المدروس، تمتاز بقصورها، وضعفها، وانهزاميتها.. وارتباطها وتشبثها بالشعوذة والخرافة، والتسلطن والشك،والدعارة...
وينظر إلى المرأة كجسد، ومتعة.. وهي ما زالت تعاني الكثير في إثبات الذات والحصول على رضا الرجل...
هكذا تقدم لنا (مهمة وسخة) نموذجا للمرأة المغربية/ العربية المقهورة.. والمغلوبة على أمرها.. في غياب علاقتها بالتربية، وبالنضال، وبالبناء والتنمية، وبالثقافة وبالعلم...مثلا ... وهذا نعتبره إقصاء لوظائف المرأة في المجتمع، وتعتيما لدورها البناء في الحياة...
فالصورة بينت لنا ارتباط المرأة بالرجل ومجاله... ولم تستطع رغم الكثير من الفلتات في مسارها النضالي والحياتي أن تسلخ عن مدار الجنس والجسد، وهو المنظور الذي يضع فيه الرجل المرأة... وبالتالي فهو يقصيها كإنسان وكذات مفكرة، ومؤثرة في الحياة... بل لا ينظر إليها إلا كعنصر يكمل به فحولته.. ومن ثم ف(مهمة وسخة)، تبقى هي إلى جانب كثير من الإبداع القصصي المغربي، ذات خطاب ذكوري مهيمن، يتم فيه الانحياز الكلي إلى الرجل...
- الرمز في (مهمة وسخة):
السؤال المطروح هو: هل اللجوء إلى الرمز أمر ضروري، أم أنه أمر شكلي وفني؟...أين هي تجليات هذا الرمز والترميز في (مهمة وسخة)؟...
يرى عبد السلام جاعة أن الرمز أداة من أداوات التعبير الفني...ولا يمكن الاستغناء عنه في كتاباته، حتى لا تتميز بالسطحية، والتقريرية، والمباشرة،والتوثيقية، والتسجيلية... ولذا الرمز يخرجها من اعتياديتها، ومن مألوفيتها ليدخل بها في عوالم التشكيل والفنية، والجمالية...وهذا كله لإغواء القارئ/ المتلقين وجعله يدخل عوالم كتاباته بكل لذة ، ومتعة...
وتتجلى هذه الرمزية في:
1- رمزية العنوان: العناوين لا تأتي بطريقة عشوائية.. بل اختيارها متعمد ومقصود.. ودال على مضمون العمل الأدبي.. وما يحتويه من أفكار..."لأن العناوين من أبرز مفاتيح الدلالة ، لأن الأديب يصب فيه كل ما في عملية الإبداع من تيارات دلالية، وطاقات إيحائية. وتوحي بما يصطرع في ذهن الأديب من أفكاره، وفي وجدانه من أحاسيس ومشاعر" ...
وهذه العناوين تعم على جذب المتلقي..وإغرائه.. وتقريبه من عالم الكتاب وفضائه...:"وتحفز وعيه، وتستثير خبرته وثقافته، ليكتشف التيارات الدلالية، والطاقات الإيحائية التي تبشر بجوانب الإبداع المضموني للعمل الفني" ...
فعنوان القصة (حاكم) يحمل من الدلالة والرمزية الكثير، وهو يمس الواقع الاجتماعي والسياسي العربي والمغربي...و(حذر) فإنه اعتمد فيها على الترميز.. حيث رمز للأنثى الحسناء بالوردة...والشباب بالربيع...ورمز بالقوى الرجعية التي بدأت تسيطر على دواليب التسيير في الجماعات والعمالات والمجالس بالظلامية...ونعرف ماذا تعني هذه الكلمة في القاموس السياسي من دلالة...
- الخطاب السردي في قصص عبد السلام جاعة:
(مهمة وسخة) تتضمن قصصا متعددة. اعتمد فيها الكاتب على الحكي/ السرد،وعلى سارد يحكي بضمير الغائب هذه القصص.
وحتى يقدم الكاتب عبد السلام جاعة للمتقي / القارئ الطريقة السردية المعتمدة، فقد اعتمد زاوية الرؤية عند السارد/ الراوي.. وهذه الزاوية تحدد الغاية التي يهدف إليها الكاتب عبر السارد، والتي لا تخرج عن الأمور التالية، والتي حددها الدكتور حميد لحمداني في:
- التعبير عن تجاوز معين لما هو كائن.
- التعبير عما هو في إمكان الكاتب.
- التأثير على المروي له أو على القراء بشكل عام.
إن صوت السارد في المجموعة القصصية واضح وجلي...ويقف من خلفه الكاتب.. لأنها رؤيته الخاصة للواقع وللقصة...
صحيح أن الكاتب :"يبني أشخاصه شاء أم أبى، علم ذلك أو جهله انطلاقا من عناصر مأخوذة من حياته الخاصة، وأن أبطاله ما هم إلا أقنعة يروي من ورائها قصته ويحلم من خلالها بنفسه، وأن القارئ لا يقف موقفا سلبيا محضا، بل يعيد من جديد بناء رؤيا أو مغامرة ، ابتداء من العلاقات المجمعة على الصفحة، مستعينا هو أيضا بالمواد التي هي في متناول يده، أي ذاكرته" ...
وقد استعمل الكاتب في مجموعته القصصية (مهمة وسخة) ضمير الغائب، يحكي لنا به السارد قصة الأبطال والأحداث ...
وهذه المجموعة يجوز لنا اعتبارها جملة هائلة، وطويلة...تتضمن مقصوصات صغيرة (الجمل)... ويؤكد الدكتور الأستاذ عبد القادر شرشار ، بأن القصة/ الخطاب تماثل الجملة الفعلية ...وتتحقق هذه المماثلة في ضربين: تبدو في القصة من وجهة تركيبيةSadفعل/ حدث)و( فاعل/ شخصية)،و(زمان/ مكان)...
وتبدو المماثلة الثانية في كون الإنتاج الحكائي تمثيل لرؤية وتصور للعالم كما يتحقق من خلال تجربة خاصة ..
وبنية العمل السردي القصصي هو حكاية وخطاب.."فهو حكاية باعتباره يثير واقعة، وبالتالي يفترض أشخاصا يفعلون الأحداث، ويختلطون بصورهم المروية مع الحياة الواقعية" ...
والسؤال الذي يطرح نفسه، هو: كيف يسرد السارد الحكاية؟...
إن الحكاية في عند عبد السلام جاعة متعددة ، مختلفة من قصة إلى أخرى... وهي تتحقق من خلال العناصر التالية:
- حدث قابل للحكي والذي تنوع من قصة إلى أخرى عبر صفحات المجموعة.
- فاعل يضطلع بدور ما في الفعل، ويقوم بعملية الحكي.
- زمان الفعل.
- مكانه وفضاؤه.
والسرد في المجموعة القصصية، يخضع لحركية متنوعة ومتعددة من قصة إلى أخرى داخل المجموعة...
فحركة السرد تكون سريعة أحيانا، وأحيانا أخرى تكون بطيئة... فالسارد يبدأ سرده لكنه أحيانا يوقفه، يبدأ في الوصف ، أو التعليل، أو التفسير.. وهذا يبطئ من حركية السرد.." تملك الأمر حججا عديدة... في نهج مجده دهسته عربة مهترئة أردته منبوذا متفردا "...
وذلك من خلال الأفعال الموظفة التي سارعت الزمن في خطابه القصصي...(تملك- نهج- دهس- أردت)...
- الشكل الهندسي للقصص:
عندما نتمعن في شكلية القصص القصيرة جدا في المجموعة القصصية (مهمة وسخة)، نجدها تتضمن شكلا هندسيا يأخذ شكل القصيدة الحداثية...ولولا خطابها الذي يغلب عليه التقريرية المباشرة، والسرد المشهدي، لاعتبرنا بعض قصص المجموعة قصائد شعرية لا تختلف عن قصيدة النثر...كما في قصة(شذرات نتنة- فأل- وله- حذر- قدر- افتتان- قداس)...ففي (شذرات نتية) نرى القصة تأخذ شكل القصيدة الحداثية المتكونة من مقاطع مرقمة:‫
1
اجتمعوا تجامعوا
و كان كرب عظيم

2

طفلا أخافوه من الموت
حين رشد انتحر

3

باحت له بحبها
تردد قليلا
ثم اغتصبها‬
وقد اعتمدت تقنية الأسطر الشعرية، والقافية الحرة.. وطول وقصر الجملة.. كما نجد في قصة (وله):
أحبها و هام بها
ماتت فأنبت على قبرها شجرة
لكي تُورِق سريعا قرر أن يسقيها دماء قلب
- الفكاهة في قصصه:
قصص عبد السلام جاعة لا تخلو من فكاهة سوداء.. ساخرة... ولاذعة... وهذه الفكاهة المتضمنة، تدفع بالقارئ إلى اكتشاف التلميحية، والإيحائية التي توجد وراء السطور... كما توحي بدلالات يقصدها الكاتب من قصته.كما في قصته(نبوءة) و(صال) والتي يقول فيها:
"في الشارع العام بدت له صوفيا ، الممثلة الشهيرة التي شاهد كل أفلامها و أثث بصورها كل جدران غرفته الصغيرة
دعته إلى كأس شاي بغرفتها في الفندق المجاور قالت له أعلم أنك تحبني ،قبّلته غمره دفْء جارف فذاب في عطرها الشهي
في صباح الغد كان عليه أن يجد ثمن الحمام و مسحوق التصبين"
هذا كله أعطى لهذه القصص القصيرة جدا غناها وثراها الدلالي، والجمالي، والفني...
وتتجلى هذه التمظهرات الجمالية والفنية في الاقتصاد في العبارة.. والإيجاز في السرد.. ويظهر ذلك واضحا في ابتعاد القاص عبد السلام جاعة عن كل ما يهلهل الخطاب النثري كنص.. والخطاب السردي كقصة... فلا نجد روابط تقوم بالعلاقات الترابطية والتركيبية بين الكلمات والجمل.. ففي قصته القصيرة جدا (تيه)، والتي يقول فيها:
" رنا إليها... نظرت إليه... ابتسم لها... لم تبتسم له... أطرق قليلاً...
و تاه !"
فلا نجد في هذه القصة إلا رابطا واحدا.. بل اعتمد فيها القاص على تقنية الجملة الفعلية...وفي قصة(تيه):
الوردة تلك
قالت واثقة
لن يفوتني الربيع
...وأينعت باكراً
حيث اعتمد الأسطر الشعرية. أي أن الأديب عبد السلام جاعة، يجعل الجمل تتتالى وتتابع منطقيا، دون أي واصلات من أدوات العطف والاستئناف، والاستدراك والإضراب، والنفي، وغيرها...
- التكثيف في قصصه:
أهم ما تتميز به قصص عبد السلام جاعة القصيرة جدا، هو : التكثيف.. وهذا يعطيها توهجها. وفنيتها.. وإشاراتها الخفية...ولذا جاءت في قليل من الكلمات. ولكن تتضمن معاني كثيرة، واستضمارات واستحضارات كثيرة وغنية...وهذا ما قامت عليه قصة(قدر)، والتي جاءت متكونة من ثلاثة أسطر وعشر كلمات. ولكن حابلة بالدلالات، والاستحضارات..
أعزل كان
حين داهمه طيفُها مُدَجّجا بالفتنة
ارتبك قليلا ثم... صَبَأ
وهنا نجد الكاتب ينقل التبئير من السؤال عن اختيار الشخصية ، إلى الشخصية المختارة ، هي: الطيف الذي داهم الشخصية المحورية....
ومن هنا نجزم أن عبد السلام جاعة لم يأت بالتكثيف لغرض الإيجاز، والتوهج.. ولكن أتى به وتعمده ليكون وسيلة وأداة لطرح مجموعة من الأسئلة..ويوفر من خلاله انفجارية المعنى... وبالتالي لا تصبح قراءة المتلقي سطحية ، وعفوية وملساء...وإنما قراءة موجهة.. مثيرة للسؤال ، كاشفة عن المخفي في القصة ، وإكمال نهايتها ، والمشاركة في بنائها...ومتفاعلا معها...
صحيح أن التكثيف يوسع من أفق القارئ، ولكن تخيب نهاياتها توقعه وانتظاره...وبالتالي تشكل له صدمة وإدهاشا ، وإثارة تحمله من انتظار إلى مفاجأة غير منتظرة...
التحبيـــك في قصصه:
تخضع قصص عبد السلام جاعة لخاصية التحبيك السردي مبني على هرمية منطقية: المقدمة والعرض والخاتمة ... أو على الأصح:المدخل التمهيدي، وعلى العرض، والعقدة والحل ، والنهاية... بالإضافة إلى اعتمادها على زمان ومكان، وأسلوب سردي وخطاب قصصي، كما في قصته (شرود) التي يقول فيها:
تدارسوا همّ القبيلة ،اختطُّوا للحياة سبيلا، ثم تواصوا بالصبر
أقبل،حين الغروب ، و قد تفرقوا ، يتأبط أوراق بَرْدِيٍ عليها حروف لا تستقيم كلاما
حار الموت في قبض أرواحهم
كراسيهم المصفحة كانت تمنعه
تناهى إلى سمعه ضجيج ،استطلع الأمر و بدا سعيدا
لبس قفازين و قال الآن سأقبض روحين نتنتين
- المفـــــارقــــة في قصصه:
تتضمن بعض قصص عبد السلام جاعة المفارقة التي تتم عن طريق التناقض والتقابل بين القول والفعل؛وهذه المفارقة تقوم بعملية خلخلة انتظارات المتلقي/ القارئ، وصدمته، والعمل على خيبة انتظاراته..حيث تأتي النهاية مخيبة لآماله وانتظاراته ولتوقعه... مما يسبب ذلك في خلق مسافة جمالية تربك المتلقي،وتدهشه، وتخيب أفق انتظاره كما في قصة(حاكم) والتي يقول فيها:
ضرب الطاولة بيمناه وقال
لأُقيمنّ فيكم كتاب الله و سنة رسوله
بعد لحظات وُضعت أحجارأساس لبناء سجون جديدة
- الخاتمة:
من خال هذه الجولة القصيرة في عالم المبدع عبد السلام جاعة، اكتشفنا قاصا متمكنا من آلياته القصصية... في جعبته الكثير، ويعد بالكثير... وننتظر منه الكثير...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بنية القصة القصيرة عند عبد السلام جاعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» تعازينا القلبية لأخينا العزيز عبد السلام جاعة في وفاة والده
» المفارقات في القصة القصيرة جدا عند عبد الرحيم التدلاوي
» القصة القصيرة جدا عند مصطفى لغتيري من خلال(مظلة في قبر)
» صدور العدد الثالث عشر من مجرة حول القصة القصيرة جدا
» القصة القصيرة جدا عند حسن البقالي من خلال( القص تحت المطر)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات نقدية :: مدار النقد-
انتقل الى: