د. تيسير الناشف
عدد المساهمات : 45 تاريخ التسجيل : 01/02/2008
| موضوع: النص وقراءته 29/3/2011, 21:07 | |
| النص وقراءته
د. تيسير الناشف يحب الكاتب في أغلب الأحيان أن تنشأ صلة فكرية أو عاطفية بينه وبين القارىء، لان الكاتب يحب ان يوصِل رسالة أو مضمونا إلى الآخرين. وقد تنشأ هذه الصلة وقد لا تنشأ. وإذا نشأت قد تدوم وقد تنقطع. ولا يحب الكاتب أن تنقطع صلته بالقراء. وأحد أسباب كرهه لانقطاع الصلة هو أن الصلة تمنحه السرور والرضاء بأنه يوجد من يهتم بكتابته ويشاطره فكره. وأحيانا يكون عدم إقامة الصلة عائدا إلى أسلوب الكاتب أو ضحالة فكره أو مضمونه أو صعوبة فهمه وأيضا إلى مستوى فكر القارىء والأسلوب والمضمون المفضلين لديه. ولا يغطي النص في معالجته جميع جوانب المسألة المتناولَة لأنه لا يمكنه أن يقوم بذلك. إن تناول الكاتب لجوانب المسألة ليس نهائيا ولا مستنفدا. ويبقى للقارئ، إذن، فضاء يمكنه أن يملأه. ويتوقف مدى إسهام القارئ في معالجة المسألة على عوامل منها مدى وعيه الفكري وشخصيته: هل هي شخصية انقيادية أو موجِّهة ومنبرية ومتصدية. القراءة طريقة شخصية في الفهم. لكل امرىء طريقته في القراءة. هذه الطريقة الشخصية ضيقة الأفق. مما يضيق أفق هذه الطريقة ضيق الفهم البشري، فذلك الفهم تقيده الرغبات والحاجات والظروف الاجتماعية النفسية التي يمر الإنسان بها. والاكتفاء بطريقة واحدة معناه الاكتفاء بطريقة شخصية ضيقة في فهم المعاني المتعددة الكامنة في النص. والقبول بالنص على شؤون الكون والعالم والحياة نقص في الفهم لأن النص عبارة عن قراءة أو قراءات محدودة لهذه الشؤون التي تنفتح على نصوص وقراءات متعددة. ما معنى تعدد القراءات؟ تعدد القراءات معناه كون جميع الرغبات والحاجات الاجتماعية والنفسية والظروف والملابسات الاجتماعية والثقافية وتغير المزاج والتغير في التأكيد على الشيء والتغير في مدى التجرد والتحدد وغيرها والتفاعل فيما بينها جميعا والنتائج المترتبة علي هذا التفاعل – كون جميع هذه العوامل عاملة في انفتاح القارىء على النص. القراءة الواحدة للنص غير مقيدة بمراعاة قسم من هذه العوامل. والقراءة الواحدة معناها أن قسما من هذه العوامل فقط يقرر مدى الانفتاح على النص. وبالنظر إلى كون هذه العوامل ليست العوامل كلها التي تقرر الانفتاح الأكبر فإن هذا الانفتاح ليس كاملا. والقول بأن نصا واحدا يتضمن الحقيقة قمع لفكر ذلك القائل، لأن ذلك القائل لا يسمح بأن ينفتح على نصوص وقراءات أخرى في نصوص أخرى قد تتضمن الحقيقة أو قد تكون أقرب من معرفة الحقيقة. والأخذ بقراءة واحدة للنص قمع لفكر الآخذ بهذه القراءة لأن للنص الواحد قراءات متعددة. وعزو الحقيقة إلى قراءة واحدة للنص قمع للفكر، لأن ذلك النص له قراءات أخرى أهملها الذي يأخذ بالقراءة الواحدة وطمسها وقمعها. وكل مفهوم اقتصاري ينطوي على القمع الفكري. قصر التمايز أو الاصطفاء أو الامتياز على شخص بذاته أو شخصية بذاتها يعني استبعاد أو قمع أشخاص آخرين أو شخصيات أخرى. القبول بقراءة واحدة للنص انغلاق، لأن هذا القبول يحجب القارىء عن قراءات أخرى للنص، بينما القبول بقراءات مختلفة للنص انفتاح على الإمكانات المختلفة في النص. قبول قراءات مختلفة انفتاح على العوالم المختلفة الكامنة فيه. اكتفاء القارىء بقراءة واحدة للنص هو قمع النص للقارىء، وانفتاح القارىء على قراءات مختلفة للنص انفتاح على المعاني المتعددة الكامنة في النص. إن ما يوصل إلى فهم المعنى الكامن في النص ليس القراءة الواحدة للنص ولكن قراءاته المتعددة. الاكتفاء بالقراءة الواحدة للنص انعكاس للقارىء على النص وتعدد القراءات للنص انفتاح للقارىء على النص وتعريض القارىء للمعاني المتعددة التي يحملها أو يحتملها النص. وبما أن المتعصب أو المتحيز ينغلق على قراءة واحدة للنص القابل لقراءات مختلفة فإن هذا التعصب – الذي يحرمه من قراءات أخرى – يحرمه من توسيع دائرة المعرفة، ويحرمه من الاطلاع على المعاني الممكنة الكامنة في النص. وبالتالي لا تمكّنه القراءة الواحدة للنص من الإحاطة بمعانيه الممكنة ومن فهمه على وجه أتم. ولا يمكن لمن يقرأ النص قراءة واحدة أن يزعم اطلاعه أو فهمه الأصوب أو الأتم عن طريق القراءة الواحدة لأن الخطأ والنقص كامنان أساسا في القراءة الواحدة للنص. والتعصب مخالف للانفتاح، فالتعصب تقيُّد بما هو متعصب له، وبالتالي فالتعصب تقييد. والتعصب انغلاق، لان المتعصب يغلق نفسه أو ينغلق على ما هو متعصب له. والتعصب اقتصاري. التعصب لشيء يعني اقتصار القبول على شيء واحد. وعدم القبول بما هو ليس متعصبا له. وهذا التعصب أو الاقتصار يعني استبعاد ما هو ليس متعصبا له. والتعصب لقراءة من القراءات رفض للقراءات الأخرى. التعصب لقراءة هو عدم الانطلاق الى قراءات أخرى؛ إنه الانغلاق على قراءة واحدة. ولا أساس للاعتقاد بأن القراءة التي وقع الاختيار عليها أكثر تقريبا من معرفة الحقيقة من القراءات التي لم يقع الاختيار عليها. وبالنظر إلى اقتران الانفتاح والانطلاق بتعدد القراءات فإن مما يقرب من تحقيق الانفتاح هو الأخذ بالمذاهب الفكرية الأكثر انفتاحا وعالمية وإنسانية وتحررا من قبيل التسامح ونزع الطابع الأيديولوجي القوي والنزعة الإنسانية وقبول فكرة وحدة الجنس البشري وفكرة وحدة الكون ووحدة الألوهية وفكرة تكفل الألوهية بجميع البشر والمساواة بين البشر عند مستوى من المستويات، ومعرفة الطابع الانغلاقي لمذاهب من قبيل مذاهب التفوق العنصري ومعرفة نقص الفكر البشري والعقل البشري ومعرفة دور الغرور البشري في الإسهام في الانغلاق الفكري والعاطفي البشري والإقرار بوحدة الحاجات البشرية الأساسية. وقراءة النص قراءة واحدة إحدى الطرق لنسبة الخطأ إلى الغير. فما دام الاطلاع الأكبر على المعنى يتم عن طريق القراءات المختلفة فعن طريق القراءة الواحدة والانغلاق على قراءات أخرى يستطيع القارىء أن يقرأ القراءة التي قد يظن أنها تؤيد فكره ولا يقرأ القراءات التي قد يظن أنها تؤيد شخصا آخر. إنه لا يقرأ المعاني التي يحتملها النص. هو يختار ما يبدو له أنه يؤيد الفكر الذي يتقبله وقد لا يعير انتباها يستحق الذكر للمعاني التي لا يريد أن يلتفت إليها رغم أنها كائنة في النص الذي قرأه. | |
|