في مجموعته القصصيه (لحظات عري) الدكتور جليل البصري وهذار النفس المغتربه مع ذاتها
بين تلاطم الأفكار وجنون الرؤى وهي تتوهج في الذهن المتوقد بالأحلام المفرطه في تناول الاشياء الغيبيه وبين نبض الحياة الذي يلازمنا ونحن نبحث عن ظل نتفيئ به لننعم بسحر مفرده تأتينا بدون عناء نصاحبها كدليلا لنا،
نقرأ فيها صورا منقوله من أفق مفتوح تتداعى فيه كل أحتمالات الأشتهاء وتبرزفيه مقومات التحليق بثقه مطلقه، غير أن التصوف اوالعبث ربما سيؤدي الى التلاشي ولكن هذه الأدوات التي تثقل الذات بجريها المحموم نحو البقاء قد تأخذ مديات أرحب من خلال شحن الذاكره بموجه من الأضاءات والتي تساور أفئدتنا أذ تتحرك بين مجموعه من الأنتماءات، غير أن الدافع الحقيقي الذي يقوي قبضة التحدي في داخلنا يتعاظم مع سعة الأمل الذي ينموا رويدا رويدا بكل مافيه من صفاء ومحبه وفرح وعذوبه وعزم وطموح،لذلك فأن الدافع ذاته وهو يحرك الوجود نحو التوحد يكمن في قدرة العقل على هضم مخلفات الوهم والخرافه وأستلاب حرفة الاخرين غير أن الأفصاح عن القيم الجماليه في أتون السرد القصصي تأتي متآلفه مع واقعية الحدث كما يوثقها الكتور جليل البصري في مجموعته القصصيه (لحظات عري) تذكرني هذه الصور بأخرى مشابهه لها ولكن لقطاتها أخذت من زوايا مختلفه، كما في المجموعه القصصيه (أفكار الرجل الطويل) للقاص الدكتور عدنان رؤوف التي صدرت عن دار النشر والتوزيع لجامعة الموصل أبان السبعينات من القرن الماضي وعندما نتوغل في اعماق مجموعة الدكتور البصري أونقف عند مفاتيحها والتي تم اختيار مسمياتها بدلالة وقوع الحدث نفسه اذلم يبتعد عن تناول حيثيات حياتنا الأجتماعيه ومايساورها من آمال وهموم وقلق وهواجس فتوزعت على عدة ابواب او دلالات وكما في، السيد المدير، الأبراج،جنون التدفئه المركزيه،مراسل صحفي،الاأيقاف، الرأس اولا،دوران في مساحه ضيقه، نقطه في فضاء أزرق،عيد ميلاد،السائرون، ظله مندحرا، ظلي مغتربا،نوبات قلق،طفل المملحه،غريب، رغبه، المصابيح الصفر، الأنتظار في الساحه المقفره، موعد مع الحناء،صحوة عشق، اضغاث،،، تلك كانت اسماء القصص التي تضمنتها المجموعه مدار حديثنا ففي قصة السيد المدير هنا يلوح القاص بمراجعة اوراق الصبا لصداقه قديمه ظلت وشائجها مغروسه في ضميره اذ يتخلى عن كبرياءه للحظات و الخروج لتصفح اوراق الماضي فأنها لم تكن سوى استراحه قصيره يخلص نفسه من عناء الوظيفه فيسرح في اديم الذكريات وفي قصة الأبراج نقرأ(قاده العمل في الأنترنيت الى الأبراج مرة أخرى.. فبحث عن برجه.. فأستفزه أن مؤلف الأبراج يعرفه تماما ويعرف علاقته الجديده) لقد صنع القاص بأسلوب رمزي اشكاليه جميله ومؤثره تتيح للمتلقى اللهاث للوصول الى الهدف وهناك تتعدد الأجابات والـتأويلات كمافي قصة مراسل صحفي ايضا اذتبرز لنا حوارات النفس مع ذاتها أي المونولوج الداخلي التساؤلي والقلق الذي يلتقي عند حافته ابطال القصه ابتداءا من السكرتيره والصحفي والمدير العام وأنتهاءا بوكيل الوزاره والذي يخشى من أضواء الصحافه ان تكشف اوراق وزارته ونقرأ منها (وبدأ السيد المديربعد عبارات ترحيب مقتضبه بالتعبير عن تذمره من مقابله سابقه مع احد الأخوان قدم فيها على حد تعبيره عرضا غير منصف مما دفعه الى الرفض) أ ن اختلاق المبررأو تسويق الأعتذارات هو الهروب بعينه من البيئه التي يقف مختلا بتوازنه وهو يترنح في فلكها ونقرأ في قصة الايقاف (ماذا تفعل في هذه الساعه ولماذا ترفع يدك هكذا؟؟هل انت ثمل؟) يتكرر المشهد الليلي هنا واذا ادركناالكيفيه التي تكون فيها الشخصيه التي تدخل في وحشة الغيبوبه نتيجة المؤثرالذي يغير ثوابت التوازن في النفس البشريه اذ يعد استثناءا ولاغير وفي قصة الرأس اولا يدلنا السيناريو المضحك المبكي على زمن تداعي دون ان تسجل الذاكره الجمعيه سوى التهكم والاقصاء والجوع غيران الدلاله القصصيه والرمزيه تبرز بشكلها المقبول والذي يشكل حرفه يوميه نجرعها كل يوم ولكن بأمتعاض ونقتطف من قصة دوران في مساحه ضيقه( في ليلة توسل صديقه ان يستلم نوبة الحراسه عنه،ليغيب ساعه للقائها.. لكنه عندما عاد وجد صديقه نائما بلا سلاح.. ووجدا نفسيهما في الليله القادمه، وجها لوجه مع الحارس ذي الشاربين الكثيفين) ربما نعثر على وجه متقارب في مضمونه مع قصة الايقاف اذ أن النهايه تتوحد على تلك الشاكله بأستلاب الحس الانساني والمحاوله لترويضه وموته.. ويتناول الدكتور جليل القيسي معاناة المهاجرين العراقيين الذين دفعتهم ظروف الحرب والحصار والجوع الى مغادرة وطنهم وسعيهم للحاق بركب المدنيه وتحت وطئة الظروف البيئيه القاسيه وهم يمرون من منعطف واحد بأتجاه دول اوربا يلتمسون الحريه اولا ويحلمون بحياة هانئه ومستقره ولكن بعيدا عن دفئ الوطن ونعيمه ثانيا، كما يعرضها الكاتب في نقطه في فضاء ازرق،، ويدعونا القاص الدكتور جليل القيسي لحضور عيد ميلاد ويقول( بعد الصرخة الأولى لم يجرؤ كثيرا على البكاء،، كان يخشى امه او يخشى عليها المزيد) اذ لم يكن هذا الطفل العراقي حزبيا اوسياسيا فما ذنبه حتى يستحال قدره الى المجهول اوالموت من دون ذنب اقترفه وهنا اعود الى افكار الرجل الطويل للكاتب عدنان رؤوف اذ ان محتويات اللوحه بكل مضاميتها الفكريه والانسانيه تلتقي في المشهد الذي رسمه القاص البصري في ظله مندحرا وظلي مغتربا الامر الذي فسر لنا هذار النفس المغتربه مع ذاتها ومع البيئه التي تدور في فلكها وكان عامل التوحد بين فكرتين الحارس الذي ظل يطبق بيقظته ومراقبته للمحيط وهوبحد ذاته يشكل مرمى ابعد من المنظور بين جدلية التحدي الذي مثلها الرجل الطويل وهو يراقب حارس الكنيسه عندما كان يتطلع لبلوغ الصومعه ولوبنظره وبين اغتراب الرجل وهو يطوف في اسواق شبه مهجوره في ليله يصفها الكاتب (مشيت لوحدي كان الشارع مهجورا موحشا يرقد في انتظار الساعه القادمه) ونقف عند قصة نوبات قلق(دعاها للتنزه.. احجمت في البدء ثم ترددت ووافقت بقلق حتى أن لمحة الوجوم .. افقدتها بريق التألق) لكن عندما وقعت بين ايدينا هذه المجموعه زدنا تألقا ومتعه من خلال التكثيف الجميل للغه وحضور عناصر القص الحديث
فهد عنتر الدوخي