أم المؤمنين صفية بنت حيي ـ رضي الله عنها -
عن عطاء بن يسار قال : لما قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم من خيبر ، ومعه صفية ، أنزلها ، فسمع بجمالها نساء الأنصار ، فجئن ينظرن إليها ، وكانت عائشة متنقبة حتي دخلت ، فعرفها ، فلما خرجت ، خرج ، فقال : كيف رأيت ؟ قالت : رأيت يهودية ،قال : لا تقولي هذا فقد أسلمت (3) .
السيدة الفاضلة الشريفة العاقلة الحسيبة النسيبة أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب بن سعية من سبط اللاوي بن نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ـ عليهم السلام – ثم من ذرية نبي الله هارون – عليه السلام - .
تزوجها قبل إسلامها ، سلام بن أبي الحقيق ، ثم خلف عليها كنانة ابن أبي الحقيق ، وكان من شعراء اليهود ، فقتل كنانة يوم خيبر عنها ، وسبيت وصارت في سهم دحية الكلبي – رضي الله عنه - ، فقيل للنبي صلي الله عليه وسلم عنها ، وأنها لا ينبغي أن تكون إلا لك ، فأخذها من دحية ، وعوضه عنها سبعة أرؤس .
قال أنس : جمع السبي – يعني بخيبر – فجاءه دحية فقال يا رسول الله ، أعطني جارية من السبي ، فقال : اذهب فخذ جارية ، فأخذ صفية بنت حيي ، فجاء رجل إلي نبي الله صلي الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ، لا تصلح إلا لك ، قال : ادعوه بها ، قال : فجاء بها ، فلما نظر إليها النبي صلي الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها ، قال : وأعتقها وتزوجها (1) ، وذلك بعد أن طهرت وجعل عتقها صداقها (2) .
واختارت السيدة صفية رضي الله عنها رسول الله صلي الله عليه وسلم علي أهلها وعشيرتها ، وأسلمت وحسن إسلامها ولما أخذها النبي صلي الله عليه وسلم من دحية بسبعة أرؤس ، ودفعها إلي أم سليم حتي تهيئها ، وتصنعها ، وتعتد عندها ، فكانت وليمته : السمن ، والإقط(3) ، والتمر ، وفحصت الأرض أفاحيص (4) فجعل فيها الأنطاع ، ثم جعل ذلك فيها (1) .
إكرام النبي صلي الله عليه وسلم لها :
وكان النبي صلي الله عليه وسلم يكرمها ويحسن إليها ويحب رضاها قال أنس – رضي الله عنه - : أقبلنا مع رسول الله صلي الله عليه وسلم أنا وابو طلحة وصفية رديفته ، فعثرت الناقة ، فصرع ، وصرعت ، فاقتحم أبو طلحة عن راحلته ، فأتي النبي صلي الله عليه وسلم ، قال : يا نبي الله ، هل ضرك شيء ، قال : لا ، عليك بالمرأة فألقي أبو طلحة ثوبه علي وجهه ، وقصد نحوها ، فنبذ الثوب عليها ، فقامت فشدها علي راحلته ، فركبت ، وركب النبي صلي الله عليه وسلم (2) .
وعن عطاء بن يسار قال : لما قدم رسول الله صلي الله عليه وسلم من خيبر ، ومعه صفية ، أنزلها ، فسمع بجمالها نساء الأنصار ، فجئن ينظرن إليها ، وكانت عائشة متنقبة حتي دخلت ، فعرفها ، فلما خرجت ، خرج ، فقال : كيف رأيت ؟ قالت : رأيت يهودية ،قال : لا تقولي هذا فقد أسلمت (3) .
وقالت صفية بنت حيي – رضي الله عنها : دخل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وقد بلغني عن عائشة وحفصة كلام ، فذكرت له ذلك ، فقال : ألا قلت : وكيف تكونان خيراً مني ، وزوجي محمد ، وأبي هارون ، وعمي موسي .
وكان بلغها ، أنهما قالتا : نحن أكرم علي رسول الله صلي الله عليه وسلم منها ، نحن وأزواجه وبنات عمه (4) .
وأصابت صفية – رضي الله عنها – نار الغيرة ، ووقعت المشاحنات بينها وبين جاراتها ، فمرة لها ومرة عليها ، لكن هذا لم يخرج عن حدود الحق .
تقول صفية – رضي الله عنها : إن النبي صلي الله عليه وسلم حج بنسائه ، فبرك بصفية جملها فبكت ، وجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم لما أخبروه ، فجعل يمسح دموعها بيده ، وهي تبكي ، وهو ينهاها ، فنزل رسول الله صلي الله عليه وسلم بالناس ، فلما كان عند الرواح ، قال لزينب بنت جحش ، أفقري اختك (1) جملاً ، وكانت من أكثرهن ظهراً ، فقالت : أنا أفقر يهوديتك ، فغضب صلي الله عليه وسلم فلم يكلمها ، حتي رجع إلي المدينة ومحرم وصفر ، فلم يأتها ولم يقسم لها ، ويئست منه فلما كان ربيع الأول دخل عليها ، فلما رأته قالت : يا رسول الله : ما أصنع ؟ قال : وكانت لها جارية تخبؤها من رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت : هي لك ، قال : فمشي النبي صلي الله عليه وسلم إلي سريرها ، وكان قد رفع فوضعه بيده ، ورضي عن أهله (2) .
وعن أنس قال : بلغ صفية أن حفصة قال: بنت يهودي فبكت ، فدخل عليها النبي صلي الله عليه وسلم وهي تبكي ، فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: قالت لي حفصة : إني بنت يهودي ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم إنك لابنة نبي ، وإن عمك نبي ، وإنك لتحت نبي ، ففيم تفخر عليك ؟ ثم قال : اتقي الله يا حفصة (3) .
وكان النبي صلي الله عليه وسلم يسرع في إكرام صفية رضي الله عنها- ومن ذلك أنه خرج من معتكفه تكرمة لصفية ، تقول أم المؤمنين صفية – رضي الله عنها : كان رسول الله صلي الله عليه وسلم معتكفاً ، فأتيته أزوره ليلاً ، فحدثته ثم قمت لأنقلب ، فقام ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلي الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : علي رسلكما إنها صفية بنت حيي ، فقال : سبحان الله : يا رسول الله ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إن الشيطان يجري من بني آدم مجري الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً (4) .
وكانت صفية في المقابل تحب رسول الله ، حباً جماً ، فقد ورد أن صفية بنت حيي قالت في وجع النبي صلي الله عليه وسلم الذي توفي فيه ، والله يا نبي الله لوددت أن الذي بك بي ، فغمزها أزواجه ، فأبصرهن ، فقال : مضمضن قلن : من أي شيء ؟ قال : من تغامزكن بها ، والله إنها لصادقة .
حلمها وكرمها : وكانت صفية – رضي الله عنها – حليمة كريمة جوادة رحيمة رقيقة شفيقة ورد أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب – فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها ، فقالت : أما السبت ، فلم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة ، وأما اليهود ، فإن لي فيهم رحماً ، فأنا اصلها ثم قالت للجارية : ما حملك علي ما صنعت ؟ قالت : الشيطان ؟ قالت : فاذهبي فأنت حرة .
وعن سعيد بن المسيب قال : قدمت صفية بنت حيي في أذنيها خرصة من ذهب فوهبت منه لفاطمة ولنساء معها .
شجاعتها وجهادها : وكانت صفية – رضي الله عنها – شجاعة لا تخاف في الله لومة لائم ، تجلي لنا هذا من دفاعها بالقول والفعل عن عثمان – رضي الله عنه – يوم حصره قال كنانة : كنت أقود بصفية لترد عن عثمان ، فلقيها الأشتر ،فضرب وجه بغلتها حتي مالت ، فقالت : ذروني لا يفضحني هذا ! ثم وضعت خشباً من منزلها إلي منزل عثمان ، تنقل عليه الماء والطعام .
وبعد حياة حافلة بالصبر والمصابرة ، والجهاد والمجاهدة والرباط والمرابطة انتقلت صفية إلي جنة ربها ، ورجعت إليه راضية مرضية ، فتوفيت سنة اثنين وخمسين في خلافة معاوية – رضي الله عنه – وقيل غير ذلك .
بشراك بالجنة الفيحاء بشراك .
قصص الصابيات ـ د . مصطفي مراد ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر .