لليل بياض الوجه ولي سواده
(1)
لا حرقة تستفزني كاشتعال الكبد سويعة يمضي العمر بعيدا خلف موجة تتلو على الرمل أخر أناشيد عشقي، لأراود الحلم الصامت من نافذة قلب لم يعد للنبض فيه أي نشيد للخطو.. أتوضأ بماء عينيه كي أصلي له على سجادة الجسد ركعتين .. تلو ركعتين .. وأخرى أعدها نوافل للعشق متى حضر .
كم من الحرف يكفي لأخبّئ في الصدر بياض أوراقي وأمضي في اتجاه البوح ، نورس هو الفؤاد يرمي بجناحيه على صخرة مخضبة بالأخضر المبلل ببقايا الموج ونفايات مراكب صيد عابرة للشط ؟.
كم من حلم يلزم القلب كي تبطئ الفراشات خطوها صوب مقصلة الومض وتبقى على رقصها مع الريح ..عاليا تعانق دم وجهي .. محللة من غبش الوقت تأتيني .. أميرة الأميرات تسكنني في القصيد.. ترسمني عاشقا في بياض العمر؟.
لا شيء يسكنني غير وجه امرأة هارب خلف البحر ودم انسل مني ذات حلم وتكبد في الأرض زهرتين..
لا شيء لي الآن غير قلبي وبضعَ قطرات دم احرسها لمنقلب الوقت وانكسار ساعات بلاد رمت بوجهي لسواد لا يجيد إلا لعبة الموت البطيء.. مكنسة القبر .. سلة مهملات لأجساد محترقة على وقع الرفض.. وشوارع لا تعيرها إلا أقدام الحمقى وبائعات الأبراج وكبسولات الحب الأسود.
ها جسدي معبر للماء كي ترتوي من أسفل الشفاه فراشات الحي القديم ونوارس بحر مدينة دست فواصل عمري في جبة الصمت واعتلت مآذنها المتساقطة على دفة تواريخ أمة تتهجى حلمها في ليلة ماطرة.
(2)
لا أريد لأوراق الكلام أن تحزن.. أن تهرب مع مهب الريح من قبضة البياض .. وتعلبني حكيا للقادمين من احتراق البوح، المنتشين بصهوة القصيد المفرغ من فرح الوقت.
ها يقرئني الحلم سلامه وغيمة العمر تخطو بي وحيدا كي تمطرني على وجه من ذهبوا فواصل شوق يسكنني وصدري أقحوان تراقصت وريقات جسمه عريسا وثوب العرس بياضٌ تلطخ بسواد .
كم من بارجة تعبر بحر الفؤاد .. بلا عساكر وأسلحة تدفع عني أحزاني، كم من عطار أوصى لي كي أشفى من حمى الأحبة بقذيفة من "زواق" وحبات تمر يابسات وبضع نقع من دمائي .
لا أريد لأوراقي أن تصرخ في وجه وجهي:
- لست ادري
ما الخبر..
كلامٌ يأتي القلب
مطرا مطر
وقعه غصة
في الصدر
ودسائس نار
تحرق الزرع
و البشر.
(3)
الليل بحر والأحلام زورق للعبور من سواد الشط إلى ما تبقى من بياض الصدر، الليل بلاد عساكرها من رماد ودخان.. الليل سوادا تلبس بالقلب واستكان.
وأنا العابر من الحلم توزعني الأحرف كلمات بوح لكبد احترق على مفترق الوصل، تقطع بين بحر وبحر.. ارتحل من وجهه دم أحبة انساب مع مجرى ماء الهجر.
لا حرقة تقتلني كارتحال دمي في نبض نوارس لم تعد تسكن شطي .. ابتاعتني للريح، كسرت أقداح الفرح، انتشت بسقوطي على مرأى الموج وصمت الرمل.
لليل بياض الوجه ولي سواده معبرا للوقت واكتحال لمرقص الأعين .. لسلالات الخد ، معارج الوجنتين ، حبل وريد ، انكماش نهدين على مفترق الشهوة.
لا حرقة تستفزني كاحتراق حناء الوصل في يدي .. نقش امرأة تغنت باسمي في البلاد .. امرأة لفت ضفيرتها وغابت في زحام المدن الشقراء .
(4)
لا شيء يغري في ارتحالي غير خطوِ صوب قلبي، لا شيء يكفي للفرح وكل الأقداح تكسرت على صدري.
لا شيء ينزع عن ليلي سواده غير بياض الوجه ونقش حكي مؤجج بفواصل نازلات من وهج النبض.. حالمات باشتباك الحلم في دواخلي .
كم بقي لي من الخطو صوب فجر ترقبه الذات كي تغتسل من غسق الجرح .. كم بقي لي من أحرف أشكلها فرحا على مقاسات الجسد المقيد بتراتيل الحمق؟ .
ها أمضي وحيدا
والطريق مفترق
بين الحلم
وسهو يمتطي جسدي
نشيدا لكائنات تعشق الليل
وصمت وجهي.
ها وحدي
أعلن أن لليل بياض الوجه
ولي سواده
ما بقي لي من العمر.
الفقيه بن صالح
مارس 2010