الادب مرآة المجتمع
من المعتاد أن ينظر الرجل الى المرآة كل صباح عندما يستيقظ ، يرى هيئته حتى يتسنى له ترتيب هندامه وتحسين صورته ، ليبدو بحلة جديدة أما م الآخرين،
يمشط شعره ويتمعن في وجهه جيدا ، يتملى بجمال محياه لبرهة ، يتصور كيف سيستقبله الأصدقاء؟ .هل سيكون مثار اعجاب بصورته؟، هل سينال استحسان أحدهم ؟ هل سيجذب اليه الأنتباه.
يتخيل نفسه أمامهم مزهوا بطريقة لباسه ووسامة ملامحه ، ولمالا يثير اهتمام كل من لمحه، فيبادره بالإطراء على مظهره وبالأخص عندما يكون ذلك الشخص إحدى النسوة..أو أحدا من زملائه أو صديقه.كل واحد يجامله، بإعجاب من من تلك ،او باستغراء من من اخرى ،ليخالجه ما يسمى الإعتداد والثقة بنفسه لما له من ميزة يتفوق بها عليهم..
نفس الشئ بالنسبة للانثى التي يحضى الامعان في مشاهدة صورتها بالمرآة على أولويتهالتظل امامها مدة من الزمن.
تتباهى بحسنها وجمالها الفاتن ، تتفنن في اضفاء الزينة على وجهها المليح ، وأول ما تفكر فيه ، ان تلمح نظرات الاعجاب في عيون من حولها ، وان كانت محظوظة فسيُشنف سمعها بكلمات الغزل والمديح من الذين أغوتهم بحسنها ، وان أبدت اللامبالاة أو اصطناع انزعاج لا يكاد يكون إلا مظهرا لا ينم عما تشعر به من رضى وسرور، أو نفور من أحد لا تحب اطراءه ولم ترتح له ، لكنها في الصميم تشكره ،
بيد ان كلا الطرفين قد غفل عن مرآته الخاصة التي يجب أن يوليها أهميته الخاصة والتي من خلالها يمكنه أن يعرف قيمة نفسه عبر نفسه ، ينظر الى صورته الحقيقية ، بدل ان يشاهدها بعيون اللآخرين.
صحيح بأن الانسان عندما يكون صالحا يكثر مبجلوه ، وعندما يصبح ولي أمرأو سيد قبيلة وما شابه يلتف حوله مناصروه، يحضى باحترامهم والثناء على خصاله دون سابق معرفة أكيدة به ،
كل هؤلاء يرون انفسهم عبر مرايا معجبيهم ، لأن الحياة عبارة عن مرآة كل شخص يمر من خلالها الى ما خفي عنه ، وربما تكون السبيل لانماء وعيه.
بيد انه ودون تعميم وعزل الكل في خانة واحدة ، فليس من عادة ولي الامر او الزعيم أو سيد قومه أن يرى نفسه بنفسه ويقيمه قبل الآخرين ، ، لأن البعض يبدو عاجز عن ابداء أي جهد للاعتراف بحقيقة نفسه ، ولو بلمحة ، اذ لا يرى مصلحته في ذلك كما يخيل له بل سيكدر على نفسه ويفصح بما يفسد عليه نشوة نجاحه، وهو يرى شخصيته يجسدها ولاء الآخرين له بالطاعة العمياء ، أما عن المستبد فهو لا يرى مرآته الا في نزعته .
ولا يمكن لأحد ان يزحزحه عن اعتقاده بسمو شخصه ، لا يستطيع أن يغير نظرته ولو برأي يمكن ان يكون اسفافا في حقه ، ولو كان صاحب الرأي مصيبا ، عندما يلوح بمرآة تظهر نواقصه.
في حين نرى أن الادباء أصدق من غيرهم لأنهم أكثر افتضاحا لأنفسهم ، فهم الذين يحسنون تصوير مرآة حياتهم عبر ما يكتبون، لانها بمثابة شريط تتوحد فيها كل السلبيات والإيجابيات لديهم ولا تلتزم باي قيد او شرط، بل تسهب في كشف المخفي برمزية وإشارة او بصراحة صادقة ، و تفشي عن كل المتناقضات التي تعتمل في دواخل الانسان.
ومن هنا تتجسد أهمية الادب الذي يعتبر مرآة واضحة لمجتمعه.