لقد اهتم النقد المعاصر بالحداثة الشعرية، لما تميزت به من تفرد، وتحديث وفنية...وردها إلى عملية التثاقف والعوامل الاجتماعية، والنفسية والذوقية، والجمالية الصرفة.
وقد كان لعملية التثاقف مع الغرب الأوربي الدور الكبير في نشأة الحداثة وظهورها...وقد كان لإليوت الدور الكبير في هذا الباب...
يقول سعد رزوق:"إن المثال الإليوتي كان منهجا احتذى حذوه الكثيرون من شعرائنا، وتأثروا به وساروا في خطواته" ...وهناك من يرد الأمر إلى:"أن كل مذهب سياسي وفلسفي وأدبي يظهر في أوربا ينعكس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على الواقع(الواقع العربي المعاصر)، حتى نرى تأثيره في الكتابة شعرا ونثرا، وفي طرق التفكير والسلوك" ..
والحداثة لا تتأتى من بنية المجتمع العربي المعاصر،بقدر ما تتأتى من التأثر الثقافي النخبوي بالغرب الأوربي، سواء أكان ذلك على صعيد التجديد الإيقاعي، أم التصوير الفني، أم التعامل الأسطوري، أم الموضوعات الشعرية ...
ويرى آخرون أن التفسير الاجتماعي مرتبط بظاهرة الحداثة الشعرية، من خلال الأطروحات الإيديولوجية لطبقة البورجوازية العربية الصغيرة التي يتضمنها:"بحيث تبدو الحداثة انعكاسا لمجمل التغيرات الاقتصادية التي أصابت بنية المجتمع العربي المعاصر مع بروز تلك الطبقة" ... وبالتالي اتصفت الحداثة بصفات هذه البورجوازية العربية الصغيرة، وانطبعت بطابعها وخصائصها الإيديولوجية والنفسية.. واشتملت على ما هو ثوري او عدمي.. ومن ثمة ارتبطت بها مجموعة من المظاهر : الحزن- القلق- الضياع- العدمية- الاغتراب- الثورية- التوتر الانفعالي...
إن الشاعر الحداثي يعتبر بورجوازيا صغيرا.. وهذا ما دفع بالأستاذ وفيق خنسة إلى القول في شعراء الحداثة:"إنهم يتمحورون حول مشجب البورجوازية الصغيرة، ثم يتوزعون على درجاتها ومستوياتها، وألوانها.. كما توزعوا عمليا على أحزابها وفئاتها وتنظيماتها" ...
أما بالنسبة للتفسير النفسي/ الذوقي، فإنه يربط بين الحداثة الشعرية والتغيرات التي أصابت كلا من الطبيعة النفسية والذوقية العربية، تحت تأثير التغيرات ، والجديد الذي جاء به القرن العشرون.. وهذا ما دفع بالدكتور محمد النويهي إلى اعتبار الشكل الهندسي المبني على نظام الانشطار والتناظر، والذي وسم القصيدة العمودية العربية، لم يعد يتلاءم مع الذوق العام المعاصر.. ولا مع نفسيته..:"إن نوع الإيقاع الذي تعرفه القصيدة العربية التقليدية لم يعد صالحا لحاجاتنا الفنية والنفسية، والذوقية..وإن درجة الانتظام التي يتطلبها شكل القصيدة التقليدية زائدة الإسراف في السيمترية والرتوب" ...وهذا ما جعل النفس والذوق العربيين ينفران مما يتنافى معهما على صعيد الشكل الشعري الموروث، أي أن القصيدة العمودية التقليدية لم تعد قادرة على النهوض بحاجات المجتمع الشعرية المعاصرة..وأصبح الشعر الحداثي هو الممثل والمعبر عن الفن والذوق المعاصرين.
فأين نضع الشاعر محمد اللغافي؟....
اللغافي شاعر حداثي.. ارتبط بالشعر الحديث، وأصبح من شعراء النثيرة.. وذلك لأسباب، منها:
- النزوع إلى الواقع.
- الحنين إلى الاستقلال.
- النفور من النموذج.
الهرب من التناظر.
- إيثار المضمون ...
فشعوره بضيق البيت الشعري، وانحباس المعنى ، والرؤية الشعرية في تناظرية رتيبة، جعله يهب إلى اعتماد النموذج الحداثي المعاصر.. والسير وراء شعراء كبار ، متأثرا بهم ، أمثال السياب، ونازك الملائكة، وبلند الحيدري، وعبد الوهاب البياتي،وصلاح عبد الصبور،واحمد المجاطي، وعبد الله راجع، ومحمد بنيس، وغيرهم...
كما أنه كان يتمثل قول نازك الملائكة:"الشعر الحر يصلح للتعبير عن الحياة الواقعية، لأنه يخلو من رصانة الأوزان القديمة" ...
كما اعتبر الشعر استخداما أدبيا جوهريا للغة، فهو كلام منظم في بنيته الصوتية الكلية.. والإيقاع هو عامله الأساسي الأكثر أهمية ...
وآمن بأن الشعر الحديث:" رؤيا ، والرؤيا بطبيعتها قفزة خارج المفهومات السائدة... هي إذن، تغيير في نظام الأشياء، وفي نظام النظر إليها" ...
ومن هنا كانت قصائد محمد اللغافي مرتبطة بالإنسان ووضعه من خلال كونها الشعري.. خاصة وأنه يتمثل قول أدونيس:"إن تحديد شعر جديد خاص بنا نحن، في هذا العصر لا يُبحث عنه جوهريا، في فوضى الشكل ولا في التخلي المتزايد عن شروط البيت.. بل في وظيفة الممارسة الشعرية التي هي طاقة ارتياد وكشف" ...
رؤيته اللغوية
مهمة الأديب الناجح أن يعمل على تحطيم الارتباطات العامة للألفاظ... تلك الارتباطات التي يخلقها المجتمع. وان يخرج عن السياق المألوف إلى سياق لغوي مليء بالإيحاءات الجديدة. وبالتالي تأتي لغة الشاعرية مختلفة عن اللغة اليومية العادية..لأنه لا يحدث لغة ، وإنما يخلق صورا ورؤى تمتاز بالجمالية ، والفنية والشعرية .
ولذلك محمد اللغافي يرى أن لغة الشعر يجب أن:"تعلو على ذاتها ، أن تزخر بأكثر مما تعد به، وتشير إلى أكثر مما تقول" ...وأن تصبح لغة الخلق لا التعبير.
وكان يتمثل دائما قولة أدونيس:"لقد انتهى عهد الكلمة الغاية، وانتهى معه عهد تكون فيه القصيدة كمياء لفظية...أصبحت القصيدة كمياء شعورية، وأقصد بالشعورية هنا حالة كيانية يتوقد فيها الانفعال والفكر. القصيدة إذن ، تركيب جديد يتعرض فيه من زاوية القصيدة، وبوساطة اللغة، وضع الإنسان.. وهذا يعني أن لغة الشعر ليست لغة تعبير بقدر ما هي لغة خلق" ...
وعندما نتمعن في شعره نجد فيه تحولا كبيرا في الشكل والمضمون.. وتحول في الرؤية الشعرية أيضا:"إن كل تغير في الأشكال الأدبية يسبقه ويشرطه تغير في الأفكار والتصورات، أي تغير في المضمون يحدد صورة الشكل ، ويسهم في استقلابها من كيف إلى آخر" ..
وهو يعرف أن اللغة دال ومدلول.. وصور لذوات الأشياء.. وبالتالي فالكلمة إشارة .. وهي :"صورة صوتية وتصور ذهني: دال ومدلول. وكل كلمة تنطق تحمل هذين القطبين معها: قطب الصوت ، وقطب الدلالة" ..
والشاعر المبدع يحرر الكلمة من صورها ،ويرسلها إلى المتلقي ليتفاعل معها، ويجادل معها في حوار تأثير تفاعلي للوصول إلى جمالية يفسحها هذا التلقي الفعال...
النص الموازي في شعره
كل نص هو في أصله رسالة لغوية موجهة إلى متلق...ولا يكون نصا أدبيا إلا إذا كان يتضمن مقصدية أدبية، تدفع به إلى شروط ثقافية معينة، نحو الاسترداد الأدبي المحفز... شرط التلقي الجمالي. وتخضع للذة القراءة ومتعتها.
ولذا كان جيرار جينيت يقول دائما:"اعتبر أدبا ، كل نص يحدث بداخلي إشباعا إستطيقيا" ...كما أنه لا يوجد نص أملس... بل هناك متعاليات نصية تحدد بنيته وكيانته، وعلاقته... ويرى جيرار جينيت، أن هذه المتعاليات النصية، هي الموضوع الجديد للشعرية..لذا نجده يقول:"في الواقع لا يهمني النص حاليا إلا من حيث تعاليه النصي، أي أن أعرف كل ما يجعله في علاقة خفية أم جلية مع غيره من النصوص" ...
ومن ثمة ، النص حسب هذا المنظور الجينيتي(نسبة إلى جيرار جينيت):"لا يعبر طريقه نحو البناء و الدلالية إلا عبر اجتياز مجموعة من التعبيرات والنبرات، والعتبات النصية التي تصاحبه، أو تحيط به في صيغة شبكة معقدة لم يعد معها مجال لتصور نص أملس" .. وهذا ما دفع بجيرار جينيت إلى تغيير مصطلح (جامع النص)، ب: المتعاليات النصية أو عبر النصية la transtextualité... وميز فيها خمسة أنواع، هي:
1- التداخل النصي:
2- النص الموازي:
3- النص الواصف:
4- النص المتفرع:
5- النص الجامع:
ما يهمنا في دراسة شعر الشاعر محمد اللغافي هو ما يخص عتبات النص، والمرتبط بالنص الموازي في شعره، وهي الباحة- على حد تعبير بورخيس- التي تسمح لنا بالدخول إلى شعره أو الخروج...
يقول جيرار جينيت في كتابه عتبات، عن عتبات النص:"إنها جملة عناصر تحيط ( بالنص)، وتمدده، تحديدا من اجل تقديمه بالمعنى المألوف لهذه الكلمة. وأيضا بمعناها القوي(أي) جعل النص حاضرا، وذلك لتأمين حضوره في العالم وتأمين تلقيه، واستهلاكه في هيئة كتاب" ...
وأول ما نعرض له لاكتشاف النص الموازي عنده، من خلال مجموعته الشعرية( حوافر في الرأس)، هي:
1- علامات الناشر: نكتشف في هذا العنوان مصاحبات نصية، هي من إنتاج الناشر.. وهي تحت مسؤوليته:"وهي مصاحبات ذات طبيعة فضائية ومادية تتعلق بالفضاء الداخلي الأكثر خارجية للنص" ...
ويحتوي هذا الفضاء: الغلاف، وصفحة العنوان، وملحقاتها، والتحقق المادي للكتاب نفسه.
- ولا توجد علامة الناشر في المجموعة الشعرية( حوافر في الرأس)، ، والتي هي من مصاحبات الناشر péritexte editorial...
وفي الصفحة الثالثة الموالية نجد إشارة من الناشر إلى دار النشر...وإشارة إلى الطبعة وسنتها،واسم المجموعة ومؤلفها،ورقم الإيداع القانوني.
2- حروف الطباعة واختيارها، إذ نجد أن المجموعة اعتمدت خط النسخ،وهون من حجم 13 ملم، أو أسود شديد..
3- الورق ونوعيته: اعتمد الناشر في الطباعة على ورق أبيض غير صقيل،متوسط الجودة.. من نوع A4،زاد من وضوح الحروف والكتابة...
4- تفضية العمل: ونقصد به التوزيع الفضائي للنصوص الشعرية. وهذا تقاطعت فيه جهود الشاعر، والناشر.. حيث توزعت القصائد على صفحات المجموعة مشكلة بذلك هندسية تداخل فيها البياض والسواد في جدلية متميزة، انبنت على مبدأي الامتداد والتقلص، أو المد والجزر...
5- الحجم: المجموعة الشعرية ككتاب، من حجم (21X14)... عدد صفحاتها 61 صفحة.
6- اسم المؤلف: إن اسم المؤلف تحدد انتسابية النصوص الشعرية المجمعة في هذا المتن الشعري إلى محمد اللغافي..فنجد في أسفل الغلاف يسارا اسم الشاعر الشخصي، والعائلي بخط عريض من نوع simple outline pat ، مقاس 20 ملم...وكتب باللون الأبيض.
ونجد أن هذا الاسم صريح، مما جعل حالته التصريحية l’onymat،قوية... خارجة عن كل قناعية.. وثبات الاسم الشخصي والعائلي للشاعر، أخرج المجموعة الشعرية من غُفلتها، ولغزيتها.
7- عتبة العنوان: العنوان علامة أساسية للمصاحب النصي.. وقد اعتبره النقد خارجا نصيا..إذ اعتبره ليو هوك، أنه:"مجموعة من الدلائل اللغوية، التي يمكن أن توضع على رأس نص لأجل تعيينه، وتحديد مضمونه العام..وأيضا لأجل جذب الجمهور المستهدف" ..
والعنوان كعنوان ، النصوص الشعرية التي تتضمنها المجموعة تبرره،وله دلالة تعاقدية، تعريفية، إيحائية، وجمالية في نفس الوقت. فهو يحدد هوية النصوص.. وهو سهل التداول.. وهذا مقصود من الشاعر...
وهذا العنوان، يقوم بمجموعة من الوظائف، والتي يدركها الشاعر ويعيها جيدا... فهي حاضرة في مقصدية الشاعر...إذ الوظيفة التي يقوم بها هذا العنوان هنا ، هي: تحديد هوية العمل، ولو أننا نتحفظ عن الوظيفة الأخرى التي للعنوان ، والتي حددها ليو هوك ، وشارل غريفيل، وهي تعيين المضمون...
كما أنه إغراء للمتلقي/ القارئ.. ويمارس عليه نوعا من السحر والتأثير، والجذب، والإغراء.. وبالتالي يستدعيه لمعانقة نصوص الشاعر عبد الناصر لقاح، والتي تتضمنها المجموعة الشعرية.
صحيح أن العنوان يحمل رمزية غامضة.. لا تفك أسرارها إلا قراءة للنصوص المتضمنة في المجموعة...
والعنوان الذي عنون به محمد اللغافي مجموعته الشعرية، هو عنوان ذاتي subjectal، يحيل على ذات الفاعل في النصوص الشعرية.. أو يمكن اعتباره عنوانا من العناوين التيماتية thématique- كما يسميه جيرار جينيت في كتابه عتبات Seuils ص: 78- وقد جاء العنوان في أعلى الغلاف مائلا أقصى اليسار بخط عريض من حجم 48 ملم، بلون أبيض...
8- التعيين الأجناسي: في وسط الغلاف، أقصى اليسار، يوجد التعيين الأجناسي الذي يميز الكتاب، ويحدد هويته.. وبالتالي يعطيه السمة الوحيدة، وهي أنه كتاب شعر، وليس شيئا آخر.. وهذا التحديد الأجناسي يزيل اللبس الذي يمكن أن يمس المتلقي... وبالتالي يزيل دهشته، وحيرته، وسؤاله: أي كتاب هذا؟...
9- لوحة الغلاف: غلاف الكتاب ،لا تشغله أي لوحة ...بل وضعت به قصيدة(حقيبة على أهبة السفر)هي باللون الأبيض على الغلاف الأزرق.
وفي ظهر الغلاف، توجد صورة جانبية للشاعر،وأيقونة جمعية الوفاء البيضاوية للأشخاص المعاقين...
10- الإهداء:يعتبر الأستاذ نبيل منصر أن الإهداء هو أحد الأمكنة الطريفة للنص الموازي، التي لا تخلو من أسرار. وهو كنص يعضد حضور النص ويؤسس تداوليته.. وهو رسالة من مرسل الإهداء(المهدي) إلى مرسل إليه ( المهدى إليه)...
وقد أهدى محمد اللغافي المجموعة الشعرية إلى جمعية الوفاء،وحسن الصابر....
كما أنه أهدى قصائد محددة ، وهي:
- قصيدة (قصيدة الانبعاث)، الصفحة:19، وأهداها إلى عازفة القانون: ل-ب-ج..
- قصيدة ( رعشة)،الصفحة:29، وأهداها إلى صديقه عاطف سعيد.
- قصيدة (هو البحر...سرح اليدين لاحتضانك)، الصفحة: 32،وأهداها إلى امرأة قاسمها البحر عشق الحبيب.
- قصيدة(الذي..تسلل من فمه)، الصفحة:40، وأهداها إلى روح أحمد بركات.
- قصيدة(وصلة)، الصفحة:44،وأهداها إلى جندي بسيط لم يسقط بعد.
- قصيدة(على أهبة السفر)، الصفحة: 49، وأهداها إلى : م- ع.
- قصيدة(إلى نصفي المنشطر)، الصفحة: 53، وأهداها إلى ولده ربيع.
- قصيدة(اللغافي)، الصفحة:58، وأهداها إلى صديق التقاه بأبي الجعد.
ومن هنا أصبح الإهداء خطابا متعدد العناصر،والدلالات. فهو إهداء، ورسالة،وإخبار... يستحضر أوجه خطابية متعددة ، هي:
- المرسل، وهو الشاعر محمد اللغافي.
- المهدى إليه (متعدد).
- القارئ/ المتلقي الذي يحضر في هذا الإهداء ولو بطريقة ضمنية، كفعل عمومي acte puplic... فالقارئ – كما يقول جينيت- لا يكون فقط شاهدا، بل معنيا أيضا ...ومن ثمة يتدفق هذا الإهداء بفيوضاته...إذ تكون المجموعة لهذا المهدى إليه المتعدد، وتكون للقارئ القراءة، ومتعتها ، وسحرها...
11- التصدير: الاستشهاد نص يستشهد به بين مزدوجتين، وهي مقول سلفا.. وهو مصاحب نصي...
ويعرفه الأستاذ نبيل منصر،بأنه:"فقرة لكاتب مشهور يستشهد به مؤلف ما لتوضيح قوله وتعزيزه" ...
والاستشهاد لا يخلو من هدفية، وقصدية..إذ يجمع بين رغبة في القراءة، والكتابة..إنه:" يدير محرك آلة القراءة التي ينبغي أن تجهز العمل منذ أن يمثل للحضور، في استشهاد ما، نصان لا تكون العلاقة بينهما تماثلا، ولا حشوا" ... أي أن النص الاستشهادي:"يحاول من جديد ان ينتج داخل الكتابة شغف القراءة ، كما يحاول إيجاد اللحظي المشع للالتماس.. ذلك لأن القراءة الملتمسة والمثيرة، هي وحدها التي تنتج الاستشهاد" ...
ومن ثمة، نجد أن الغاية من الاستشهاد، هي:
- إنتاج شغف القراءة.
- إنتاج بهجتها.
- الرغبة في الكتابة ، وإتقان الخطاب.
- توسيع الأفق الثقافي للقارئ.
- إعطاء تقدير للمؤلف.
- منح المؤلف القدرة على القول والكتابة.
ونجد في مجموعة الشعرية(حوافر في الرأس)، نوعا من التصدير، وهو التصدير الاستهلالي épigraphe liminaire،وقد تصدرت به بعض قصيدة واحدة هي
أصابع ضائعة)...
وعندما نتمعن في هذا التصدير الموظف في المجموعة الشعرية، نجده يتضمن مؤلف التصديرl’épigraphé ، وهو عصام الغازي،ومرسل التصدير l’épigrapheur، وهو الشاعر اللغافي، إلى مرسل إليه، وهو قارئ التصدير أو المصدر إليهl’épigraphaire...
وهو تصدير ذاتي، يروم الشاعر منه:
- التعليق على عنوان القصيدة.
- تدعيم النص.
- تصعيد حساسية القارئ/ المتلقي.. ولو أن هذا يتعلق بمرتبة القارئ.. ودرجة احترافيته..
- الكفالة النصية. وفي هذا يؤكد الأستاذ منصر نبيل، بأن:"كل تصدير يحتل حيزا في فضاء النص إجازة نصية تسمح لمرسل التصدير بالنهوض بمهمة إنتاج النصوص. من هنا غالبا ما لا ترتبط أهمية تصدير ما بما يقوله بل بهوية مؤلفه, وأثر الكفالة غير المباشرة التي يؤمنها حضوره في مقدمة النص. وعادة ما تكون هذه الكفالة"أقل تكلفة" من تلك التي تكون : للتمهيد"أو" للإهداء"، إذ بإمكان المؤلف، مرسل التصدير الحصول عليها حتى من دون التماس الإذن. إن الأهمية في عدد كبير من التصديرات، تعود ببساطة : لاسم المؤلف المستشهد به. هذا الاسم الذي يهيئ للمؤلف الجديد عموما ، شرف وعذوبة نسب ثقافي كبير، عبره يختار المؤلف ( مرسل التصدير)أنداده، وبالتالي موقعه داخل فضاء العظماء le panthéon" ...
وعندما نتمعن في هذا التصدير الموظف في المجموعة الشعرية، نجده يتضمن مؤلف التصديرl’épigraphé ، وهو الشاعر المرحوم محمد الطوبي، واحمد شوقي، ومناضل قديم،ومرسل التصدير l’épigrapheur، وهو الشاعر لقاح، إلى نرسل إليه، وهو قارئ التصدير أو المصدر إليهl’épigraphaire...
وعندما نتصفح المجموعة الشعرية (حوافر في الرأس)، نجد تصديرين اثنين...الأول لعصام الغازي، وهو عبارة عن قولة من سطرين:
هل تعرف
معنى أن يعشق ملك امرأته في زمن الحرب الملعونة
وقد صدر بها قصيدته ( أصابع ضائعة)ص:5...
والثاني للشاعر أحمد بركات، يتكون من خمسة أسطر هي:
خذي هذه اللحظة متجهة صوب ثقب في سماء
خذي هذه اللحظة...إنها تطير بأجنحة من الضوء
هنا
الضوء
ضوء نهار هارب من الحبس
وهذان التصديران صمتهما يحفز المتلقي لقراءتهما كمكون نصي وظيفي...وهما يقومان بمهمة أساسية، أنهما يشكلان رابطا.. وواسطة ما بين النص وعنوانه. و التصديران استشهادان منزوعان من سياق شعري.
إن الشاعر محمد اللغافي، كمرسل لهذا التصدير، يريد التنصيص على علمين مغربيين. الثاني احمد بركات له بصمته في الشعر المغربي المعاصر، وله لمسته الفنية في قصيدة النثر المغربية.
شعرية العنونة.
1- العنونة:
هل يمكن أن يكون العنوان ثريا النص؟...
هل يمكن لكلمة أو جملة أن تختزل النص الشعري كله؟.وتكون له عنوانا؟...
ما السحر العجيب الذي تمتلكه هذه الكلمات التي تجعل المتلقي ينجذب نحوها، ويفتح لها قلبه وعقله..ونفسه؟...
كيف جاءت عناوين شاعرنا اللقاح؟....
يقول ابن سيدة: العُنوان و العِنوان: سمة الكتاب، وعنونه عنونة، وعنوانا. وسمه بالعنوان... وفي جبهته عنوان من كثرة السجود: أي أثره ...
وسمي بالعنوان، لأنه يعلو النص،وبهذا فهو لم يعد عنصرا تابعا، بل صار عنصرا بنائيا بعد أن أولته المنهجيات الحديثة اهتمامها الكبير يوم حولته من عامل تفسير مهمته وضع المعنى أمام القارئ إلى مشروع للتأويل.
إن العنوان بنية صغرى، وأن:"أحدا لن يستطيع الإفلات من إيحاءاته التي يولد ها، وعليه فإن العنوان لن يفهم منقطعا عن نصه، ولا تدرك إشاراته إلا عبر العلاقة بينهما" ..
وقد أولى علم العلامات(السميولوجيا) أهمية كبرى للعنوان، إذ اعتبرته أساسيا في مقاربة النص الأدبي، وبوابة لدخول أغوار النص.. واستنطاقه.. واعتبره روبرت شولز :"خالق النص الأدبي، ومانحه الهوية" ...
"إنه رسالة لغوية تعرف بتلك الهوية وتحدد مضمونها، وتجذب القارئ إليها، وتغريه بقراءتها" ...
إنه نص صغير يهدف إلى تحقق وظائف شكلية وجمالية، ودلالية تعد مدخلا للنص. إذن فهو علامة لغوية ذات دور علامي مهم بالنسبة للنص الذي يتصدره ...
ولتسليط الضوء على شعر الشاعر المغربي محمد اللغافي،
1- قصيدته الجديدة(وحيدا للغيم) المنشورة في منتدى جامعة المبدعين المغاربة.
2- مجموعته الشعرية( حوافر في الرأس)... وتتضمن القصائد التالية
أصابع ضائعة- إلى فتاة على اهبة الشبق نائمة- إلى عازفة القانون- أنين القلق- بطاقة عشق لك بلادي- رعشة- هو البحر سرح اليدين لاحتضانك- احتلالات- الذي تسلل من فمه- وصلة- اوريكة تسقط في غيمة- على أهبة سفر- صحو- رقود- إلى نصفي المنشطر- اللغافي )...أي أنها تحتوي على16 قصيدة...تشغل حيز 61 صفحة..
ونتجاوز عتبة العنوان الرئيسي المتصدر لصفحة الغلاف، والذي يحمل كثيرا من الدلالات، والوظائف...- ذكرناها سابقا- فنجد العناوين الفرعية،والتي جعلها الشاعر اللغافي عناوين نصوصه الشعرية.. قد جاءت متصدرة للقصائد...أو مفتاحا لها..
وقد جاءت هذه العناوين المركزية بشكل طباعي بارز، وبخط عريض simple outline pat ، المختلف تماما عن الخط الذي كتبت به القصائد... ومن ثمة فهي تمارس إغراءها وإغواءها للمتلقي..
وعندما نلاحظ هذه العناوين، نجدها كلها تأتلف في صيغ اسمية معظمها (21 عنوانا) مركب بشكل ثنائي أو أكثر... كما توجد عناوين وردت بصيغ اسمية مركبة...و:"نستنتج من هذا كله ان الشاعر يحاول بهذه الصيغ والتراكيب الاسمية النفاذ إلى المكونات الثابتة في بنية اللغة قصد إعطائها أبعادا بلاغية تخرجها من دلالاتها المباشرة إلى دلالات رمزية، وجمالية" ...
2- الحواشي: إن الشاعر عبد الناصر لقاح قد أرفق نصوصه الشعرية بإشارات مكانية وزمانية، من خلالها يبين مكان وزمان النص الإبداعي.. والجدول التالي يبين ذلك:
الجدول رقم:1 جدول المكان والزمان
القصيدة المكان الزمان
أصابع ضائعة 1 غشت 1997
إلى فتاة على أهبة الشبق نائمة 4/4/1997
إلى عازفة القانون البيضاء 1993
أنين القلق البيضاء 4 ابريل 1997
بطاقة عشق لك بلادي 30/3/1997
رعشة البيضاء صيف من سنة قديمة
هو البحر سرح اليدين لاحتضانك
احتلالات البيضاء 14 يناير 1997
الذي تسلل من فمه 10/9/1994
وصلة 1/12/1996
اوريكة تسقط في غيمة تاريخ سقوط أوريكة في الغيمة
على أهبة السفر 23 يويوز 1997
صحو
رقود
إلى نصفي المنشطر البيضاء 1992
اللغافي 1/1/1997
هكذا نرى أن المكان يؤشر على التعدد.. والتنوع... كما أن الزمان يعكس المسار الفني، والشعري للتجربة الشعرية عند محمد اللغافي...
كما وردت في قصائده بعض أسماء الأعلام، وأسماء الأماكن، وأسماء بعض النباتات...وذلك على الشكل التالي:
1- أسماء الأعلام
شهرزاد- البودا- زرياب- الموصلي- ربيع- صعاليك الشعراء- أحمد بركات- أحمد- عبد الله- بتهوفن- ليلى- لوركا- أصحاب الأخدود).
2- أسماء الأماكن
المدينة- المحطة- اوريكة- شوارع- قبو- الدروب- وطن).
3- أسماء النباتات: ( الورد- أكليبتوس- الصبار- التين- سوسنة- النخل- داليات).
علامات الترقيم:
كما نعلم، لعلامات الترقيم بعدها الصوتي والتركيبي والدلالي والتداولي...تحدد المعنى، وبنية الجملة، وحدودها..
فعلامات الترقيم:"تشير كما نعلم إلى الحدود بين أطراف جملة مركبة، أو بين جمل مؤلفة لنص ما. وتدل أيضا على علاقات العطف أو الجر بين الجمل المختلفة. هذا من الناحية البنائية التركيبية. أما من الناحية الصوتية فإن علامات الترقيم تمثل تقليدا اصطلاحيا للتدليل على الخط البياني للصوت" ...
ومن خلال تصفح قصائد الشاعر محمد اللغافي، نتبين أن بعضها جاء محملا بعلامات الترقيم، وأخرى مجردة وخالية منها.. وهذا مقصود من الشاعر.
فالقصائد المجردة من علامات الترقيم تذكرنا بامتناع أرسطو عن ترقيم نصوص (هيراقليطس)، حتى لا يعطيها معنى مضادا.. وهذا ما رامه اللغافي...
وعلامات الترقيم التي نجدها في قصائده ، هي:
1- (..) نقطتا الانتهاء. وتكررت 131 مرة.
2- (
النقطتان: تكررت ثلاث مرات.
3- (...) ثلاث نقط للاكتفاء. وتكررت مرتين.
4- (؟) علامة الاستفهام. وتكررت 19 مرة.
5- (.) النقطة. وتكررت ستة عشرة مرة.
7- (<< >>)، القوسان. وتكررت أحد عشر مرة.
8- (-) العارضة. وتكررت أربع مرات.
9- (!) علامة التعجب، وتكررت أربع مرات.
هكذا نرى أنه في شعر اللغافي تحضر علامات وتغيب أخرى...كما تحضر في قصائد وتغيب بالمرة في أخرى... وربما غيابها راجع إلى الانسيابية والاسترسال اللذان يتغياهما الشاعر في قصائده..فلم يفصل بين جملها الشعرية بأية علامة،كي لا يضيع المعنى، وتتهشم الصورة. كما في قصيدته (على أهبة سفر) (ص:49)، والتي يقول فيها:
الحب
هو كل ما في هذه الحقيبة
وهذا المطر
الهاطل في جفنيك
قد يكون
كافيا
لتنبت وردة
في جنابات القلب
عزيزتي
الحب لغة ضد الحرب
سأكون حريصا
في المحطة
حريصا
الحقيبة
لن تتغير أبدا
لكني
أخاف
أن
يتغير ماء عينيك
جدلية البياض والسواد:
اهتم الشاعر محمد اللغافي بفضاء القصيدة.. ويظهر هذا جليا عندما نعمد إلى قراءة النص، والتعامل معه بصريا.. وبالتالي نتبين جدلية الانفتاح والانغلاق..والتي ينتج عنها امتداد البياض أو تقلصه.. ومن ثمة يتجاذب البياض والسواد في هرمونية وإيقاعية.. مانحان فضاء القصيدة شكلا متحركا.. كما في قصيدته(وحيدا للغيم)، والتي يقول فيها:
أنت
تحاولين استفزازي
لكن قلبي أكبر من البحر
وأكبر
من الحب أيضا
كيف تنسجين
وتتركينني للغيم وحيدا
أضاجع باسمك
طيف الليل
واقطف
منك
قبلة
خارج التغطية
أعرف أنك تمارسينني
وعيناك على صورة
متبقية من حلم
تشظى
ذات شرخ تسلل من
بين المرايا
إلى صوت
السبايا والصبايا
المهزومين
اكيد
أيتها المعزوفة
التي
يمسي عليها
النهار
فاتنة
تنتعل الرمل
يتصفحها الريح
فتتخطفني نواميس الهيام
أستقلني
على ضحكة يسامرها
العبث
يصحو
أفق متبرعم
في خديك
وتأسرني فيك
قواميس الكلام
ويمتد السواد لتتقلص مساحة البياض، فيتحقق بذلك التجاذب، وجدية الامتداد والتقلص، كما في قصيدة(قصيدة الانبعاث)، ص:19 والتي يقول في أحد مقاطعها:
حواء..إني نسيت الأسماء كلها
وقد نسيتني الأسماء.. في هذا المساء الكبير.. وأنت تبزغين من جانبي إيحاءا...تحملين جسدي قانونا. لتمضي فيه كل العيون.
كنت دربا.. وشارعا واسعا...
كانت ضلوعي تعد ارتجافها.. والغرفة لم تسعني كي أنتهي في خصلتيك
فماذا لو أني أعشقني ثانيا؟..
صحيح أن لغة الشعر تختلف عن لغة الخطاب اليومي، لما تمتاز به من خرق للغة ، وانزياحات وجمالية.. وإيقاع..
وعندما ننظر إلى قصيدة الشاعر محمد اللغافي (وحيدا للغيم)، نجد أن مقطعها الأول:
أنت
تحاولين استفزازي
لكن قلبي أكبر من البحر
وأكبر
من الحب أيضا
كيف تنسجين
وتتركينني للغيم وحيدا
أضاجع باسمك
طيف الليل
واقطف
منك
قبلة
خارج التغطية
نجد الأصوات الأساسية الغالبة فيه هي على الشكل التالي:
- حرف النون: تكرر في المقطع 11 مرة.
- حرف التاء: تكرر ثمان مرات.
- حرف الحاء: تكرر خمس مرات.
- حرف السين: تكرر ثلاث مرات.
- حرف الراء: تكرر خمس مرات.
وبالتالي ، فإن الأصوات الغالبة في هذا المقطع الشعري، هي: النون والتاء، والحاء والراء. وعند ملاحظة سماتها الأكوستيكية خارج الخطاب الشعري، نجدها مرتبة على الشكل التالي:
- حرف التاء: مهموس انفجاري: << وصوته المتماسك المرن يوحي بملمس بين الطراوة والليونة. كان الأنامل تجس وسادة من قطن، أو كان القدم الحافية تطأ أرضا من الرمل الجاف(...) وهكذا صنفت حرف( التاء) في زمرة الحروف اللمسية، لأن صوته يوحي فعلا بإحساس لمسي مزيج من الطراوة والليونة>> .
- حرف الراء: مجهور متوسط الشدة والرخاوة: << ضوت حرف الراء من أصوات الحروف، هو أشبه ما يكون بالمفاصل من الجسد. وانطلاقا من خاصية التمفصل هذه في صوت ( الراء) وفي مفاصل الجسد، قد دخل العربي هذا حرف في معظم الأعضاء التي تتصل بغيرها بمفاصل غضروفية(...)، وفي الحقيقة إن حاجة اللغة العربية إلى حرف الراء لا تقل عن حاجة الجسد للمفاصل. فلولا صوت الراء لفقدت لغتنا الكثير من مرونتها وحيويتها، وقدرتها الحركية. ولفقدت بالتالي الكثير من رشاقتها، ومن مقومات ذوقها الأدبي الرفيع>> .
- السين= أسلي (صفيري)+ مهموس+ رخو.
فنلاحظ أن القصيدة في إنشادها الشعري، استدعت وبقوة الهمس والرخاوة، والتدرج من الهمس إلى الشدة والجهر... وهذا يمس حتى صوت الراء التي يجاري صوتها صوت الميم والسين في الهمس.. إذ ينتقل جهرها إلى رخاوة، ليمس هذا صوت اللام أيضا،فيغيره من جهره، وتوسط شدته إلى همس ورخو...
وهكذا نجد تطابقا صوتيا ما بين حرف الميم، والسين والراء، والعين... الشيء الذي يوفر لذا القصيدة نوعا من الحفيف الجميل، ونوعا من الهمس الدافئ...
وهذه التغيرات الأكوستيكية، التي طرأت على الحروف وأصواتها، فرضها اختيار الشاعر، وقوة الموضوع...
هذا يدفعنا إلى القول بأن الشاعر يختار معجمه الشعري بعناية.. ويوظف لكل موضوع كلماته، وألفاظه..مراعيا التناسق الصوتي، وتناغم الحروف، وتآلفها...
وبالتالي يحفزنا هذا إلى الوقوف على التراكم الكمي الذي خضعت له الأصوات السابقة، التي ارتكزت عليها القصيدة خاصة في مطلعها.
وعندما نقف إلى الجانب الإحصائي في القصيدة، نجد النتيجة التالية:
- الشين= تكررت مرتين.
- الهاء= تكررت7 مرات.
- الحاء= تكررت 10مرات.
- الجيم= تكررت مرتين.
- السين= تكررت 13 مرة.
- الميم= تكررت 22مرة.
- النون= تكررت 26 مرة.
- اللام= تكررت 17 مرة.
- الهمزة= تكررت 14 مرة.
- العين= تكررت 9 مرات.
- الكاف= تكررت 12مرة.
- الراء= تكررت 16مرة.
- الفاء= تكررت 12مرة.
- التاء= تكررت 25مرة
- الباء= تكررت 15 مرة.
- الثاء= تكررت مرة واحدة.
- الذال= تكرر مرة واحدة.
- الدال= تكرر 4 مرات.
- الزاي= تكرر 3 مرات.
- الطاء= تكرر 4 مرات.
- الصاد= تكرر 5 مرات.
- الضاد= تكرر 3 مرات.
- الظاء= تكرر مرتين.
- القاف= تكرر 7 مرات.
الخاء= تكرر 4 مرات.
الغين= تكرر مرتين.
ومن خلال هذا الجدول الإحصائي، يظهر أن حرف النون هو المحور الصوتي الذي ارتكزت عليه القصيدة.. وبالتالي جميع التغيرات الصوتية قد ارتكزت عليه.إذ إن الخصائص الصوتية الإنشادية في القصيدة، تنتقل أو تتدرج ما بين الرخاوة والشدة، والهمس والجهر.. خاصة عندما نعلم أن حرف النون له صفات لسانية تكمن في أنه صوت:
أنفي+ لثوي+ غير مفخم+ مجهور
وعندما تقترن به الميم(من)، أو بعض الأصوات الأخرى ، والتاء، والكاف(منك- تنتعل) ..أو تقترن بالميم عن طريق التنوين( حلم= حلمنْ- متبرعم= متبرعمنْ)، فإن هذا يضاعف من صفة الهمس والرخاوة...حتى يكون عندنا تناسبا صوتيا..
كما يضاعف من صفة النون الخيشومية أو الأنفية.. وتشتد هذه الصفة حتى تكاد تتحول النون إلى مجرد حرف خيشومي يتردد داخل الخيشوم....وبالتالي تضيع منه صفاته الصوتية الأخرى..في الإنشاد الشعري الصحيح.
والتضعيف الأنفي أو الخيشومي الذي يطال حرف النون، وضياع لثويته، فإنه يفقد جراء ذلك خاصيته الثالثة، وهي عدم التفخيم، ليصبح مفخما في مجمل القصيدة..خاصة وأنه اعتمده كقافية، أي انه تغلق به الأسطر الشعرية..أو ينتهي به الإنشاد الشعري...
ويزيد التشديد من جهره وشدته، كما في(لكن- أنك- النهار).. "إن هذه الصفات الإنشادية تتحكم في السياقات الصوتية إلى الحد الذي يجعل منها السمة البارزة ،و الناتئة داخل هذه السياقات، وكأن الحروف التي قد تجعل النون لينة أو مهموسة حروف لا سمة صوتية لها، إلا بما يخدم الجهر والتفخيم ومضاعفة الصفة الأنفية" ...
كما أن في (أنْت- تنسحبين- منك- تنتعل)..فعند الإنشاد نقف عند النون الساكنة لنرجعها داخل الخيشوم...ويصيبها نوع من التبئير... وبالتالي هذا يلزمنا الإمالة بها إلى التضعيف لتصير هكذا(أنّْت- تنّسجين_ منّك- تنّتعل.....)(الشدة فوقها سكون)...
وهذه الصفات الإنشادية مارست عملية الإزاحة..أي إزاحة الصفات الأكوستيكية لبعض الحروف، خاصة حرف النون...
وعندما نلاحظ التضعيف الذي مس النون في (أنك- النهار- لكن قلبي)، نجد أنه قد مارس عملية التمويه والقلب..إذ نكاد نحس بغياب نطق الحروف الأخيرة فيها
أنكْ- النهارْ- لكن قْلبي)..ولو أن هذا لا يصح عروضيا:"من أجل مواءمة التوقف الموسوم بالخصائص الأنفية المضاعفة للنون" ...
ويؤكد الأستاذ إدريس بلمليح في كتابه ( نماذج من الذات المنتجة للخطاب العربي الحديث)، أن البؤرة الإنشادية تتحكم في عنصري المدة والنبرة.. واللذات هما عنصران شعريان بالأساس، لارتباطهما بالإيقاع..أي:"أن انعكاس نظام الوزن في نظام اللغة ، يغير البنية الصوتية للغة الطبيعية، فيتولد عن هذا التغيير بنية صوتية جديدة من الممكن(تسميتها) بنية صوتية للخطاب الشعري" ...
وعناصر المدة والنبر تنقسم إلى:
- مدة طويلة ، ومدة قصيرة.
- نبر قوي ونبر ضعيف.
هذا يمكن الوقوف عليه، من خلال تكرارات النون، والتي جاءت في القصيدة 26 مرة..وقد وردت فيها النون مقترنة إلى :
1- الفتحة
منَ- تحاولين- تنسحبين- تتركينني- تمارسينني- عيناك- بين- المهزومين- فاتنة- نواميس).
2- السكون مع عدم التضعيف
أنْت- تنسحبين- منك- تنتعل).
3- السكون بسبب التضعيف
أَّنك- لكن).
4- الضمة الموصولة بواو
ترنُو- جنُون).
5- الكسرة الموصولة بياء
تتركينني- تمارسينني- تتخطفني- تأسرني).
هكذا نرى أن 1 و 2 و 3 و4 تشكل نبرا ضعيفا، ومدة قصيرة. وفي 5 يتشكل نبر قوي، ومدة طويلة.
لكن هذا الإيقاع الذي يكونه النبر والمدة ، يجد أمامه التغيرات التي مست النون باعتبارها مركز القصيدة، وصوتها الأساسي... وبؤرتها المسيطرة.. وبالتالي تحول النبر من الضعف إلى القوة في (أنت.....من....)، أي النون الساكنة.. ومن ثمة تضاعفت صفتها الخيشومية حيث يرجع السكون داخل الأنف ، ليتحول النبر قويا...وبالتالي عندما ينقلب النبر إلى القوة أوطوماتيكيا تنقلب المدة من القصر إلى الطول.. ومن ثمة تصبح (أنك) في الإنشاد (أنْنْك)، و(النهار= النْنْهار)...
ومن الملاحظ أن التراكم الكمي لحرف النون، أي تكرارها 26 مرة، أدى إلى ظهور هذا التردد في 20 كلمة، وهي:
(أنت- تحاولين- لكن- من- تنسحبين- تتركينين- من- منك- أنك- تمارسينني- عيناك- من- بين- المهزومين- النهار- فاتنة- تنتعل- تتخطفني- نواميس- تأسرني)...
وعندما نتمعن في بنية القصيدة ، ومعجمها، نجد أن الذات الشاعرة هي المنتجة للخطاب...أثرت فيها ذات فاعلة يعود على الضمير (أنت)، (تحاولين- استفزازي- تنسحبين- باسمك- منك- أنك- تمارسين- عيناك- خديك- فيك-..)، وبالتالي العلاقة بين الذات الشاعرة، والذات المتلقية (المتلقي)، الفاعلة، هي علاقة مفعول وفاعل.. وعلاقة مخاطِب ومخاطَب... وعلاقة متوسِّل، ومتوسَّل إليه...
فهذا المخاطب الذي يمر كأنه نغم يشبه في مروره مرور اللقاح على الأقحوان، ليقع التفاعل والتلاقح.
إن المخاطَب ، يحاول استفزازه، بالحب، والجمال والسحر...كما أن هذا المخاطب يتركه وحيدا لنوباته ولهواجسه، يحلم بيوم جميل ولقيا ساحرة، ينعم فيها بلذاذ الحب...
ومن خلال القاموس الموظف ، والعلاقة التي بين الذات الشاعرة، والذات الفاعلة، نستشف علاقة من نوع آخر هي علاقة التملك والاندماج والذوبان.. ومن هذا الذوبان والتملك يتم مقام الاخضرار.. ويتكون بالكمال...
ظواهر أسلوبية من خلال شعره
لتجلية بعض الجوانب من شعر الشاعر المغربي محمد اللغافي، لا بد من اعتماد الأسلوبية كمنهاج.. ذلك أن المنهج الأسلوبي أو الأسلوبية تفيد في فهم النص الأدبي، والوقوف على جماليته، وذلك لما تتيحه من عون على التعامل مع لغة النص، ودلالتها...وتحديد العلاقات اللغوية القائمة داخل النص الأدبي...
وجمالية شعره، وفنيته، يتطلب منا النظر إليه من مستويات متعددة...ولذا وقفنا على مجموعة من الأساليب اللغوية في شعره،نحددها كالتالي:
1- النداء: وهو التصويت، ودعوة المنادى للإقبال، والقدوم إليك.. ويكون بأدوات النداء، التي هي
الهمزة- أي- أيا- يا- هيا- آ- آي- وا....).
- النداء في شعره:
النداء ظاهرة أسلوبية مهمة في البناء الشعري... وعندما نلاحظ النداء المستعمل في شعر محمد اللغافي، نجد نمطين من النداء:
- النداء المعتمد على أداة النداء (يا)...
- النداء المستغني عن أي أداة نداء.
وقد وظف( يا) 14 مرة كما في قصيدته(أنين القلق) التي يقول فيها :
آه
يا نفسي المتشظية
في جسور الغواية
والالتهاب الحامض
والاغتراب المورق
بين ثنايا الروح
وعبور الضوء
الدامس في لياليك
كما وظف (أيها) مرة واحدة، في قصيدته(إلى نصفي المنشطر)، والتي يقول فيها:
أيها الناطق من بوابة
يفتحها ألف ملاك
جئت
تحمل اسمي المحذوف
في وطن موصود
ملفوف
حول قبور وجدران
كما اعتمد النداء دون حاجة إلى أداة النداء، وقد تكرر هذا في مجموعته الشعرية مرتين، حما في قصيدته (قصيدة الانبعاث) والتي يقول فيها:
حواء...إني نسيت الأسماء كلها
وقد نسيتني الأسماء...في هذا المساء الكبير.. وأنت تبزغين من جانبي إيحاءا
وفي قصيدته(هو البحر...سرح اليدين لاحتضانك)، والتي يقول فيها:
حبيبي
من أي نافذة أطل
فأبصر عينيك...تنصب في عيني
وقبضتك اليمنى
توصلني إلى حضنك الموسوم
2- أسلوب الاستفهام:الاستفهام هو السؤال والاستفسار لغرض الفهم والتوضيح، باستخدام ألفاظ مخصصة..
وللاستفهام أدوات تستعمل في صياغة السؤال والاستفهام، ومنها
الهمزة-أم-هل- ما- من- أي- كم- كيف- أين- متى- إيان/أيان- )..
- الاستفهام في شعره:
استعمل اللغافي الاستفهام في مخاطبة الآخر.. ومن الأداوات التي استعملها في شعره، نجد
ماذا وتكررت 9 مرات- هل وتكررت 8 مرات - الهمزة وجاءت 6 مرات- من وتكررت 3 مرات- لماذا تكررت 3 مرات- كم تكررت4 مرات)..
هكذا نرى أن (ماذا وهل) شكلتا ظاهرة أسلوبية من أساليب التعبير التي وظفها الشاعر اللغافي،ليثير بها تساؤلاته، وشكوكه، وشكواه، وعتابه، واستنكاره... وليبين كذلك حاله..
كما يعبر بها عن دهشته، واندهاشه، وذهوله مما لحقه... كما في قصيدته (هو البحر..سرح اليدين لاحتضانك) والتي يقول فيها:
هل تعود إلي...
ولو مرة في الحلم؟
نشد على أيدي بعضينا
ونغني نشيد اللقاء
ونمشي سويا
في طرقات الحي
نكسر قضبان هذا البكاء
3- الأمر : الأمر هو طلب فعل ، وهو إلزام...
أ- الأمر في شعره: رغم قلته في شعره، إلا أن له حضورا في ثلاث مواقع ( الصفحة 20- 46- 58)، إذ أدى دورا عن أحاسيس الشاعر ، وحالته النفسية..كما بين لنا علاقة الشاعر مع الآخر..
وعندما نتمعن في الأمر الموظف في شعره، نجده جاء به في صيغتيه: المباشرة، وذلك بتوظيف الفعل الأمر، كما في قصيدته(قصيدة الانبعاث)، والتي يقول فيها:
دعي أنا ملك بين أحضان سيد المساء...
لتتقط حبات دمعي توزعني شظايا في تخوم النجوم
هكذا نرى توظيفه للأمر ولو على قلته، ليبين من خلاله علاقته بالآخر، مشاعره.. وأوصل من خلاله انفعالاته، وأحاسيسه، ورؤيته..