ذات (مساء)
من شهر (غشت) أمام مكتبه في (غرفة للذكريات فقط) ، حيث النافذة( بدون ستائر) ،جلس
عبد الله المتقي كعادته على (الكرسي الأزرق) يتناول فنجانه المفضل( كابتشينو) يتصفح
(مدونة) عبارة عن نصوص سردية تضمنت 72صفحة من القطع المتوسط ، والتي صدرت سنة
2005عن منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة ، فاستهوته (رسالة حب لشيخ مغربي)
الذي عاش مع (دادة ريم) ،هذه الفتاة التي استغفلت جدتها لتلاعب شفتيها بالأحمر وهي
تنظر لكل (مرايا) المنزل الشبيه ب(علبة زرقاء ).. ظن نفسه (شيموس) ذاك الذي ظل
يتأمل عبر( نافذة القطار)في (جسد حواء) ، هذا الجسد الذي يشبه فاكهة( كرز) من حيث
المذاق ، أو( نكهة مطر) ينقط باردا فوق جلود عارية ، دفع به إلى كتابة (قصيدة)
غزلية تحمل عنوانا (انتبه من فضلك) وأنت تتمرن على مسرحية (تفاحة نيوتن) ، هذه
التفاحة التي أبت أن تفارق خياله حيث اعتبرها سبب ولوجه في حداد ظل يلازمه سنين
حيث أصيب ب(جنون) وهو يرى والده (جثة جافة) معطلة الحواس ، الشيء الذي جعله
لايتريث في الإستعانة بجارته (جاكي) المرأة المحبة لرؤية المطر وهو يتساقط على
تقاسيم الشارع تخاطبه في (عجب) يالك من (مطر و ...مطر) ، (عفوا ) أنت مجرد (سحابة عابرة) ،سحبتها من
تأملاتها دقاته المتتابعة مما جعلها ترفض مساعدته ، الشيء الذي جعله في (غضب)
وعدواة بينه وبينها كعدواة (توم وجيري) ، هنا تذكر أباه آدم وهو يرفل في سعادة
تامة مع زوجته حواء ومساس (زغب الشيطان) ووسوسته له (إلى آخره ).....
هذه
الأحداث وهذا الجو البارد جعل الرجل يصاب بسعال حاد تناول على إثره عدد من بيض
مقلي بزيت الزيتون ثم ذهب لزيارة صديقه (منصور) عساه يحضى ب(رقية لفقيه) يسعى من
خلالها إلى طرد هذا النحس والحصول على (حقوق جثة) أبيه التي تعفنت وتسرب منها (خنز)
اكتسح الغرفة قبل أن يضرم فيها أبو حيان النار في (محرقة) ل(محو) أثرها وهو يلاعب
علبة الكبريت بأصابعه ، مشمئزا من (مواء) قطة ذكره بصافرة حالة (طوارئ) لشريحة
مجتمعية (غرقى) في بحر ظلمات لاقرار له ،حين انقلب القارب بهم وهم يشاهدون قتل
حمام السلام بواسطة سرب من الطائرات الحربية ، والتي دفعت بالأم أن تحذر طفلها
الوحيد قائلة له ''(أغلق عينيك) '' فقد (مات الكلب) المسكين حارسنا الأمين تحت
عجلات حافلة الغذر المحملة ب(قوارير زرقاء) مملوءة ب(ماء مالح) غير صالح للشرب ...
فأسرع الخطى إلى( السوليما) بدل الجلوس و التفكير في هذه المصائب ، لمشاهدة فيلم (عرس
الذئب) الذي أدرك أن أحداثه هي( فوطوكوبي) لأحداث (طوق حمامة) حيث الحبيبان يستحيل
العيش بينهما جراء الظروف القاسية ، وبعد ذلك وقف مليا يحدث نفسه ، صفات هؤلاء
شبيهة ب(قطرات عثرت عليها بين أوراقي) والتي تحكي عن شيخ فقد عدسة عينيه جعلته
يثور على واقعه ، أوالرجل ذي ألف وجه همه إرضاء أسياده ، والطفل الغاضب على أخلاق
المتغطرسين ومايعانيه أولئك الضعفاء منهم يجعلهم يقترفون أبشع الأشياء، إنها فعلا
ما تحكيه قصة (الديفان) حيث احتساء الخمرة ومضغ الايام الشاحبة في (مساء العيد)
بعد انكباب الجدة كعادتها خلف (منسج) كي تصنع جلبابا يقي حفيدها قساوة البرد ،
وخشونة الحياة...
كل هذا
وكاتبنا الكبير عبد الله المتقي يتابع صفحات (ضحك القصة) التي هي جزء من هذا الكتاب( الكرسي الأزرق)
موضع مقاربتنا وحديثنا والذي يتضمن مجموعة من القضايا الشائكة في الحياة
اليومية والتي تمكن المؤلف من التقاط
تفصيلاتها من الواقع المرير ومتناقضاته ، حيث سيطرة مشاعر الخوف والإنتظار والترقب
مع تقرير وصفي لحالة الجنس كأحد عناصر الصورة التي لايمكن الإستغناء عنه ...مشتغلا في ذلك على التقابل على مستوى بناء
القصة و الحكي والحميمية والمسكوت عنه من متع ورغبات حيث نرى بأن النصوص اعتمدت
لغة درامية جسدت الجوانب المكبوتة والمقصية في الواقع تمثلت في التعبير عن حركة
الجسد المكبوت ، كما أن خطابها شمل كل
المقومات الأساسية ( اجتماعية ، سياسية ، ثقافية...)،والذي كشف عن هواجس الكاتب
ورؤيته الشمولية المعبرة عن وجود اختلالات لايمكن السكوت عنها ، آملا في تغييرها
ومعالجتها .
وللرجوع
إلى العنوان (الكرسي الازرق) نجد أن الكرسي يمثل السيطرة والقوة والعظمة واللون
الازرق يرمز للبحر والسماء اللذين يمثلان الفضاء الواسع وكأن الكانب يريد أن
ينبهنا أن العنوان يوحي بالثقة والسلطة ويجسد الثبات والإستقراروفضح كل هياكل
الهيمنة وأشكال الظلم والقهر والقمع مع إعادة الإعتبار للآخر المهمش والمقهور و...
ومن هنا
ندرك أن الكاتب عبد الله المتقي الذي يعتبر رائدا من رواد القصة الحداثية التي
تمتاز بالقصر والإختزال والشعرية والإيحاء متأثر بأساتذته الكبار من الكتاب العرب
أمثال الأديب الكبير الحائز على جائزة نوبل نجيب محفوظ و يحيى حقي وإحسان عبد
القدوس ويوسف إدريس ومن الكتاب الأجانب بلزاك وموباسات وفلوبير ... حيث سعى كثيرا
من خلال كتابانه إلى صهر هذه القضايا و تقديمها من خلال بنية قصصية محكمة تترجم
قدرته على الإمساك بفنية القص .
محمد محقق