د. تيسير الناشف
عدد المساهمات : 45 تاريخ التسجيل : 01/02/2008
| موضوع: الرقابة والانطلاق الفكري 5/7/2010, 13:33 | |
| الرقابة والانطلاق الفكري د. تيسير الناشف يعاني اصحاب الرأي من الرقابة الاجتماعية والسياسية الرسمية وغير الرسمية في كل ارجاء العالم، وعلى وجه الخصوص في بلدان العالم النامي. واحيانا تكون ممارسة الرقابة صريحة واحيانا يكون الافصاح عنها ضمنيا. وكلما ازداد صاحب الرأي جرأة في الاعراب عن رأيه ازدادت الرقابة قوة وزاد احتمال ان تكون الرقابة اكثر صراحة واحتمال ان تكون صادرة عن مصادر رسمية. ويمكن ان يكون صاحب الرأي الانسان العادي، المواطن، المتكلم، الكاتب، الشاعر. ويمكن ان يكون كل شيء خاضعا للرقابة. وكلما كانت المواضيع التي يتناولها الرأي اكثر حساسية من الناحية السياسية او الاقتصادية او الثقافية خضعت تلك الآراء لقدر اكبر من الرقابة. وشعور صاحب الرأي - سواء كان متكلما او كاتبا او مؤلفا او اي شخص آخر - بان الاعراب عن رأيه من شأنه ان يعرضه للمشاكل او للمساءلة يضعف لديه نشوء الرأي وتطويره ويوهن لديه ايضا الحافز على الافصاح عنه. واذا كانت حاجات الشعب او الدولة تتطلب الاعراب عن الرأي في امكانية تلبية هذه الحاجات وتقليب الرأي في تلك الامكانية فان الرقابة وتخوف صاحب الرأي من الاعراب عن رأيه او التردد في هذا الاعراب من شأنهما ان ينالا من امكانية تلبية الحاجات. والحالة المثالية فيما يتعلق بامكانية الافصاح عن الرأي هي ان يمارس الحد الادنى الضروري من الرقابة. ونصف هذه الحالة بالحالة المثالية لانه كلما ازداد دور الرقابة انكماشا زاد القدر من الحرية المتاح للمواطنين وزاد شعورهم قوة بتمتعهم بالحرية، وبالتالي قلت الاحتقانات الاجتماعية والثقافية والنفسية وتعزز لديهم الميل الى التناول الايجابي للقضايا وزادت لديهم ملكة الابداع تطورا وقوة. وتوجد ظاهرة تستحق الاهتمام الاكبر بالنظر الى خطورتها على حرية الفكر وحرية التعبير. والظاهرة هي انه في احيان غير قليلة لا توجد علاقة قوية بين رقابة الرقيب نفسه والرقابة التي ينص عليها القانون او التي تريد السياسة الحكومية تحقيقها. ان قانون الرقابة قابل للتفسير. وسياسة الحكومة قابلة للتفسير. وللرقيب دور كبير في تفسير القانون والسياسة، وفي تحميلهما مضامين معينة. وتطبيق او تنفيذ الرقيب لقانون الرقابة تفسير من تفاسير القانون. ويمكن ان يكون التفسير خاطئا او ان يكون سترا يتستر في ظله الشخص الممارس للرقابة ليقوم هو باجراء يخدم به مصلحته وهواه دون صلة بمضمون القانون او السياسة. في الحالة الاخيرة يتوسل الشخص الممارس للرقابة بوسيلتها خدمة لاغراض في نفسه. وبالنظر الى دور الرقيب في فهم وتفسير القانون والسياسة فان هذا الفهم والتفسير يتوقفان على شخصية الرقيب. فيمكنه ان يوسع نطاق الرقابة او ان يضيقه وان يبدي التشدد او المرونة في تنفيذ القانون. والحقيقة انه تتوقف مرونة الرقيب او تشدده على عوامل لعل اهمها المناخ السياسي. والعامل الآخر هو مدى تقدير العاملين في جهاز الرقابة للحرية الفكرية ولللابداع والفن والادب. ومن شأن عدم تقدير هؤلاء ان يوجد فجوة او ان يزيد الفجوة اتساعا بينهم وبين المبدعين. ويكمن في الرقابة عنصر التقييد. فما دامت موانع الرقابة تحظر البوح بالافكار والعواطف فان هذه الافكار والعواطف تبقى مقيدة. وبالنظر الى معرفة اصحاب الرأي للحدود التي تحددها الرقابة فان كثيرا منهم يراعون تلك الحدود التي، كما يدل معناها، تحد الانطلاق الفكري وتضيق الآفاق التي يمكن لفكر الانسان ان يجول فيها. وتناول او معالجة القضايا يمكن ان تكون مباشرة او غير مباشرة. وعدم مباشرة التناول طريقة يطرقها بعض الناس في ظروف منها عدم مؤاتاة المناخ الاجتماعي بابعاده السياسي والاقتصادي والثقافي والنفسي لاتباع التناول المباشر. يمكن ان يكون هذا المناخ ضاغطا اومقيدا (بكسر الياء) او املائيا. ويضرعدم التناول المباشر ضررا كبيرا بمصلحة الشعب. فعدم التناول المباشر يقلل قوة الافصاح عن المضمون الفكري والشعوري. فالرسالة المنقولة مباشرة اشد فعالية في الافصاح من الرسالة المنقولة على نحو غير مباشر. ان طريقة النقل غير المباشر حلقة من حلقات النقل من المرسل الى المرسل اليه. وكلما زادت حلقات النقل عددا قلت قوة الرسالة المرسلة. وعن طريق التعويد على التناول غير المباشر تنشأ ثقافة التناول غير المباشر للقضايا. ولشيوع ثقافة التناول غير المباشر آثار سلبية جدا. بهذا الشيوع يتسم كثير من ضروب السلوك بعدم التصدي المباشر للقضايا. في ظل هذه الثقافة يقل شعور المرء بالمسؤولية المباشرة عن عمله وعمل الآخرين، ويقل الدافع لدى المرء الى المنافحة عن القضايا العادلة والى انتقاد الحالات المعيبة، ويتعزز لدى الانسان الميل الى التهرب من تحمل المسؤولية والى عزو العيوب الى آخرين ويتشجع الناس على التحايل على الانظمة. وهذه صفات ليست طبيعية. وكلما ازدادت القيود والاملاءات التي يتضمنها ذلك المناخ خفة قل تحايل الناس وازداد تناولهم للاشياء مباشرة وزاد العنصر الطبيعي في سلوكهم قوة. ولدى الناس كلهم القدرة على التكيف مع المناخ الاجتماعي السائد. ويختلفون بعضهم عن بعض في مدى هذه القدرة التي تتأثر هي نفسها بذلك المناخ. والتناول غير المباشر وصفات خلقية اخرى من هذا القبيل انواع اخرى من التكيف. ومن الجلي ان هذا التكيف ليس سليما من الناحية الخلقية. والتكيف الافضل هو التكيف مع المناخ السياسي والثقافي والنفسي الذي يشجع على التخلق بالاخلاق الوطنية والقومية والدينية والانسانية الرفيعة. وثمة علاقة بين ذلك المناخ والابداع. ينشأ الابداع بتوفر عوامل منها شعور المرء بتحرره النفسي والعاطفي والفكري والاجتماعي والسياسي. وكلما ازدادت وطأة ذلك المناخ ثقلا وازداد شعور المرء باثر ذلك المناخ فيه زاد احتمال ان يكون ذلك المناخ عاملا اشد اثرا في عرقلة الانطلاق الابداعي. وحتى يكون الانسان منطلقا وحتى يعيش حياة بطريقة هي اقرب الى الطريقة الطبيعية ينبغي للقوى الاجتماعية المختلفة الا تضطره الى القيام بقدر كبير من التكيف، فقدر كبير اكثر مما ينبغي من التكيف في السلوك والموقف والشخصية يجرد الانسان من جوانب من ذاته ومن طبيعته. وعلى الرغم من وجود الرقابة في كل دول ومجتمعات العالم فان هذه الدول والمجتمعات تختلف بعضها عن بعض في مدى اتساع نطاق هذه الرقابة وفي مدى قوتها. واود ان اطرح سؤالا ذا صلة: في اي من مجموعتي البلدان - البلدان النامية ام البلدان المتقدمة النمو – تكون الرقابة الاجتماعية والسياسية والفكرية موجهة توجيها اكبر باعتبارات سياسية؟ ومما يزيد من خطورة الرقابة طريقة اصدار التوجيهات الرقابية. فهذه التوجيهات قد تأتي مكتوبة او شفوية او سرية احيانا. ان ورود التوجيهات على نحو غير مكتوب من شأنه ان يتيح للرقيب ان يكون له دور اكبر وحيز اكبر في تفسير الانظمة كما يقهمها وكما يحلو له ان يفهمها. ومما يثقل ايضا من عبء الرقابة على المفكرين والمبدعين تدخل اوساط ليست جزءا من جهاز الرقابة في توجيه عمل الرقابة. وتقوم هذه الاوساط بهذا التدخل منطلقة من خدمة مصالحها الاقتصادية او التجارية او خدمة لرؤاها. وفي ضوء ذلك كله فان واقع الرقابة لا يرتبط بالضرورة ارتباطا قويا بنصوص قانون الرقابة. فقرارات المنع والاجازة التي يفترض ان تكون مستندة الى ذلك القانون ليست كذلك دائما. واحيانا توضع مواد قانون الرقابة او يعدل هذا القانون بتأثير عدد محدود من الناس الذين قد لا يولون الاعتبار الكافي للاثر الذي يترتب على تنفيذ القانون في حياة الناس الفكرية وفي وعيهم او في تعطيل النشاط الفكري وفي تقييد النشاط الانساني عموما. ومن وجوه السلوك الشديد الاثر والخطر ان تقوم جماعة، وهي مدفوعة بالنهوض بمصالح خاصة ضيقة، بوضع قوانين ولوائح تدعي تلك الجماعة بانه تقصد بها (اي القوانين واللوائح) خدمة الشعب. وفي ظل الظروف التي تمارس فيها التوجيهات الرقابية كان للرقابة اثر مبطئ لانطلاق الابداع ومقيد للفكر. تلك الظروف جعلت الشخص المبدع يحاول ان يوازن بين عالمه والعالم الذي حوله وان يتعامل ويتكيف مع العالم الذي حوله. وانطوت تلك المحاولة على النيل من انطلاقه وعلى تقييد فكره. | |
|