حق الشعوب في السيادة ولامشروعية التدخل الأجنبي
د. تيسير الناشف
تسهم عوامل، منها على نحو خاص، عامل الهيمنة العسكرية والاقتصادية، في انهيار النسيج الاجتماعي والاقتصادي والمؤسسي للدول والمجتمعات. ونظرا إلى تسبيب ذلك الانهيار في زعزعة الاستقرار وفي إعاقة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإنه يهدد السلم والأمن للشعوب.
مما يسهم في تعزيز أمن الشعوب تعزيزا كبيرا احترام الخصائص الفكرية والثقافية لكل شعب من الشعوب. هذا الاحترام يندرج في إطار مفهوم أوسع هو مفهوم احترام الغير واحترام حرية كل شعب من الشعوب واحترام حرية الفرد الإنسان.
ومما يتناقض مع مفهوم أو مبدأ احترام خصائص وحرية كل شعب من الشعوب محاولات ترويج نماذج ثقافية موحدة معينة على الشعوب ومحاولات فرض تلك النماذج عليها. ونظرا إلى أن الشعوب تختلف بعضها عن بعض فينبغي أن يكون المبدأ هو احترام ذلك الاختلاف والسعي إلى النهوض بالتنوع الثقافي. لا أحد له الحق في معاقبة إنسان لأنه يعتمر عقالا مثلا.
ومن الطبيعي أن للشعوب حقوقا أصيلة لا يمكن التصرف فيها، ومن الواجب أن تحقق المساواة في معاملة تلك الحقوق. الحق في السلامة حق أصيل. ومما يتنافى مع الحق الطبيعي أن بحظى الحق في السلامة لشعب من أوروبا بقدر أكبر من الرعاية التي يحظى بها ذلك الحق لشعب من آسيا أو أفريقيا أو أمريكا اللاتبنية. ولا يحق لدولة أن تعادي دولة أخرى أو أن تميز ضدها في المعاملة لمجرد أن ثقافة شعب الدولة الأخيرة تختلف ثقافتها عن ثقافة شعب الدولة الأولى.
وللدول، وللشعوب التي تقيم فيها، الحق في أراضيها. لكل شعب حقه في الأرض التي يقيم عليها والتي أقام عليها أجداده طوال قرون. وليس من جق دول أخرى أن تأخذ أراضي دولة أخرى لكون الدولة الأولى أقوى عسكريا وبسبب دعم دول أجنبية ذات مصلحة لها أو أكثر ثروة أو علما أو نفوذا أو سلطانا أو لكونها حققت قدرا أكبر من التقدم التكنولوجي أو تمتلك قدرا أكبر من القوة التنظيمية والحافز الأيديولوجي.
ويروج بعض المروجين في الغرب فكرة أن سيادة الدول آخذة في التلاشي وأن هذا التلاشي حقيقة واقعة يجب على الشعوب والدول قبولها. ومن الخطأ ما يقوله أولئكم المروجون إن ذلك التلاشي يضفي المشروعية على التدخل غير المتناظر أو غير المتماثل، أي، وفقا لذلك القول، يحق لدول قوية أن تتدخل في دول ضعيفة.
هذا قول سخيف، وهو يتنافى مع الحق الطبيعي والقانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي. حق الشعب في السيادة على أراضيه حق طبيعي، حق مستمد من الطبيعة، مما يعني أن السيادة في جوهرها تسمو فوق أي اعتبار سياسي أو اقتصادي أو استراتيجي أو عسكري.
ومنطلق الحق الطبيعي في الاختلاف الثقافي يتنافى ويتناقض مع مقولة صراع الحضارات. ليس من الحتمي أن ينشب الصراع بين الحضارات، كما يزعم من يروج لفكرة حتمية نشوب الصراعات، من قبيل صموئيل هننتون. إن عدم احترام التنوع الثقافي والحضاري هو الذي يمكن أن يؤدي إلى نشوب الصراع وليس وجود هذا التنوع.