*كلمة الجمعية
عبد الحميد شوقي الكاتب العام لجمعية الإشعاع الثقافي
ليس للثقافة غير وجه واحد لتلقي تحيتها على كل الوافدين والعابرين نحو تخوم المتعة والجمال .. ليس للثقافة غير أياد تلوح بالياسمين ونكهة النهار والتماع الكلمة على وجوه الحاضرين .. ليس لنا سوى أن نرفع صوتنا عاليا لننثر ورود حبنا على الجميع .. مرحبا بكم في مدينة الفلفل وبلدة البساطة الكريمة ..
لعل أول سؤال يتبادر للأذهان هو : لماذا الملتقى الوطني ؟ لماذا هذا الإصرار على مغادرة المحلي نحو الوطني ؟ ولماذا القصة القصيرة جدا بالضبط ؟
لقد كبرت جمعية الإشعاع الثقافي جدا .. كبرت أحلامها وأصواتها .. نضجت طاقاتها .. وظلت انتظاراتها بعيدة .. خلال ثلاثة عقود من الزمن لم يتح لجمعية الإشعاع أن تعبر عن وجهها الحقيقي وعن ملامح المدينة الثقافية الأصيلة .. كانت في حاجة لفعل يرسخ تقليد الكبار ويصون الذاكرة من الشتات ويمنح الوجوه التي عبرت مسافات الجمعية ما يجعلها تعاود الحنين بحثا عن مجد لا يضيع .. وها نحن نرتفع نحو قامة الفعل الذي يليق بقامة الجمعية وننظم ملتقى وطنيا يليق بسمعة المثقفين المغاربة آملين أن يصبح تقليدا سنويا يضع المدينة في مصاف المدن المتوهجة بملتقياتها الشهيرة .. كان ينقصنا الإصرار لكن كان ينقصنا كذلك كل الإمكانات المادية الضرورية لإنجاح ملتقى وطني كبير كما نحلم به .. لذلك نتوجه من هذا المنبر لنقول حقيقة ساطعة وهو أننا وجدنا في المجلس البلدي وفي شخص رئيسه المحترم كل الآذان الصاغية والتقدير الواعي والتشجيع الكافي لتحقيق أحلامنا .. فمنذ أن قدمنا البرنامج العام لإدارة المجلس وللسيد الرئيس أدركنا أننا مقبلون على تحقيق فعل نوعي للجمعية من خلال كل الدعم الذي وفره لنا المجلس .. بل ومن خلال التحول الذي لمسناه في رؤيته للفعل الثقافي كفعل أساسي وجوهري يجسد وجها وجوديا من وجوه المدينة وإستراتيجيتها القائمة على الدفع بكل الدينامية التنوية في كل أشكالها المتعددة .. فشكرا للمجلس البلدي وشكرا للسيد الرئيس .. ولو أننا ما زلنا نردد أن الوجه الحقيقي لتيفلت كمركز ثقافي وازن لا يوازيه ما يلزم من البنيات التحتية والمادية الضرورية ..
إننا إذ ننظم هذا الملتقى الوطني لأول مرة ، فلأننا كذلك نريد أن نعترف بكل حِلم الكبار بالقيمة الكبرى التي أصبحت تمثلها القصة القصيرة جدا في النسيج الإبداعي بالمغرب اليوم .. هذا الجنس الأدبي الذي وُلِد خجولا وحبَا متخبطا وهو يتلمس طريقه خلف خطوات الأجناس المعترف بها من رواية وقصة قصيرة وشعر ومسرح .. ها هو اليوم يشب عن الطوق ويفرد جناحيه للتحليق عاليا والمشي بكل وثوق الشامخين في دربه الذي بدأ يتوضح بكل هدوء .. لم تعد القصة الومضة مجرد دلع لغوي أو فائض في التخمة السردية آو لقيط يتوسل له أبا ضمن آباء يتنكرون لبنوته .. لقد صار بإمكان القصة القصيرة جدا أن تكتب مجدها الخاص .. أن تحذف حيث يترهل الحشو .. أن تلمح حيث يتعرى التصريح .. أن تكثف حيث تتراخى العبارة .. صار لها أبناء شرعيون ومتن موضوعي ونهج مستقل وبدأت تتخلص من سطوة النماذج السابقة .. في جمل قصيرة وعبارات مقتضبة أصبح القاص يحتضن شساعة الفكرة ويجبر المطلق على تجرع الدخول من سم الإبرة .. لقد أفرغ اللغة من ثرثرة البلاغة وسحب السرد خارج الاستطالة واختصر الزمن في ومضة تقول كل شيء من خلال الإيحاء والاختفاء والتلميح ..أصبحت الحياة في شساعتها المتوهجة هي الموضوع الأول لومضة القاص .. ونحن إذ ننظم هذا الملتقى الوطني فإننا نعلن تقديرنا لهذا التحول الجميل الذي أصبحت تمثله التجارب القصصية القصيرة جدا اليوم ..
سيكون لمدينة تيفلت أن تفخر بهذا الإنجاز .. أن تساهم إلى جانب جمعيات أخرى بالوطن في الاحتفال بهذا المشهد القصصي الوليد .. وهذا ما كان ليتم لولا جهود كثير من الجهات الجمعوية التي دعمتنا بكل نبل ومنحتنا كل ما لديها من إمكانات مادية ولوجستية ووفرت لنا بنياتها التحتية مثل جمعية التنمية البشرية في شخص رئيسها المحترم التي وضعت قاعاتها الجميلة تحت تصرفنا دون تردد .. كما لا يفوتنا ان نشكر كل النسيج الثقافي بالمدينة وكل الشخصيات والفعاليات الثقافية التي وقفت إلى جانبنا ومنحتنا كل الدعم الروحي والإنساني اللازمين ..
شكرا لكم جميعا .. آن لدهشة الصوت والتلقي أن تفتح متعتها الجميلة ..
* ألقيت هذه الكلمة في افتتاح ملتقى الإشعاع الوطني الأول الذي نظمته جمعية الإشعاع الثقافي بمدينة تيفلت .
تيفلت في 13-مارس 2010
الرئيسية 