ليالي اقتناص الحياة في الدورة الأولى لملتقى الإشعاع الوطني للقصة القصيرة جدا بمدينة تيفلت
تقرير عبد الحميد شوقي
الكاتب العام للجمعية
تحت شعار " القصة القصيرة جدا ومضة لاقتناص الحياة " ، نظمت جمعية الإشعاع الثقافي بتعاون مع المجلس البلدي بمدينة تيفلت ملتقى الإشعاع الوطني للقصة القصيرة جدا في دورته الأولى يومي السبت 13 والأحد 14 مارس 1010 بفضاء التنمية البشرية بالقصر البلدي الذي أثتته الناشرة سلطانة نايت داوود مديرة دار النشر التنوخي ببعض منشورات الدار خصوصا الإصدارات الأخيرة في القصة القصيرة جدا .ابتداء من الساعة الخامسة مساء،افتتح فعاليات الأنشطة الإبداعية مدير الملتقى احميدة بلبالي الذي رحب بالجمهور ورحب بالضيوف وتمنى للجميع موعدا مع المتعة والدهشة ، وأعلن الافتتاح الرسمي للملتقى . ثم أخذ الكلمة رئيس جمعية الإشعاع الثقافي السيد حسن خرماز الذي قرأ كلمة الجمعية التي تطرقت لخصوصية تنظيم الجمعية لملتقى وطني للقصة القصيرة جدا بكل ما يعنيه ذلك من التفاتة وتقدير لهذا الجنس الأدبي الناشئ ، كما قدم كلمة شكر وامتنان للمجلس البلدي على كل ما قدمه للملتقى من دعم مادي وأدبي ولرئيس جمعية التنمية البشرية على توفيره للقاعة الجميلة متعددة الوسائط التي دشنت مؤخرا وكان لجمعية الإشعاع الثقافي شرف افتتاحها ، كما شكر كل الشخصيات والجمعيات الثقافية التي ساهمت بدعمها الروحي والمعنوي في التحضير للملتقى . وقبل ابتداء القراءات القصصية ، كان الجمهور على موعد مع المجموعة الموسيقية الشابة من مدينة تيفلت التي قدمت وصلات موسيقية جميلة على الكمان والعود وآلة الإيقاع ، وقد استمتع الحاضرون كثيرا بالطاقات الشابة الواعدة . بعد ذلك أشرف الشاعر زين العابدين اليساري على تنشيط القراءات القصصية ، حيث تناوب على المنبر في اليوم الأول كل من عبد الحميد الغرباوي ، مصطفى الغتيري ، محمد البلبال بوغنيم ، السعدية باحدة ، عبد الغني صراض ، عز الدين الماعزي . وقد تعرف الجمهور النوعي الذي كان حاضرا على أطياف من الكتابة الإبداعية الشابة في مجال القصة القصيرة جدا التي تراوحت بين التجريب والجرأة والارتهان للنماذج السردية السابقة . انتهت القراءات في تمام الساعة السابعة والنصف حيث أخذ الضيوف قسطا من الراحة قبل وجبة العشاء على الساعة التاسعة ليلا . بعد العشاء ، نظمت الجمعية سمرا فنيا بفضاء المطعم الجميل أشرف على تنشيطه الشاعر عبد الحميد شوقي . وقد عرف السمر تنويعا في الأصوات والمجالات تراوح بين الشعر والزجل والقصة والقصة القصيرة جدا والموسيقى ممثلة في العواد الشاب يونس بلعيساوي، وعرف حضور أسماء محلية وازنة إلى جانب الأسماء المشاركة في الملتقى . واستمر السمر الفني حتى حدود الساعة الواحدة صباحا. في اليوم الثاني ، كان الجمهور على موعد ابتداء من الساعة الحادية عشرة صباحا مع ندوة نقدية أطرها ونشطها الأستاذ حسن خرماز ، وقد تمحورت حول ثيمة : " القصة القصيرة : جدل الكتابة والحذف " عرفت مشاركات ثلة من النقاد المتميزن مثل عبد الرحمن مولي ود. محمد رمصيص والقاص اسماعيل البويحياوي . في البداية أعطى الأستاذ حسن خرماز رؤية عامة حول أهداف الندوة كما قدم نبذة مختصرة للبدايات الأولى للقصة القصيرة جدا بالمغرب .بعد ذلك قدم الناقد عبد الرحمن مولي ورقة نقدية بعنوان : " جمالية الحذف في القصة القصيرة جدا "، حاول فيها الوقوف على ما تحمله القصة القصيرة جدا من إبداع على مستوى الحذف والتكثيف والترميز والإيحاء ، وهو ما يجعل المتلقي مدعوا للمشاركة في إنتاج المعنى . كما وقفت الورقة عند عتبة العنوان التي تمثل لغما متخفيا لتفجير أفق التلقي لدى القارئ . وقد استندت الورقة إلى نظرية التلقي عند هانس روبير ياوس التي أعطت قيمة كبرى لوظيفة القارئ كمنتج للنص ذاته من خلال أفق التوقع كشرط للتلقي من خلال بعض العتبات الدالة كالعناوين التي تمثل أول عتبة منذرة بالانفجار . وقد قارب الناقد ذلك من خلال تطبيقات على عناوين بعض النماذج المغربية مثل : قصة " مطر ومطر " لعبد الله المتقي و"غصة" للسعدية باحدة و" خيبة اثنان " لعز الدين الماعزي . وقدم الناقد د. محمد رمصيص ورقة بعنوان : " آثام القص المتمنع " ، حيث أوضح أن الآثام هنا هي مفهوم جمالي أكثر مما هي مفهوم أخلاقي . وقد وقف الناقد عند خصوصية القصة القصيرة جدا المتمثلة في الانتقال من سؤال البدايات إلى سؤال النهايات. فالنهاية تمثل في القصة الومضة لحظة توتر كبرى تصدم أفق المتلقي . كما تساءلت الورقة حول المبررات الموضوعية للكتابة الشذرية . إن الكتابة الشذرية هي كتابة حربائية تظهر عدم تلازم المبنى مع المعنى من حيث أن قصر العبارة لا يعكس عمق الفكرة . لقد عوضت القصة القصيرة جدا امتلاء السطور وطول المبنى بالاقتضاب والفراغات وبياضات النص ، كما أعادت النظر في وظيفة اللغة نفسها حيث عوضت الوظيفة التواصلية بالإيماء والإيحاء والفراغ مما كسر أحادية المعنى . وانتهت الورقة إلى بعض النتائج من أهمها أن القص المومض هو حكي متوحش ونقيض للوضوح والاستطراد، هو قص للقلق والسؤال والدهشة . وقد حاول الناقد مقاربة هذه المداخل النظرية من خلال بعض التجارب القصصية بالمغرب التي شهدت في العشرية الأخيرة طفرة على مستوى الكم والإصدار ، حث وقف على مسألة إسقاط التفاصيل في " ألوان " لعبد الحميد الغرباوي والاشتغال على الترميز في "لوحة" لعبد الله المتقي واستغلال التراث والحوادث الطبيعية في " مجموعة " طوفان " لاسماعيل البويحياوي .
أما الورقة النقدية الثالثة فقدمها القاص المتميز اسماعيل البويحياوي تحت عنوان : "القصة القصيرة جدا نوع تخييلي سردي جديد " ، استهلها بتحية الناقديْن من خلال التقاطع معهما في بعض النقط . أكدت الورقة أن القصة القصيرة جدا هي فن يستوجب التأويل بامتياز مما يفترض ضرورة تدخل المتلقي كفاعل إيجابي ، غير أن شروط التأويل يجب أن تحدد من أجل تحديد كيفية إنتاج المعاني . وقد وقفت الورقة عند مسألة هامة جدا تتعلق بهوية هذا الفن الوليد والاختلاف حول تسميته بين مصطلح القصة القصيرة جدا والقصة الومضة والكبسولة وغيرها من التسميات ، وعلاقة هذا النوع بالتراث والأجناس السردية الأخرى . وقد بين الأستاذ اسماعيل البويحياوي أن القصة القصيرة جدا هي نوع مستقل بذاته وبأدواته وخصوصية عوالمه . لقد استفاد الناقد في ورقته من الدراسات التداولية التي تتحدث عن أنواع التخييلات من خلال آلية التمثيل أي تمثيل العالم وتقديمه لحقيقة محددة وهي الحقيقة التخييلية . إن القصة القصيرة جدا هي فعل كلامي لعِبي مراوغ يقوم على التمثيل الاستعاري وهو ما يميزها عن أنواع قصيرة أخرى كالخبر الصحفي السريع والرسالة الهاتفية القصيرة . بعد ذلك تطرق الناقد لبعض أركان القصة القصيرة جدا ممثلة في : ضرورة وجود حدث يتم قصه ، وضرورة الكثافة ، ثم وحدة الموضوع والفكر ، وأخيرا الجرأة . غير أن الناقد أشار إلى أن التجارب الأخيرة تجاوزت هذه الأركان والتقنيات. فالقصة القصيرة جدا هي جنس مفتوح يقوم على مقومات داخلية تتراوح بين الاتصال والانفصال والابتعاد والاقتراب والتكثيف . وفي الأخير أشارت الورقة إلى بعض دواعي نشوء القصة القصيرة جدا مثل الاستفادة من تقنيات الاتصال الحديثة ومظاهر القلق والشك المميزة للإيديولوجيات المعاصرة وظاهرة التشظي والانكسار التي تمثل غروب الأنساق الفكرية الكبرى التي عوضتها تقنية الكتابات الشذرية .
وقد أعقب الندوة النقدية تدخلات العديد من الحاضرين الذين ناقشوا كثيرا من الحيثيات والتصورات التي وردت في الورقات الثلاث ، وقد عكست المداخلات انقساما في الآراء بين مؤيد للقصة القصيرة جدا وبين من يعتبرها مجرد لعب ودلع كسول لا مبرر له . ثم أعطيت الكلمة للنقاد للإجابة على كثير من التساؤلات التي وردت في التدخلات . وانتهت الندوة حوالي الساعة الواحدة زولا لينتقل الضيوف إلى وجبة الغذاء . وفي تمام الخامسة زوالا كان الجمهور على موعد مع قراءات جديدة في القصة القصيرة جدا قام بتنشيطها الشاعر عبد الحميد شوقي، حيث استمع الحاضرون إلى قصص بأصوات كل من : حسن برطال ، إبراهيم أبويه ، اسماعيل البويحياوي ، محمدمنير ، محمد أكراد الورايني ، كمال دليل الصقلي ، والطالب الشاب محمد المرابط . وبطلب من الزجال الكبير ادريس مسناوي، قرأ احميدة بلبالي نصين زجليين كما قرأ عبد الحميد شوقي نصا شعريا . بعد ذلك تم تسليم شواهد التقدير على كل المشاركين قبل أن يعلن مدير الملتقى احميدة بلبالي اختتام فعاليات الدورة الأولى لملتقى الإشعاع الوطني الأول للقصة القصيرة جدا ويدعو الجميع لأخذ صور جماعية .