مدارات
مدارات
مدارات
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مدارات


 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم في الذاكرة)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد داني
مشرف



عدد المساهمات : 56
تاريخ التسجيل : 20/11/2009
الموقع : daniibdae.blogspot.com

شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم  في الذاكرة) Empty
مُساهمةموضوع: شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم في الذاكرة)   شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم  في الذاكرة) Empty18/1/2010, 13:57

شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم في الذاكرة)




- مدخل:

تستعمل الشعرية هنا بكونها نظرية أدبية تدرس الخطابات والملفوظات الفردية، التي يتضمنها النص الروائي... والغرض منها: تأكيد ارتباط النص بسياقه... خاصة إذا عرفنا أن النص الروائي مزدوج الشفرة: " لأنه يحقق ائتلافا بين المادة النسقية التي تمثلها اللغة الطبيعية، والمادة الخارجة عن النسق والخارج- لغوية والتي تتمثل في السنن الثقافية والمعايير الاتفاقية، والتقاليد الأدبية الموروثة أو المكرسة، والإيديولوجيا المندمجة في البنية اللغوية. هذه الشعرية تعنى باللغة بوصفها خلق عالم، وبوصفها نمذجة للواقع الذي تعيد اللغة تصويره وتمنحه معنى"[1].

بواسطة هذه الشعرية، يمكننا الوقوف على الخطاب الروائي داخل محيطه الحقيقي الذي يحيا ويتكون فيه...

وكما نعرف أن التعدد اللغوي، يعني أن نص الرواية ليس متمركزا على لغة واحدة ، أحادية الاتجاه.. ولا هو مسيطر عليه من طرف خطاب واحد.

- موقع الرواية وبنياتها:

تقدم رواية ( وشم في الذاكرة) صورة عن نموذج الكتابة عند الأديبة مريم بن بخثة.. فهي تتألف من بنيات تجعل منها انتماء للرواية الجديدة.. حيث نلمس فيها:

- هيمنة تقنية التشذر والتوالد، والانشطار في البنيات السردية... فالرواية تتكون من محكي/ إطار ، وهو صورة إنسانية لثلاث مراهقات... يتحول بسبب ظروف إلى مومسات يكون مصيرهن في نهاية المطاف السجن، والاعتقال، والفضيحة.

وفي هذا المحكي الإطار ، تدور محكيات أخرى إضافية لتصعيد درامية النص الروائي. ذات اتجاه عمودي يعترض السير الأفقي للمحكي الإطار...فيساهم في تنوعه، وإخصابه، وإغنائه...وهذا كله يزيد من إضاءة الحدث الأصلي، وزيادة دلالاته، وتعميق دراميته.. وهذا نجده في المحكي/الحدث عن جيهان، ومشكلتها العائلية، وغيثة وحادثة اغتصابها، وظروفها العصيبة، وموقف أمها من كل ذلك. ومحكي أسرة سعاد، ووالدها وصدمته عند سماع خبر الاعتقال، ثم الاقتناع لقضاء الله تعالى... كل هذا زاد من مقروئية الرواية، وإغنائها...

كما أن هذا الانشطار عمل على تكسير خطية الأحداث والزمن.. وانبنى على التناسل الحكائي الداخلي.

ولا تفوتنا الفرصة في الإشارة إلى أن هذا الانشطار ، اعتمد تنويعا في الضمائر، فقد جمع النص الروائي بين ضمير المتكلم والغائب، والمخاطب.. وبرؤيتين للعالم خلفية ونصاحبة.

إن الرواية جراء واقعيتها ، اعتمدت التعبير عن الشعور...والتعبير عن خوالج النفس الإنسانية، لحظة محاسبة، ومعاتبة، وندم، وبوح... مع اعتماد الأديبة مريم بن بخثة على تنويع الأساليب السردية، واللغوية.. واعتماد وسائل عديدة ، كالتذكر، والاستيهام، والتداعي، والمونولوج الداخلي...

هذا كله حقق للنص الروائي أسلوبيته الخاصة، وراهنيتها، واستيعابها:" الإبيستيمي الحديث لرواية من تقطع وسخرية، وتنسيب، وتشذر في المادة السردية والخطابية"[2].

- تجليات التعدد:

تعرف الأديبة مربم بن بخثة أن تخيل اللغة هو تخيل صيغة حياتية.. واللغة حياة النص الروائي، خاصة إذا عرفنا أن الرواية :" تعنى بقضايا التعبير، وتحديدا لقضايا اللغة.. فالقاص الذي لا يهتم باللغة ليس بقاص،،، قضية اللغة أساسية.. فاللغة هي عالم الفنان"[3].

وفي الرواية نجد تناوبا جيدا بين فاعلية الساردة العليمة، وفاعلية الشخصية الرئيسية ( سعاد)، التي تحكي قصتها وقصة صديقتيها( غيثة وجيهان).. هذا التناوب يتداخل احيانا من خلال انقسام الصوت الواحد على ذاته، وتلفظ نفس المتكلم بخطاب الصوتين معا في الملفوظ الواحد.

" انتفضت سعاد من مكانها على السرير، على صوت حركة وجلبة في الفناء الخارجي للفيلا... تنهدت وكأنها كانت تحمل أثقالا على كتفيها النحيلتين:" الحمد لله لقد وصلتا أخيرا".

سعاد تسافر ما بين سحاب يرميها وقمر يضنيها .. هنا وهناك...

ما لك ولسعاد أنت الذي تفر... تختفي .. مثل السراب؟. ثم تحشر نفسك بيني وبينها.. دون استئذان بلا استسلام..

بل أنا معك أحمل قلبي بين يدي وأدفقه تحت أقدامك.. شعرا ينساب ، فإذا نزف وانتهى.. زرعنا الدم في جنبات الورق ... فيكون قصيدة.

فإذا طال .. وطال ... صار رواية.. ورواية سعاد هي نبض حي.. يكشف هما.. يكشف ندما... دعك مني.. فسعاد حانت منها لحظة توهج النور بداخلها.. انتهى وقت العصيان...

أسرعت سعاد.. تطل على رفيقات الأمس... من نافذة الغرفة التي احتضنتها لساعات.. رفعت الستائر لتستعجلهما وتوبخهما على هذا الانتظار الطويل... الذي أرهقها عسرا"[4].

فالمتلفظ هنا الشخصية سعاد، ثم الساردة العليمة.. والزمن الغالب على الأفعال المستعملة هو الماضي.. وجل الأفعال مسندة إلى ضمير الغائب.. لكن الساردة تضيف خطابا بضمير المتكلم لتخلق علاقة بينها كمتكلمة، والمستمع/المتلقي... وهذا الخطاب المستعمل يوهم بواقعيته.

ومن الأمثلة الدالة في هذا السياق : الاهتمام بقضايا المجتمع وقطاعاته، والتي توحي بأن الكاتبة متوحدة مع عالم روايتها:

" هذه هي القضايا ذات العيار الثقيل، والذي تتصيد مثله الشرطة، لتثير الرأي العام وتبين مدى نجاعتها في حفظ الأمن والأمان في البلاد. فيحدث هذا صخبا من الحوارات والنقاشات ، وطرح الأسئلة الكبيرة، وفتح باب إلقاء اللوم والمسؤولية على عاتق الآباء والتربية الفاسدة، بسبب الإهمال والتفريط في رعاية أبنائهم تارة، وتارة أخرى على الحكومة التي بسبب فصر بصرها ساهمت في انتشار الأمراض المعضلة كالرشوة والزبونية، وتفويت المصلحة الخاصة لبعض المسؤولين على المصلحة العامة، بسوء تدبير الشأن العام، وهيمنة أصحاب النفوذ، مما تسبب في انتشار الفساد ومثل هذه الآفات"[5].

عندما نتمعن في هذا الكلام والذي يمتد على مدى ثلاث صفحات ( 76- 78)، نجده مزيجا من اللغة الوصفية، واللغة التقريرية... يقدم رأيا يتداوله العام والخاص في المقاهي، وعلى صفحات الجرائد...ولكنه يبين وبالمرموز مدى تعاطف الساردة ومن ورائها الكاتبة مع القضية والشخصيات الثلاث.... ولذا كلامها هو أعذار... حتى لا يكون حكمنا قاسيا، وظلمنا كبيرا.

إنه نوع من البحث عن تعاطف القارئ مع المراهقات الثلاث.

وهذا الملفوظ التصريحي التقريري، يتألف أسلوبيا من مستويات تعبيرية ثلاثة، هي[6]:

- مستوى موضوعي.

- مستوى ذاتي انفعالي.

- مستوى مثلي أو حكمي.

وهذه المستويات بثلاثتها تبين التذبذبات النفسية في الرواية، والشرخ الذي مس كيان الشخصيات. كما يبين الجنوح الذي سارت عليه الشخصيات فيظل هذه المعطيات المذكورة... أي كأنها تقول: " بسب هذه الظروف نحصل على هذه النتائج الفاسدة".

- لغة الاستبطان الذاتي... والمونولوج الداخلي:

عندما تكون الشخصية هي التي تتكلم، يكون كلامها تداعيا حرا، أو حديثا نفسيا.. وتصبح الصيغة، صيغة السرد المنقول أو المباشر...

ومن خلال هذه الصيغة نرى نفسية المتكلم، ونكتشف داخله... إذ يصبح كلامه مرآة تعكس لنا هواجسه، وأسراره.. ونفسه.

فسعاد كشخصية محورية ، نجدها تعتمد المونولوج الداخلي، حيث تتوسل في التعبير بعض تقنيات تيار الوعي، مثل: مناجاة النفس،والتداعي الحر، ومساءلة النفس، والبوح بأنواعه...

" وترد سعاد على نفسها عاتبة ، متحسرة، وغصة الحزن والقهر تمزقها:

الآن أطلب من الله مسامحتي... الآن أقوله بالعبودية الأزلية.. خالقي أسأله الغفران، حيث لا وجود لصكوك الغفران... لا وجود لمعابد الرهبان.. سوى الموت البطيء... إلى حد الذوبان"[7].

ومثل هذا النص كثير في الرواية... وهو يقدم في صيغة مونولوج داخلي مباشر ، من خلاله تطلق سعاد العنان لمحاسبة نفسها، وتعذيب ذاتها، ومساءلتها هما اقترفت من آثام...

كما أننا كمتلقين من خلال هذا الملفوظ المونولوجي ، نقف على مدى تأنيب ضميرها لها.. واستيقاظه.. ومدى رغبتها في التوبة، والرجوع إلى الله.

الساردة تختفي هنا لتترك المجال للشخصية( سعاد) تتكلم.. وتعبر عن خوالجها في شكل تداع حر...فكلمة ( ترد) تبرهن على أن ( سعاد) كانت في لحظة تفكير ومساءلة لذاتها، تطرح على نفسها الأسئلة ، وتجيب في نفس الوقت... وهي حالة نفسية تدل على الحيرة، والاضطراب ، والقلق النفسي الذي عليها ( سعاد).. كما نتبين مدى الصراع الذي تتخبط فيه، ويصطخب في داخلها، جراء ما تراه من صور ، وذكرى تؤرقها.

كما أن كلمة ( ترد)، إشارة من الساردة ، وإذن منها للشخصية( سعاد) لبدء الكلام.. والتعبير عما تشعر به. وفي الرد أتت غلبة ضمير المتكلم.

وهذا السيل الوجداني، هو شعور بالألم.. وبالحسرة.. وبالندم:"كنت طائشة سيدي ، وغلف الشيطان بصري.. فلم أر إلا نفسي وفرحتي بحريتي"[8].

إنها وجدانية شخصية، فردانية، تعبر عن الذات المتكلمة.. كما نجد في هذه الجملة:" ... بل أنا النبض...أنا الرواية..أنا القلب النابض في سعاد.."[9]

"أنت لست حكما... أنت لست إنسانا.. تحكم البشر.. بل أنا ضميرهم.. من يحدث فرقا في خطاياهم..أنت لست إلها تصادر أحلامهم"[10].

- الخصائص الأسلوبية:

نجد أنها تخضع :" لتقنيات أسلوبية ، ولغوية تستوحي في الغالب أسلوب تيار الوعي. فمبنى الجملة يدل على هيمنة صوت الشخصية ، مستغرقة في وعيها مستبطنة لطويتها"[11].

كما أنها تمتاز بخصائص، منها:ها، وانفعالها

- التكرار: ( أنت لست حكما..أنت لست إنسانا..)...هذا التكرار يدل على مدى انفعال الشخصية، وتوترها، واضطرابها، وقلقها...

- غلبة المبنى الاسمي:
( بالحرف مطفئة اللوعة...
بالخيال هاربة من الورطة...
بقناعي سالكة مدار العفة...
هذا بوح...
بوحي بإزالة الستارة التي أختفي وراءها...
وصارت الشمس ظلاما.. صارت الغيوم سحابا...
وصرت كائنا بلا أستار... بلا أوهام...
أجرح كبد الأشياء عسى تهبني لحظة الصفاء.. البقاء...
بنزف المراهقات أردد كلمات أمي... همسها...وجدها...الذي يؤرقني..."[12]


عندما نمعن النظر في هذا المقطع، نجد الجمل الابتدائية / الاسمية، تشتغل وفق أسلوب الإطناب البلاغي، باستعمال الجملة المتناسلة بفعل التداعي، والترابط السببي.. مع تنويع صيغ العبارة تقديما وتأخيرا...وميلها إلى الحذف، مع تعويض ذلك بنقط الحذف والاكتفاء...

وهذا يعطي الإحساس بأن الحديث داخلي يجري في الشعور.."فالكلام ينتقل بشكل حر بين المبنى الاسمي ذي الجمل القصيرة والقائمة على الازدواج، وبين المبنى الفعلي ذي الجمل الضامة، وبين أفعال المضارعة، الدالة على الحضور والاستقبال..المسندة لضمير المتكلم، وتلك المسندة لضمير الغائب"[13].

- الإيقاع الشعري: المقطع الذي أوردناه سابقا، وغيره:
" ما همني أني كنت أسير الخطوات...
منبهرة.. بالبريق.. يرجف قلبي واهما... منبهرا...
شاهدا لحظة الميلاد من جديد..."[14]


يمتلك النفحة الشعرية ، وعلامات النغم الشعري، رغم نثريته... فالمتكلمة تتابع التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها، وما يختلج فينفسها، دونما نظام منطقي للأفكار.. وهذا المقطع لا يخلو من نغمة ، ومن إيقاع.. وهنا يتناسب ، وينسجم صوت الشخصية بصوت الكاتبة...

- الحوارية: إذا تجاوزنا مبنى الخطاب، فإننا نجد أن المونولوج الداخلي يجري تشخيصه كلاما، وكلمات.. كما يحدث في الوعي.. وتمثل الحوار الذي تجريه الشخصية مع نفسها...أسئلة ضمنية وأجوبة..."ماذا فعلت بنفسي؟.لماذا وصلت إلى هذا الانحدار؟...ساقطة..بائعة الحب والجنس..أهذا أقصى ما جاهدت من اجله؟.هل كان حلمي أو حلم أسرتي التي كانت تنتظر أن اكبر قليلا ويأتي " ولد الحلال" الذي يستحقني؟.."[15]

ويزداد التوجه الحواري الدرامي عمقا، وعلوا، عندما ينقسم صوت المتكلم على ذاته إلى صوتين، كما لو كان الأمر يتعلق بشخصيتين مستقلتين، يتناجيان:

"لما يا رب فعلت كل هذا؟أكان ضعفا في إيماني بك، وبرحمتك وكرمك؟.

أم أنني لا أستحق أن أحظى بهذه المنة؟

ماذا جنيت من وراء هذا؟. فقدت عذريتي ومعها براءتي وطهارتي..فقدت للشرف الذي تطاح به الرقاب.. وسأفقد حب واحترام والدي وإخوتي وكل أسرتي بمجرد أن يعلموا بأمري... لكن .. لا ..لا..لا.. لا يجب أن يعلموا بذلك .. لن أدع الأمر يصل إليهم...سأحرص على ذلك جيدا، بل لا داعي لكل هذا القلق..سأتوقف عن كل هذا"[16].

"إن اتساع فضاء هذه الحوارات المباشرة، وهيمنتها نصيا، يضفي على السرد طابعا مشهديا حيا"[17].

- توظيف الحكي العامي:

في رواية (وشم في الذاكرة) نجد استعمالا للدارجة. فهي تضطلع إلى جانب وظيفتها التناصية، بتأكيد ارتباط الرواية بالحياة اليومية.. وهذه الملفوظات العامية تبين صور المتكلمين، وتميز بعضهم عن بعض ، وأوضاعهم، ومكانتهم الاجتماعية.. وكنموذج ، نورد الأمثلة التالية:

- سائق الطاكسي:" فين غادين أبنتي؟- مال للمحجبات وسجلماسة؟- كاسيت الراديو خاسر- لا حول ولا قوة إلا بالله- آش هاذ المسخ؟- هذي علامات الساعة- أشبغيت بفلوس الحرام- الله يتبعهم البلا- الخانزات كثرو في البلاد".

- خالد:"الفاهم يفهم- تبارك الله عليكم ما عندي ما نسالكم- الوقت هو الوقت- كيما العادة رقم الهاتف الاحتياطي ديال الطوارئ راه عندكم إلى كانت ليه شيضرورة"

- الأب احمد:"انت ماشي أي عريس نقبل بيه، إيلا ما كانش ولد الناس راجل معقول، وكيخاف الله راه ما نعطيك ليه. الغالي كيديه الغالي- ألالال انا باركا علي غير وليداتي وداري... من الخدمة لدار، او من الدار لخدمة...ياك انا مرضي مراتي وولادي... بغيتي ناكل العصا".

- ام غيثة: "ابقي يا بنتي هاذ الرجل راه مهم ، وذراعوا طويلة، واصل للناس الكبار...نهار نحتاجوه لن يرفض لنا طلبا- هذا هو اللي كنتسناو بركتو.. وانا اللي كنتسناك تفيقي باش نعرف الليدار هاذ العملة، ونمشي نرغب فيه يوقف بجنبنا.- شوفي هاذ الموضوع هنا بقا.. كنت خارجة ، مسخرة وقفوك شي حشايشية مقرقبين، تكرفسو عليك، معرفتي حتى واحد فيهم...هذا الموضوع ديال هذاك نسيه إلى الأبد".

- الضابط:" هذي هي سعاد، أدوي أنت...- يا الله آش كتسناي لمك..ياك ما غيسحاب ليك غتقولبينا"

- جيهان:" هدوك راه شرطة الآداب آش كتسحبي؟- دير ..دير شي كاسيط ديال النشاط.. عندك هديك اللي كتغني على مول الطاكسي؟...

- الشرطي:"أحصلت با ولد الحرام..قال ليك الدقيق ديال الدار.. دابا نشوف دقيق آش كيسوا؟".

- السجانة:"جنس ما يحشم ما يرمش"

هذه الملفوظات العامية تبين المستوى الاجتماعي، والثقافي ، والنفسي الذي عليه كل شخصية متلفظة .

كما عملت الكاتبة على تفصيح الدارجة ، وتقريبها إلى الفصحى:"أتجرأ على وصفي بالمعقدة.. أنت فيك عقد كل المنبوذين"(ص:9)- "ابنتي تصلي.. وتخاف الله"( ص: 16)- غدا سأتصل بزوجته، سأخبرها باني أحتاجك معي، لأنني مريضة"( ص: 49).

فالتوظيف للدارجة في الرواية(وشم في الذاكرة) يساق مساقا حكائيا، وهو توظيف تتوخى منه الأديبة مريم بن بخثة إعطاء المصداقية لمسرودها.. وتعطيه واقعيته... ولذا جاءت الجمل الدارجة قصيرة.. مركزة.. معبرة عن شخوصها ومستواها، ووظيفتهم...

كذلكن نلاحظ أن ملفوظات رجال السلطة تمتاز بعلوها، ولزوميها، ونبرة الغضب التي تغلفها، والعنف الذي يشتم منها، وخرقها للآداب العامة...

- ازدواجية اللغة والتناص:

يتميز الخطاب الروائي للأديبة مريم بن بخثة بتنويع الأسلوب واللغة... حيث توظف في كتابتها تنوعا لغويا، يخرج الرواية من أحادية اللغة... بل تعمل على تحريك أصوات أخرى تضج تحت قشرة وعي الفئات الاجتماعية، والتي تعطيها فرصة رفع صوتها، والبوح بكلامها في نصها الروائي...

إن الوقوف إلى رواية ( وشم في الذاكرة) ، يجعلنا نكتشف تعددا لسانياPlurilinguisme ،على لسان الشخصيات النسائية، والشرطي، والضابط، والحارسة، وسائق الطاكسي، والوالد، والوالدة، كما سبق معنا...

إن الرواية كما نعرف ، صيرت اللغة الأدبية حوارا للغات و:" حينما تكشف لغات التعدد اللغوي بعضها إلى بعض، تعكس على طريقتها ، قسطا من العالم، وزاوية صغيرة منه، وترغمنا على أن تخمن ونلتقط، وراء الانعكاسات المتبادلة، عالما أكثر اتساعا يتوفر على مخططات ومنظورات أكثر تنوعا ليس بإمكان لغة وحيدة ، ومرآة واحدة أن تعكساه"[18].

إن التعدد اللغوي في الرواية ، استطاعت الكاتبة العمل على تفاعله، وتساكنه مشكلة من ذلك نصا متماسكا.

ويستحضر الخطاب الروائي في(وشم في الذاكرة) عددا من اللغات ، والأساليب، وقد مر معنا بعض النماذج اللغوية المبرهنة على ذلك... إلا أننا نجد تعددا آخر بتمثل في العتاقة اللغوية l’archaïsme linguistique، في شكل استحضار لأساليب وألفاظ ، وتراكيب عتيقة، ومحاورة أجناس أدبية وغير أدبية قديمة، كالشعر، والحديث ، والأمثال، والسجع، ولغة التقارير الصحفية، ولغة الشرطة، وغيرها من الفئات الاجتماعية. والنماذج التي مرت بنا أعلاه، خير دليل على ذلكن وتعطينا صورة واضحة عن هذا التنوع...

وعندما نقرأ هذا المقطع:" اصرخ ما شئت...

والعن ما شئت فلا رقابة ولا قيود...

تهرب منك سحابة... تصر أن تنعش الكون بقطرات من فيضها...

لكنك ترفض حق اللجوء ، لمن لا مكان له...

كم أنت غريب الأطوار...فيك غلظة الجاهلية...

أتجرأ على وصفي بالمعقدة... أنت فيك عقد كل المنبوذين...أما أنا كنت راحلة إلى غير رجعة... بعيدا عنك.. فأنا وأنت قلما نلتقي...

وقد نلتقي فتصاعر خدك عني... لذا عليك أن تعلم أنني الآن لن أغادر حتى اسرد قصتي.. قد تصدقني"[19].

مما يلاحظ في لغة هذا المقطع/ الخطاب، ما يلي:

- انه ملفوظ هجين تمتزج فيه لغتان متباينتان.. واحدة معاصرة، والثانية تمتح من قاموس معجمي قديم( فيضها- غلظة جاهلية- المنبوذين- صاعر خدك...).

- تأخذ بوح الشعر، والخطابة. وتسير على غرارهما.

ونورد مقطعا آخر:

"...أنت لا تعرف سعاد وصويحباتها... أكلن تفاحة آدم وحواء...

شاطرنهن الإغراء.. فكشفن عن سوءاتهن...

نعم .. ها هن يسددن الدين للشيطان...

نعم.. سعاد كانت تتحر حبل يديها...

لتكشف القيد.. قيد الجسد...

فلما رأت نجما قالت هذا فتاي...

فلما أفل قالت لا أحب الآفلين...

فلما رأت الشمس قالت هنا النور كله. أظهرت الجسد لأشعتها..

فلما أفلت .. رجعت .. قالت.. ليس لي إلا ربي"[20] .

إن ما يلاحظ في هذا المقطع، احتواؤه على ملفوظ يجمع لبين لغتين متباينتين، تفصل بينهما أحقاب زمنية سحيقة.

فمن حيت الشكل والتفضية( نسبة إلى الفضاء)ن يأخذ شكل السطر الشعري، المعتمد في القصيدة الحديثة... كما انه يتوفر على مسحة شعرية تخرجه من نثريته ، وتنقله إلى شعرية الخطاب...

كما يلاحظ – أيضا- أن به تناصا عن طريق تركيب لغته، مع قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام... كما يمتزج فيه لغة النص القرآني باللغة العادية.. مع اعتماد شكل الأسطر الشعرية.. وانتهاج التشذير...

إن هذا المقطع، يتضمن محاكاة للنص القرآني، إذ تركيبها وألفاظها وصياغتها، تحيل على النص القرآني من سورة إبراهيم المعتمد عليها هنا.

كما أن ( فكشفن عن سوءاتهن) تشي ، وتتناص مع الصيغة الواردة في القرآن:"فبدت لهما سوأتهما وظلا تخسفان عليها من ورق الجنة"...

كما أن لفظة ( تكشف) / تشي كذلك ، وتتناص مع الصيغة الواردة في القرآن في قصة بلقيس مع سليمان عليه السلام لما دخلت الصرح، وحسبته لجة(فكشفت عن ساقها).

وقد تحتفظ الكاتبة بجملة كاملة من النص القرآني، وتضمنها في خطابها الروائي، كما في المثال التالي:"كانت كلها أكاذيب تفننت فينسج خيوط لها كخيوط العنكبوت.. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت"( ص:16).

لا شك أن الساردة/ البطلة الآية القرآنية الكريمة التي في سورة العنكبوت:"مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا.. وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون..."

وعندما نتمعن في هذا التوظيف للغة القرآنية، ضمن لغة النص الروائي، نجد أن الكاتبة تريد من خلالها لفت انتباه القارئ إلى خطورة الموضوع الذي تستعرضه، وإلى الرسالة التي يتضمنها خطابها الروائي. بالإضافة إلى تحسيسه بعمق القضية، وعمق المعاناة التي تعانيها بطلات الرواية.. زيادة إلى إعطاء النص الروائي قوته، وجماليته التعبيرية ، واللغوية.

"الآن حصحص الحق وسبرت أغوار حقيقتها عارية"(ص:94/95). فحصحص كلمة قديمة.. كلمة قرآنية ، قد أدت نفس الوظيفة التي تؤديها في النص القرآني.. وهذا زفر للجملة صدقها، وإقناعيتها، وقوتها الخطابية...

ومن العتاقة اللغوية في النص الروائي ، تضمنه بعض الأمثال الشعبية، ومن ذلك ما نجده في الصفحة 33:" الغالي كيديه الغالي" وفي الصفحة 43:"شوية ربي وشوية لعبدو"و" لمن تعود زبورك أداود"..

إن توظيف هذه الأمثلة الشعبية في الخطاب الروائي أعطى للنص صدقه، وقوته،ومنطقه...كما تبين الكاتبة من خلال هذا التوظيف الحالة الاستهتارية التي كان تعيشها بعض الشخصيات، وتبرهن بها كذلك على فداحة الواقع، وسقوط أقنعته، وقيمه..








[1] - عقار، ( عبد الحميد)، الرواية المغاربية، تحولات اللغة والخطاب، شركة النشر والتوزيع، المدارس، الدار البيضاء،ط1، 2000، ص: 29


[2] - Krysinski, (Wladimir) : Entre la polyphonie topologique et le dialogisme dialectique, in , Hybrides romanesques, fiction (1960- 1985) , P.U.F, 1988, p : 39


[3] - عبدالحميد عقار، المرجع نفسه، ص: 35


[4] - ين بخثة ، ( مريم)، وشم في الذاكرة، ص: 60/61


[5] - مريم بن بخثة، وشم في الذاكرة، ص: 76


[6] - عبد الحميد عقار، المرجع نفسه، ص: 38


[7] - وشم في الذاكرة، ص: 19


[8] - وشم في الذاكرة، ص: 105


[9] - نفس المرجع، ص: 96


[10] - نفس المرجع، ص: 14


[11] - عبد الحميد عقار، المرجع نفسه، ص: 40


[12] - وشم في الذاكرة، ص: 20


[13] - عبد الحميد عقار، المرجع نفسه، ص: 42


[14] - وشم في الذاكرة، ص: 21


[15] - نفس المرجع، ص: 33


[16] - المرجع نفسه، ص: 57/58


[17] - المرجع نفسه، ص: 45


[18] - العافية، ( محمد)،الخطاب الروائي عند إميل حبيبي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 1997، ص: 111


[19] - وشم في الذاكرة، ص: 9/10


[20] - المرجع نفسه، ص: 96/97
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد داني
مشرف



عدد المساهمات : 56
تاريخ التسجيل : 20/11/2009
الموقع : daniibdae.blogspot.com

شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم  في الذاكرة) Empty
مُساهمةموضوع: رد: شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم في الذاكرة)   شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم  في الذاكرة) Empty18/1/2010, 14:40

تصحيح لخطإ ورد في الآية الكريمة
( وظلا تخصفان) والصحيح -( وظلا يخصفان)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شعرية التعدد اللغوي، وازدواجية اللغة في (وشم في الذاكرة)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رصاصة في الذاكرة
» الذاكرة التي ****
» اكليل من وجع الذاكرة: إقتفاء
» اللغة العربية
» احتفاء برواية وشم في الذاكرة للروائية مريم بن بخثة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مدارات :: مدارات نقدية :: مدار النقد-
انتقل الى: