بيان صحفيّ مِنْ رابطة الكتَّاب الأردنيَّين بشأن معرض تورينو
الشعب الإيطالي شعب صديق، محبّ للسلام والحريَّة والديمقراطيَّة، وتجمعنا به كعرب شراكة عمرها آلاف السنين في حوض المتوسّط، ونحن وإيَّاه كنَّا نمثِّل بعض أركان العالم القديم الذي تأَّسست على منجزاته الحضارة البشريَّة المعاصرة. وعلى أرض إيطاليا أضيئت شعلة التنوير الأولى للحضارة الحديثة بمركَّبٍ يجمع عناصر الحضارة العربيَّة الإسلاميَّة والحضارة الإيطاليَّة العريقة لتمتدّ تلك الشعلة بعد ذلك إلى جميع أنحاء أوروبا والعالم. ونحن نذكر للشعب الإيطالي دائماً أنَّه كان في طليعة الشعوب التي حاربت الفاشيَّة والنازيَّة وقدَّم في هذا المجال الكثير من التضحيات الباهظة. كما نذكر له مساندته الدائمة للقضايا العربيَّة العادلة وخصوصاً للقضيَّة الفلسطينيَّة.
ولذلك فقد استغربنا جدّاً وشعرنا بالأسف والغضب لإقدام الجهة المشرفة على معرض تورينو للكتاب على الاحتفاء بدولة العنصريَّة والاغتصاب والقتل "إسرائيل" وتقديمها كضيف شرف للمعرض هذا العام؛ فهذا الموقف يتنافى مع الإرث الإنسانيّ الإيطالي المشرّف ومع القيم الإنسانيَّة النبيلة المشتركة.
وليسمح لنا السادة المشرفون على هذا المعرض، الذي يُدعى سنوياً للمشاركة فيه مثقَّفون مِنْ مختلف بلدان العالم، وخصوصاً مِنْ حوض المتوسّط، أنْ نذكِّرهم بأنَّ العام الستين لقيام دولة إسرائيل الذي يحتفون به هو نفسه العام الستين لاغتصاب فلسطين من قبل العصابات الصهيونيَّة واقتلاع شعبها مِنْ أرضه والاستيلاء عليها وتشريده تحت وقع المجازر المنظَّمة ليعيش في الشتات، منذ ذاك وحتَّى الآن، في أكبر مأساة إنسانيَّة شهدها العصر الحديث. ومنذ ذاك وحتَّى الآن مارست "إسرائيل" بصورة منظَّمة أعمال الحرب والعدوان والقتل والتدمير والإرهاب ضدّ الشعوب العربيَّة، وخصوصاً ضدّ الشعب الفلسطينيّ.
فبماذا يحتفي، إذاً، السادة القائمون على معرض تورينو؟!
إنَّهم، شاءوا أم أبوا، يتناقضون بموقفهم الغريب هذا مع كلّ القيم والمعاني الإنسانيَّة النبيلة ومع المعطيات الثقافيَّة المحترمة للعصر الحديث. إذ بينما هم يتحدَّثون عن الحريَّة والديمقراطيَّة، يحتفون بثقافة الاحتلال والقتل والإرهاب والفظاظة والوحشيَّة والقوَّة الغاشمة، وبينما هم يتحدَّثون عن العدل والمساواة وحقوق الإنسان يكرِّمون ثقافة الاغتصاب والتهجير الجماعيّ والعنصريَّة، وبينما هم يتحدَّثون عن السلام والتعاون بين الشعوب لخدمة البشريَّة ومصالحها المشتركة يكرِّمون ثقافة الحروب العدوانيَّة والأطماع التوسّعيَّة على حساب الشعوب الأخرى، وبينما هم يتحدَّثون عن الحداثة يحتفون بدولة تأسَّستْ على أساطير وخرافات تنتمي إلى ما قبل آلاف السنين، وبينما هم يتحدَّثون عن العلمانيَّة يمجِّدون دولة قامت على أساس العصبيَّة الدينيَّة وحدها. الأمر الذي لا يشرِّف القائمين بهذه الخطوة الاستفزازيَّة ويلحق العار بهم وبمعرض الكتاب الذي يشرفون عليه.
وإنَّ هذا كلّه يسيء إلى القيم الإنسانيَّة المشتركة ويثير الكثير من الشكوك حول مدى ولائهم لها ويسيء للعلاقات العربيَّة الإيطاليَّة ويوجد أرضيَّة خصبة لدعاة العزلة من الجانبين.
وبناءً عليه، فقد قرَّرنا في رابطة الكتَّاب الأردنيّين أنْ نرفع صوتنا عالياً ضدّ هذا الموقف المشين وأنْ يكون مؤتمرنا اليوم خطوة لحملة محليَّة وعربيَّة واسعة ضدَّه.
ولقد اتَّصلنا، بدايةً، بزملائنا في النقابات المهنيَّة وبالرفاق والأخوة في اللجنة العليا للتنسيق بين أحزاب المعارضة. ونحن نأمل أنْ تبادر النقابات والأحزاب إلى الاتِّصال بنظيراتها الإيطاليَّة وتحثّها على التحرّك ضد هذه الخطوة الاستفزازيَّة الخطيرة، وأنْ تقوم أيضاً بالاتِّصال ببلديَّة تورينو والمشرفين على معرض الكتاب هناك وحثِّهم على التراجع عن موقفهم ذاك وإفهامهم بأنَّ إصرارهم على المضيّ في ذلك سينعكس سلباً عليهم وعلى معرضهم. ونأمل أيضاً أنْ تقوم الأحزاب والنقابات بالاتِّصال بنظيراتها العربيَّات وتحثّها على المشاركة في حملة مقاطعة معرض تورينو بكلّ السبل الممكنة وأنْ تجري الاتِّصالات نفسها التي من المنتظر أنْ تجريها الأحزاب والنقابات المهنيَّة الأردنيَّة. ومن الضروريّ أيضاً أنْ تقوم الأحزاب والنقابات ورابطة الكتَّاب الأردنيّين بحملة منسَّقة لدى البلديات الأردنيَّة وفي مقدِّمتها أمانة عمَّان ولدى مختلف مؤسَّسات المجتمع المدنيّ الأردنيَّة لتقوم بدورها في الاتِّصالات والتحرّكات الضروريَّة. ومِنْ جهتنا، سنقوم في رابطة الكتَّاب الأردنيّين بالاتِّصال بالاتِّحاد العامّ للأدباء والكتَّاب العرب وتنسيق جهودنا معه في هذا المجال، كما سنتَّصل باتِّحادات الكتَّاب العرب كلٍّ على حدة وننسِّق جهودنا معها أيضاً. وتتوجَّه رابطة الكتَّاب إلى جميع الكتَّاب والمثقَّفين العرب الذين تلقّوا أو من الممكن أنْ يتلقّوا دعواتٍ لحضور المعرض آملةً منهم أنْ يردّوا على هذه الدعوات بالرفض والاحتجاج والاستهجان والاستنكار، وتحيّي الزملاء الذين بادروا إلى إعلان مواقفهم الإيجابيَّة في هذا المجال.
إنَّ حملتنا هذه لن تتوقَّف إلا عند تحقيق أهدافها؛ فإمَّا أنْ يتراجع المشرفون على معرض الكتب في تورينو عن موقفهم المشين هذا وإمَّا أنْ يُجابه المعرض بمقاطعة عربيَّة شاملة تحول دون أنْ يصل القائمون عليه إلى هدفهم الحقيقيّ في تبرئة "إسرائيل" مِنْ جرائمها وإخفاء صورتها العنصريَّة الفاشيَّة البشعة. إنَّهم يريدون المساواة بين القاتل والقتيل وهذا لا يمكن أنْ يتحقَّق إلا بالمشاركة العربيَّة في ذلك المعرض المشبوه. وبالتالي فيجب أنْ نفوِّت عليهم هذه الفرصة.
ونحن نتوجَّه للمثقَّفين الإيطاليّين الديمقراطيّين والإنسانيّين أنْ يقفوا إلى جانبنا في هذه الحملة العادلة، بل ونراهن على الشعب الإيطاليّ بمجمله ليعمل مِنْ أجل إيقاف هذه المهزلة. كما نراهن على المثقَّفين الديمقراطيّين والإنسانيّين في كلّ أنحاء العالم ليرفعوا صوتهم بقوَّة ضدّ هذا التطاول الفظّ على الحقوق والمشاعر العربيَّة وعلى مجمل القيم الإنسانيَّة الإيجابيَّة.
وإلى الأمام حتَّى تحقيق أهدافنا مِنْ هذه الحملة.
الهيئة الإداريَّة لرابطة الكتَّاب الأردنيَّين