مساء بمذاق الليلك*
عبد الحميد شوقي
ذات لقاء باذخ قلت للشاعر الكبير ادريس أمغار مسناوي : أنت لا تكتب .. أنت تضيء .. وفي هذه الأمسية أقول لصديقي الأخر القاص المبدع حسن البقالي : أنت لا تكتب .. أنت تصفع . نسافر معه بعيدا إلى تخوم المستحيل .. يأخذنا بحنو لكي نرقص تحت المطر .. يترفق بذائقتنا وهو يقودنا نحو دهشته الخاصة .. نفتح الاحتفال .. نسْرح بين زخات المشاهد والأحداث ..نفتتن بهذه الشاعرية المذهلة التي ترشح بها القصص .. ونسير إلى منتهى الشغف والمتعة ونحن نعتقد أننا امتلكنا الطريق وتآلفنا مع الكلمات وطوينا الحكايات تحت أعيننا بكل بساطة الوعي السعيد .. وفي اللحظة التي نستعد فيها للترجل تأتي النهايات صافعة كقدر ماكر وصادمة كشهوة محرمة .. تلك التي تتخفى خلف ستار ويتبعها شخص يفتح أزرار سرواله فتفوح رائحة الخطيئة .. فإذا بها ممرضة تحقن جسده المزرق .. تلك الغانية في مقهى يصدح بالأغاني الإسبانية .. تتفرس في الرواد بحثا عن ضحية بتواطؤ مع النادل .. وحين تلمح شابا وسيما حليقا تتهيأ للانقضاض الشهوي فإذا به ينفجر على طريقة الإرهابيين .. ذلك الشبيه لرئيس الدولة والذي يلقي خطابا بالنيابة عن رئيسه لمرض ألم بهذا الأخير .. فيكتشف الشعب أنه يسمع صدقا لأول مرة .. تلك النبوءة الغربية التي تحققت حين رأت حلمت سيدة أنها تدفن حية فانتهى بها المطاف في مأوى للعجزة..
كلها صفعات تلو صفعات بنوع من العنف الهادئ والدم البارد .. وكأن السارد يتلذذ بتعذيب المتلقي ويضحك من أفق انتظاره الساذج وتصوره البسيط لمنطق الأشياء .. تصورتُ وأنا أقرأ المجموعة أنني أركب قطارا حلزونيا للأطفال في " ديزني لاند " يعلو وينخفض .. يسرع ويبطئ .. يغير مساراته بشكل فجائي وعنيف غير عابئ بصرخات الأطفال والسذج والمتفرجين ..
هكذا ينقلنا حسن البقالي من زمن البرتقال في التسعينات إلى الرقص تحت المطر في بداية الألفية الثانية لكي يعلن مجده الخاص .. ولكي يقف شاهرا رهانه الإبداعي الذي نذر له كل تجربته الطويلة : أن يختصر العالم في حرفين .. وأن يسحقنا بين حربين : واحدة للصفعة وواحدة للدهشة ..
أخيرا .. لم يكتب حسن قصة قصيرة جدا .. بل استطاع أن يزرع في ذلئقتنا غصة كبيرة جدا .. لأننا ظللنا أسيري بلاغة خرقاء تستهلك كما هائلا من الكلمات لكي تنتج حقلا ضحلا من الرؤى ..
شكرا حسن ....
*الكلمة الافتتاحية التي ألقاها عبد الحميد شوقي في حفل توقيع المجموعة القصصية لحسن البقالي .