محمد يحيى قاسمي عضو
عدد المساهمات : 2 تاريخ التسجيل : 20/10/2009
| موضوع: قضية المنهج في التأليف الأدبي الحديث بالمغرب 20/10/2009, 12:43 | |
| بداية لا بد من ثلاث إضاءات منهجية : أولها : الإقرار بأن جل الدراسات التي أنجزت في الأدب المغربي الحديث منه خصوصا؛ تمثلت المنهج التاريخي . ولهذا وجب التنبيه إلى أن كلمة المنهج الواردة في العنوان تحيل على المنهج التاريخي دون غيره . ثانيتهما : هي أن حديثنا عن المنهج لا يعني بالضرورة البحث عن المفهوم الاصطلاحي للكلمة الذي يعني وجود منطلقات معرفية وفلسفية محددة وعمليات تحليلية مترابطة . إن الأمر لا يعدو أن يكون حديثا عن الطريقة أو البناء العام الذي يقوم عليه تاريخ الأدب في المغرب . الإضاءة الثالثة : حصرا للموضوع وانسجاما مع الفترة المحددة للعرض التي يحيل عليها مصطلح الحديث في العنوان سنقتصر على المؤلفات التي ظهرت في الفترة الممتدة من بداية القرن الماضي إلى سنوات الستين. يمكن تقسيم إعمال المنهج ( التاريخي ) في التآليف المغربية وفق الضوابط المنهجية السابقة إلى مرحلتين : * الأولى : الإرهاصات : ونمثل لها بالمؤلفات التالية : - الوسيط في تراجم أدباء شنقيط لأحمد الشنقيطي – 1911 . - المنخبات العبقرية لطلاب المدارس الثانوية- لمحمد بن عبد السلام السايح – 1920 - شاعر الخلافة الموحدية أبو العباس الجراوي لمحمد الفاسي – 1920 . - تاريخ الشعر والشعراء بفاس لأحمد النميشي – 1924 .- مسامرة أدبية - عبد الله القباج – 1928 . * المرحلة الثانية : الاقتداء : وتمثلها مجموعة من المؤلفات منها : - وادي الجواهر ومجموع المكنون من الذخائر - علال الفاسي - 1925 .- فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان – محمد غريط – 1928 .- الأدب العربي في المغرب الأقصى - محمد بن العباس القباج – 1929 .- النبوغ المغربي في الأدب العربي - عبد الله كنون – 1937 - أمراؤنا الشعراء - عبد الله كنون - 1943- العلوم والآداب على عهد الموحدين – محمد المنوني – 1950 - تاريخ الأدب العربي – إبراهيم الإلغي – ج 1 – 1953 / ج 2 - 1955 .- الأدب المغربي – محمد بن تاويت / محمد الصادق عفيفي – 1960 . وعرض مواد هذه المؤلفات كلها ، ومناقشة آلياتها المنهجية ليس مما يمكن الإلمام به في عرض كهذا ؛ مهما طال ؛ وذلك لطول الفترة التي تناولتها ، ووفرة المواد التي تتضمنها ، وما ينتج عن ذلك من عسر في هضم المادة ومنهجيتها ، واستخلاص رؤية عامة أقرب إلى الصواب . ولذلك فإن أفضل سبيل هو البحث عن أهم ما يثير الانتباه في هذه المؤلفات من ناحية القضايا المنهجية المبثوثة بين ثنايا فصولها وأبوابها . إن الباحث في المصنفات السابقة يجد أنها وضعت لتاريخ الأدب المغربي ، فهي تتصل بالمنهج التاريخي بأكثر من صلة ، لكنها وقعت في مزالق يمكن تحديدها فيما يلي : 1 - حضور عنصر التحقيب : فالحديث عن الأدب في المؤلفات المذكورة لا يتم إلا انطلاقا من موازاته للعصور السياسية ، وانطلاقا من الحقب التاريخية التي تعاقبت على حكم المغرب. والاعتماد الكلي على هذا التقسيم يجعلنا نأخذ سلفا ببعض الآراء العامة فنحكم بضعف الأدب وانحطاطه أو برقيه ونهوضه انطلاقا من ضعف السياسة وانحطاطها أو برقيها وازدهارها . 2- التلازم بين الأدب والسياسة : ومن نتائج هذا التلازم أن أصبحت السياسة هي المؤثر الوحيد في الأدب ، بحيث لا يرقى الواحد منهما إلا رقي الآخر برقيه كاللازم والملزوم. لقد بدا الأدب بسبب تبعيته للسياسة منفعلا ومتأثرا بهما تأثيرا أحادي الجانب ومن ثم حاول مؤرخ الأدب في المغرب توضيح تأثير العامل السياسي في الأدب ، وأهمل تأثير هذا الأخير في السياسة ، وبذلك ألغى مبدأ التفاعل والتأثير والتأثر. والواقع أن المزج بين السياسي والأدبي عجيب ، واعتباره صلة طبيعية أعجب ، وبالنظر إلى حجم حضور كل من السياسة والأدب في المؤلفات المذكورة يطرح السؤال : هل هي مؤلفات تاريخ أو مؤلفات أدب ؟ وتصحيحا لهذه الرؤية الخاطئة نقول : يجب أن لا نتصور الأدب على أنه مجرد انعكاس سلبي أو نسخة من التقدم السياسي أو الاجتماعي وحتى الفكري للجنس البشري ، وبناء على ذلك فإن المراحل الأدبية يجب أن تقام على معايير أدبية خالصة . ومن هنا أيضا يجب التركيز على أدبية النص أي ما يجعل من عمل ما عملا أدبيا . 3 - كشفت اختيارات مؤرخي الأدب في المغرب عن ثقافتهم الدينية المحافظة ، فكنون مثلا يذيب الهجاء في الملح، ويؤكد أن الأهاجي الواردة في منتخباته مطلوبة لشكلها ؛ ولشكلها فقط.وتتجلى هذه الثقافة في اهتمامهم بالمديح النبوي الذي جعله ( المنوني ) مثلا في مقدمة الأغراض الشعرية ، ويتجلى ثالثا في حديثهم عن الموشحات والزجل كفن تميز به الشعر المغربي، إلا أنهم غيبوا نماذج من هذا النوع من القول ، رغم اعترافهم وتأكيدهم أن المغاربة اشتغلوا بهما . وعمليتا التذويب والتغييب تنمان عن ثقافة المؤلفين المحافظة وتنم عن موقف أخلاقي يعود بأصوله وأبعاده إلى نظرية الشعر في الثقافة المغربية في القرن التاسع عشر ، فقد كان المؤلفون يمتنعون عن إيراد هذا النوع من الشعر تمشيا مع عادة العرب القدامى . وهي التي بتأثير من قدامة بن جعفر جعلت المديح قطب رحى الشعر . 4- مفهوم الأدب عند مؤرخي الأدب في المغرب يتسع ليشمل الفقه والحديث والعلم وكل أنماط الإنتاج الثقــافي . وكأن مؤرخي الأدب في المغرب يتبنون بذلك المدلول الشامل لكل الإنتاج الفكري لأمتنا ، دون حصره في نطاق الشعر والنثر الفني . 5- التمييز بين النثر والشعر غير مبني على أسس واضحة في المؤلفات المدروسة . ويظهر أنها بنت مفهومها على الخطاطة العروضية التي بني عليها المفهوم التراثي القائل : <<الشعر كلام موزون مقفى يدل على معنى >>.لكن هل تكفي هذه الخطاطة للتمييز بين الشعر والنثر ؟ 6- التركيز على أعلام الأدب والشعر : إذ وقفوا عند المشهورين الذين مثلوا الأدب الرسمي، ولم يعطوا الأهمية نفسها للفئة الأخرى التي مثلت الأدب الشعبي ، وهذا تقليد من تقاليد الكتابة في تاريخ الأدب العربي القديم . وحتى نظرتهم للأعلام من الأدباء لم تكن نظرة متكاملة تستوعب إنتاج الأديب بأكمله ، وتضعه ضمن إطار عام يستوعب الأدباء الذين يعاصرونه ، وتؤطر تجربة هؤلاء الأدباء في إطار تاريخي معين . 7- انبنت كتابة التاريخ الأدبي في النماذج السابقة على مقاربة واحدة لا غير وهي : تقسيم الأدب إلى عصور سياسية . بينما أهملت عناصر بارزة ومهمة في هذا المنهج نظرا لصعوبة تطبيقها وهي تقسيم الأدب إلى أغراض أو تقسيم الأدب إلى مدارس فنية. كما اعتمد أصحاب النماذج المذكورة في تاريخ الأدب على التراجم والاختيارات فقط ، لذلك فهي في بعض جوانبها ضئيلة يقصد أكثرها إلى أغراض التعليم . 8- يؤخذ على المؤلف عدم استخلاص تيارات أو اتجاهات أو مدارس أدبية مغربية في الكتابة والشعر على الخصوص . ومن المفروض أنها موجودة ، وأن تاريخ الأدب يعنى بالبحث فيها. 9- نقد مؤرخي الأدب في المغرب يعتمد في العموم الوصف والسرد التاريخي ، كما يعتمد على الذوق والانطباع الآني ويفتقر إلى التعليل والتحليل . 10-المؤلفات ليست كتب تاريخ للأدب بالمفهوم الخاص ، وإنما هو تاريخ عام ، لأنه يشمل العلوم والفنون والآداب .فلا يبدو أن هناك فرقا بين التاريخ العام والتاريخ الأدبي ، فتواريخ عبد الله كنون ومحمد المنوني وإبراهيم الإلغي تحتفظ كلها بعلاقة الأدب والتاريخ بالمفهوم العام . ورغم أن المتن الذي تتعرض له هذه الكتب ينطلق أساسا من الأدب إلا أن التصور العام يلح على العلاقة الوطيدة بين النص كواقعة بالحدث التاريخي. وبهذه الرؤية فإن الحدث التاريخي هو الذي ينقل الأدب من حال إلى حال بحيث تصبح حدود عصور التاريخ السياسي هي حدود عصور التاريخ الأدبي . 11 - استبعاد كون المغاربة تعرفوا على المنهج في مصادره الغربية،. وهذا الاستبعاد مبرر باعتبارين : - الأول : انغلاق الثقافة المغربية على ذاتها ، ورفضها المثاقفة مع الغرب الذي اختزله المغاربة في مقدماته المسيحية ، وصيرورته الصليبية ، ونتائجه الاستعمارية . - الاعتبار الثاني يتعلق بمحدودية الإمكانات الذاتية والموضوعية للمثقفين المغاربة . والبعثات نفسها التي أرسلت لفرنسا وبلجيكا وألمانيا وإسبانيا، لم تكن لها مردودية ثقافية وأدبية. ونشير في هذا الصدد إلى إحصاء أوردته مجلة (رسالة المغرب ) ؛ لأحد الكتاب الفرنسيين؛ مفاده أن عدد الطلبة المغاربة في فرنسا بلغ سنة 1937 م ثمانية وثلاثين طالبا ، في حين بلغ عدد المصريين بها ستين وخمسمائة طالب ، علما بأن هؤلاء الثمانية والثلاثين لم يستطيعوا تتميم دراستهم العليا بفرنسا. 12 -الإقرار بتمثل تاريخ الأدب كما أنجز في المشرق . ودليلنا على ذلك : - استعارة المنهج من المشرق ، ونشير هنا إلى نموذج من نماذج هذه الاستعارة ، فقد أوردت مجلة (المغرب الجديد) مقالا بعنوان (خطأ تين في نظريته الأدبية ). فالعنوان يوحي بأن المغاربة استوعبوا المنهج التاريخي ، وعملوا على تطبيقه والاستئناس به ، بل ويوحي بأنهم تعدوه إلى كشف بعض أخطاء المنهج ومتناقضاته ، لكن المقال لا يعدو أن يكون تلخيصا للمحاضرة التي ألقاها ( طه حسين ) عن الأديب والناقد الفرنسي تين . - مقدمات مصنفات مؤرخي الأدب المغربي حيث نجد لوما أو طعنا أو نقدا يحمل عناصر أساسية مثل : المركزية الإقليمية ، ونسيان الأدب المغربي وتجاهله . ومن ثم جاء تاريخ الأدب في المغرب ليسد الفراغ في تاريخ الأدب العربي كما تناوله المشارقة .- الاعتراف الصريح لكثير من المغاربة بهذا الأخذ ، يقول عبد الله كنون:<<لما جمعت تلك المادة وراجعتها مرارا، وتخيرت منها الجيد صح عندي أن تكون خميرة لوضع دراسة على الشكل الذي وضعت عليه الدراسات الأدبية في المشرق ، وتصبح ذيلا وإلحاقا بتلك الكتب>>. 13- سير مؤرخي الأدب في المغرب على منوال المشارقة جعل عملية التأريخ للأدب المغربي خاضعة للمزالق التي وقع فيها مؤرخو الأدب العربي في المشرق . وهي تجزيء المنهج، إما بتقطيع أوصاله ، وإما باختزاله في السياسة أو الجنس أو البيئة أو غيرها من العناصر التي افترضوا فيها التأثير في الأدب . ولسنا بحاجة إلى التذكير بالإشكال الذي يسببه سفر النظرية من موضع إلى آخر - كما يسميه إدوارد سعيد– وماذا يحدث لهذه النظرية إذا استعملت مرة ثانية ومرة ثالثة في ظروف مغايرة لظروفها الأصلية كما هو الحال بالنسبة للمغرب ؟ ومنطق السفر / الوساطة هذا اتخذ طابعا متدهورا ومن ثم لم يقدم المشرق صورة موضوعية عن المنهج التاريخي ، فظل تأثر المغاربة بالمنهج التاريخي في حدود ضيقة جدا إذ لم يقتبسوا من هذا المنهج إلا أسهل عناصره .ومن ثم لم يستفد مؤرخ الأدب في المغرب من الأخطاء والمزالق التي وقع فيها المشارقة ، بل كرس هذا الواقع وزاد في تفاقمه وذلك راجع – لا ريب – إلى عدم انطلاقته في ممارسته للتاريخ الأدبي من دعائم قوية وثابتة أهمها وضوح التصور المنهجي وإيلاء العامل المنهجي ما يستحقه من اهتمام . إن رصد هذه المزالق لا يمنع من الإقرار بمزايا المصنفات السابقة ، وأولاها أن مؤلفيها حرصوا على تتبع مستندات موضوعاتهم على تناثرها بين مختلف المصادر من وثائق وكناشات ومقيدات واستجوابات ورحلات . غير أن الأمانة العلمية تدعونا إلى تصحيح المزالق الكبرى وتجاوز بعض نتائج الدرس الأدبي كما توصلت إليها النماذج المدروسة ، مع الحرص على الاستفادة من بعض مزاياها . أخيرا تنبغي الإشارة إلى ظهور أبحاث ودراسات لاحقة – مع افتتاح الجامعة المغربية - استوعبت آليات المنهج التاريخي قارئة إياه في مظانه .غير أن ذلك لا يمنع من الإقرار بتكرار بعض المزالق، وهو الأمر الذي يترك باب البحث مفتوحا على قراءة خاصة لهذه المرحلة . فهرس المراجع - الأدب العربي في المغرب الأقصى – محمد بن العباس القباج – المطبعة الوطنية - الرباط - 1929.- أحاديث عن الأدب المغربي الحديث – عبد الله كنون – 1964 .- أمراؤنا الشعراء – عبد الله كنون – مطبعة المهدية – تطوان - 1948 .- تاريخ الأدب العربي للمدارس الثانوية – إبراهيم الإلغي - المطبعة المهدية – تطوان –ج 1 - 1953 – ج 2 – 1955 .- تاريخ الشعر والشعراء بفاس – أحمد النميشي – مطبعة أندري – فاس– 1924.- خطاب المنهج : عباس الجراري – منشورات النادي الجراري – الهلال العربية للطباعة والنشر – الرباط – ط 2 – 1995 . - الخطاب النقدي حول الشعر في المغرب – ناظم عبد الجليل – رسالة مرقونة بكلية الآداب – الرباط – 1987.- خطأ تين في نظريته الأدبية – مجلة المغرب الجديد ع 1 – س1 – يونيو 1935 .- الدراسة الأدبية بالمغرب : عبد الله كنون نموذجا – أحمد الشايب – منشورات مدرسة فهد للترجمة – مطبعة سبارتيل - طنجة – 1991 . - الدراسة الأدبية الجامعية بالمغرب – منشورات كلية الآداب – الرباط – 1991 .- شاعر الخلافة الموحدية أبو العباس الجراوي – محمد الفاسي – مطبوعات جمعية قدماء تلاميذ مدرسة جسوس – الرباط – 1958 .- عبد الله كنون بين التكريم والتأسيس – المطابع المغربية والدولية – طنجة – 1991 .- العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين – محمد المنوني – معهد مولاي الحسن – تطوان – 1950 .- عندما تسافر النظرية – إدوارد سعيد – مجلة بيت الحكمة – ع 2 – س1 – 1986 .- فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان – محمد غريط – المطبعة الجديدة – فاس – 1928 .- قضايا النقد الأدبي في المغرب – عبد الحميد عقار - مجلة فكر ونقد – ع 6 – س 1 – فبراير – 1998 .- قضية المنهج في المؤلفات المغربية : جميلة حيدة – رسالة مرقونة بكلية الآداب – الرباط – 1991.- مسامرة أدبية – عبد الله القباج – المطبعة الرسمية – الرباط – 1924 . -مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي : شكري فيصل -دار العلم للملايين – بيروت – ط 5 – 1982 .- المنتخبات العبقرية : محمد بن عبد السلام السائح – المطبعة الرسمية – الرباط – 1920.-منهجية الأستاذ كنون في تأريخه للأدب المغربي : محمد السرغيني – العلم الثقافي – ع 749 – 1 نونبر 1986 .- نظرية الأدب : رينيه ويليك – ترجمة محيي الدين صبحي – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – ط 2 – 1981 . - الوسيط في تراجم أدباء شنقيط – أحمد الشنقيطي – القاهرة – 1911 . | |
|