لايعجبك هذا الرحيل
كنتَ ظمئا،
قربتنا تسيل
أنت تُصرّ على النبيذ
علّك تنسى أو تهيّج الذكرى.
ما زالت إذن، تتناسل فيك الصّور التي تحب
و التي لا تحب.
تفكر في انتصاراتك المؤلمة..
تفكر في انكساراتك المدوية..
و تفكر في ما سلختَ من أيامك
تصنع من عظامك نايات للعابرين،
كيما يتجدّر الألم في قريتنا.
لم تفهم أن الباقين خانهم الرحيل.
كنت بطيئا،
حذاؤك مثقوب
لا تسعفك الطريق،
الأطفال صاروا أسرع منك
و من الوقت الذي يسيل من جيوبنا
طيناً،
يسيل و نحمله معنا.
نحن غادرنا قريتنا من بابها الخلفي ،
الذي لا يُطلّ على البحر،
البحر الذي كان يُطلّ علينا
حين كنا صغارا..
لقد غادرنا قريتنا من خلفها،
لِئَلا ّيراك الأطفال
و يبكون
- الأطفال الذين نسيت أسماءهم -
و قبل أن نغيب لمحتك تلتفت إلى الخلف،
إنهم مازالوا يلعبون مع سمك القرش
و يضحكون على أسمائهم.
كنت بئيسا،
خانتك الطريق
و تريد أن تعيد الخطى إلى أصلها الغامض،
كيما تتحرّر من صدى ضحكاتهم
على أسمائهم الغريبة.
تساءلت، من أين جاؤوا بالنور إلى القرية ؟
ظل السؤال يصّاعد في رأسك
و يحثّك على الرجوع.
ما زلت تؤمن باليقين.
لم تفهم أن الذين عادوا خانهم الرحيل.
كنت قلقا،
صحوة قديمة انتابتك،
كان يكفي احتماؤك بالذهول متطلّعا لما يجري.
القرية راضية عن نفسها تماما،
الأطفال عادوا إلى بيوتهم
و قد أكلت أسماك القرش أسماء بعضهم،
لبسوا أجمل ثيابهم و انتشروا تحت أعمدة النور
يتربّصون بقايا الكعكات
و يتلصّصون على الصبيات يرقصن.
ثمة حزن خفيٌ راقٍ
يشدّ بذيل بكائهم النّقي، مثلما
غيمات
مُغروْرقةٍ
ولا تمطر أبداً..