جلسنا أنـا وهي في ذات المقهـى، ولما جاء النادل طلبنا معـا قهوة سوداء، قبلا كانـــــت القهـوة تأتينــا ساخنة وتهتز في يدينـــا فرحة وأكواب المـاء تبتسم، والآن أصبحــــت قهوتنـا تأتينـا باردة. إرتشفت قهوتي كالعادة بهدوء بدون أن نتكلم إلى بعضنا ولـو كلمة واحدة .تعودنـا ألا نشرب القهوة إلا ونحن نلعــــب بالحروف ونتقاسم الكلمات . شربــــــت قهوتي إلى نصف كوب ، وهي لـم تبدأ قهوتها بعد ، الصمت لغتنا لا أنا ولا هي نترقــب شيئا ما كل سرح في دنيا غير هذه الدنيـا . سرقـت لحظة إستدرت مرتيـن كـل من حولنــا منغمس في إفطاره والنـادل آلـة تتحرك بستيـن ميـلا فـي الساعة ،يوزع علـى النـاس كــل شيء ، الرغيف، والحرشة، والمسمن، والبطبوط ،والشاي بالنعناع، والحليب بالقشدة، كل منهم يتفنن في أكله ، لـه طريقة خاصة. هناك مـن يحني رأســه غارق فـي صحنه، وهناك من يفتح فمه حتى يظهر لـك مؤخرة أسنانه، وكـــــدا مـن يصنع قنبلة موقوتـة للإبتلاع، كل يصرخ طالـــــبا الماء أو قطعـة سكر والمناداة على سيجارة وقهوة أخرى، فوضه صامتـة. وفـي لحظة طلبت من النادل أن يشغــــل التلفـاز لنخرج مـن روتيـن الدهشـة، تلفـاز يمتـد من الركـن إلى الركـن من نوع بلازما. محطة روتانا طرب آه أم كلثوم، سرت الحب، أكذب عليك،الزمن الجميل. ثم إنتقلت الشاشة إلى محطة الأخبار و بسرعـة ظهرت صورة النـاس يركضون والمدينـة والمنازل تحترق والدبابات والطائـرات وقنابـل الفسفـور، وسيـل مــن الدماء .خبـر عاجــل : وصـل عـدد الشهداء إلـى 4180 شهيـد. الله أكبر الأرض تنزف وجثت النساء، وأشلاء الرجـال والأطفـال فـي خوف،إبـن يرضـع ثدي أمه الميت . أي إنسانية هذه، أي حقوق. والمحطة الثانية فيهـا مشاهد عن البنايــات و هـي تتحول إلى حطـام و فتـات، الفوضــى و الصـراخ و العدو يأتــي علي كــل شيء، الأخضـر و اليابس، و القصف يحفــر الأرض و قنابل تنفجــر في السماء كأنها إعلان لاحتفال قريـب. و المحطة الثالثـة و الرابعـة و الخامسـة و العاشرة فيهـا خبر عن ارتفاع عدد الشهداء إلى 5230 شهيد، إلى محطتين كانتا في عيد الميلاد.و فـي ذهول توزعـت نظراتـي بمـن حولـي،ينظرون إلـي الشاشة دون أي اهتمام كل يتعارك مع صحنه، يتصارع مـع لقمة الخبز إما أن يقتلها أم تخنقه.فقد ألفنـا الدم وقـت الإفطـار، تعودنـا علـي الحـرب و المـوت و النـار وقـت الغـداء و العشـاء، تعودنـا أن نبدأ الصبـاح و ننهـي المساء على صوت سيمفونية الرصاص و البكاء لقد ألفنـا ذلـك.وبدون أن أدري إنتفخـت عروقـي و تسرب الغضـب إلــى قلبـي، وتغيـرت ملامـح وجهـي،و الجميـع يتربصـون كأنهـم ينتظـروا أن ينفجــر أحدهـم، دلقــت كـوب القهــوة علــى الطـاولة وصـرخت قائــلا: ً فلتذهبـوا إلــــى الجحيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم َ.