ولأن أماكن اللهو كانت شبه معدومة في ذلك الزمان مثل ما نحياه في زماننا من راديو وتلفاز ومقاهٍ وأسواق يومية وكل هذه الثورة المعلوماتية التي نعيشها، فقد كانت لهم طرقهم في تزجية الوقت وتمضيته. فكانوا إذا ما تساقطت الأمطار وبرُد الجو، يلعبون لعبة سموها "هيه"كي تدفأ أجسامهم. وتفصيل اللعبة، أنّ أحدهم يدخل دائرة إما عن طريق القرعة أو متطوعا، والتطوع نادرا ما يكون لأن اللعبة خشنة جدا بالرغم من انتشاء الجميع بمزاولتها، فيتحلّقون حول الرجل. وعليه ألا يخرج من الدائرة الصغيرة التي رسموها له في الوسط. ويبقى يدور على ألا يرفع إحدى رجليه، فقانون اللعبة يسمح له بتحريك الأخرى كي يضرب المتحلقين حوله، حينها يخرج من الدائرة ليدخلها من أصابته ركلته. والنشوة ليست في هذا، بل حين تسمع نغمة موحدة خشنة "هيه...هيه" والضربات تنزل على ظهر اللاعب وسط الدائرة وهم يدورون حوله في حركة موزونة تزيد من غيظه.
ولأنْ لا ضجيج في قريتنا، فقد كان الجمهور عريضا.تتسع القاعدة لتشمل الأطفال الصغار الذين يؤججون الوضع بضحكاتهم وحركاتهم حول اللاعبين، وينضاف للجمع الشيوخ والعجزة، ربما لاستحضار أمجادهم وصولاتهم وجولاتهم. ثم، تتحلق النسوة غير بعيد للفرجة وهن تتضاحكن وتتغامزن فيما بينهن. والويل لمن كان زوجها ضعيفا، حين يدخل وسط الحلقة فتنزل عليه الضربات من كل جهة من أيادٍ نتنة خشنةٍ متشققة من حراثة الأرض والحفر والردم.
المسكين في الوسط لا يقدر على تحمل ذلك الألم المبرح أو المغادرة ، يئن في صمت ويتلوّى ليس من نشوته بل من الألم المتزايد الذي يعصر قلبه الصغير مع عجزه عن لمس أحدهم لأن رجليه مغلولتان لقصرهما،يكاد لا يمس أحدا منهم وإن كان يرسلهما في كل الاتجاهات، حتى لا يبقى أضحوكة وسط أهل الدوار.
وفي الجهة الأخرى تجدُ زوجته المسكينة تعيش نوعا آخر من المهانة بين النساء. فالرجال الأقوياء يؤدبون زوجها ويلقنونه دروسا في القوة وعدم تحمله رفوشهم الهاوية عليه بكل ما أوتوا من قوة، ولا تقدر على تحمل كلماتهن وإن لم تكن نابية فإنها تترك آثارا قد لا تنمحي بسهولة. ورغم علمها بضعف زوجها فهي لا تقدر أن تمنعه أن يكون من بين اللاعبين وإلا فذاك خزي من نوع آخر.