حوار مع القاصة المغربية السعدية باحدة
حاورها : عبدالله المتقي
* السّخرية السّوداء هي الدّافع الذّي يجعلني أكتب لأتخلّص من المغص
السعدية باحدة قاصة مغربية في حقيبتها كم من المهارات السردية ، يظهر هذا في مجموعتها الأولى " وقع امتداده ..ورحل " الصادرة أخيرا ضمن منشورات الصالون الأدبي ، اقترابا من هذه القاصة المفرطة في إنسانيتها ، ومن قصصها الساخرة والقصيرة جدا، كان هذا اللقاء :من هي السعدية باحدّة التي لا يعرفها أحد؟ السعدية باحدّة مجرّد(ذَرّة في هذا الأوقيانوس الكبير)،هذا الوجود الذي نشكّل من خلاله،أنا وأنتَ والسّابقون واللاّحقون ،سيرورة ذات إنسانية ،تجترُّ أحلامها وآمالها،حقيقتها وأوهامها،عبر مسار تسلسلي إلى ما لا نهاية.أنا إنسانة أصيبت منذ الدّهشة الأولى-التي رسمها في عيني العالم المحيط بي - بداء السّؤال؛عانيت وما زلت من التّناقض الصّارخ في النّفس البشرية،وفي السّلوكات،وفي الواقع..فكان الرّفض،وعدم الرّضا،وكانت الكتابة كعنف مضاد.هي عندي انفجار، صرخة ضدّ العنف الدّاخلي الذّي نقاسيه من جرّاء واقع يحركنا كالكراكيز،هي دفاع عن النّفس وتطهير لها، من الهوس والجنون والسّقوط في الاكتئاب والتّقهقر..السعدية صغيرة،رفضت اللّعب،فكانت طفولتها قصيرة جدّا،هذا الرّفض جعلها ترتكن إلى زاوية،وتقيم علاقة سرية مع الكتاب،امتدّت هذه العلاقة حتى أصبحت إدمانا لا دواء له.السعدية باحدّة،ليست الوجه الظّاهر على الغلاف،بل انفذ بين سطور الصّفحات ستجدني ،فقد( تكلّمت لتروني ).-هل تسكنين القصة القصيرة جدا أم تسكنك؟ متيّمة أنا بهذا الفنّ، أتقفّى أثره عبر المواقع الإلكترونية والورقية،ولا يمكن أن أجد كتابا قصصه قصيرة جدّا ولا أتلهّف على اقتنائه،كمن وجد دُرّة ثمينة،أفرُّ بها مسابقة الزّمن لأختلي بغنيمتي،أتلذّذ بمذاقها على مهل..متذوّقة،عاشقة بلا حدود..نهمي يزداد كلما لامست مكامن الجمال فيها ،لا أشبع أبدا..تسكنني إذن..تأسرني..تتملّكني وتصيبني بمحض إرادتي بمسّ هيام،أنا متواطئة معها فيه.-ماذا تقولين بهذه القصيصة،لها وعنها؟ -فعلا هي قصيصة،تصغيرا وتدليلا وتحبيبا،أقول بها الكثير مما يستوجب أن يقال،تلامس بنزقها الطفولي ،وشغبها المتأجّج مكمن الدّاء،فتفجّر السّؤال المكبوت الحارق الذي يستوطن الذّات،تلاعب أوتار
الحسّاسة لتعزف سمفونية،تترجم من خلالها الحلم الموؤود والصّرخة المكتومة..هي حورية تمتلك عصا سحرية تطهّر بها النّفس من الأردان،فتخرج كزفرة صغيرة ملفوفة في ألوان الطيف.
-ما سرهذه الإقامة في جزيرة القصة القصيرة جدا ؟ - صراحة ،مازلت لم أحدّد بعد مكان إقامتي،هل ستكون في جزيرة القصّة القصيرة جدا التّي تسحرني وتأسرني،أم في سهوب القصّة القصيرة التّي تجذبني وتسلبني،أم في أدغال الرّواية التي تخدّر كياني،وتمارس عليّ الغواية إلى أقصى الحدود،أم أنّني سأكون مجرّد عابرة للقارّات السّردية،أنزل متى طاب لنوارس فكري المقام..؟
أنت عضو في الصالون الأدبي..ماذا أضاف لك هذا الصالون؟ - الصّالون الأدبي بالنّسبة لي مدرسة تعلمت فيها الكثير من الأشياء الهادفة،أغنتْ رصيدي من خلال الاطّلاع على الثّقافة المغربية ،نقدا ونثرا وشعرا .حيث لم أكن أتمكّن من ذلك خارج الصّالون الأدبي،لتهميش الكتاب المغربي،وقلة مواكبته إعلاميا،الصّالون الأدبي يقوم بهذا الدّور الفعّال،ويخلق فرصا للتّواصل بين الأدباء ويشكل بالنّسبة لي "الدار الكبيرة"
-القارئ لمجموعتك"وقّع امتداده..ورحل"،تستقبله لغة صادمة ، فمن يحرك هذه اللغة كي تنتفض؟-المعاناة والمكابدة..الواقع بكل تناقضاته،بزيفه،بظلمه السّافر..الزّمن بحاضره المثقل بالهموم والمشاكل..المستقبل بقتامته..السّلوكات الإنسانية التّي تفقدك الثّقة في كل شيء..قلّة الإيمان والفراغ الروحي ..التنكر للقيم/اللاّأخلاق..الحمق الاجتماعي الذّي أصبح من ميزته الحضارية تمويه الحقائق ومناصرة الظلم..الخطّ العكسي لقانون البشرية الذّي أصبح يؤيّد العبثية واللاّعقل..قانون التّعتيم الذي يفرض اللاّتوازن..
حينها يرفض الإنسان ذاكرته/عقله طوعا ،هروبا من هذه الحرب النّفسية الهوجاء،هذا ما يجعل اللّغة تصرخ ضدّ البشاعة والامتساخ،وتحاول تعرية القبح الاجتماعي،وتفضح الواقع الملغم.
-السخرية السوداء تلف قصصك،هل هي محرضك الأساسي للكتابة؟ -النّظرة السّوداوية،سببها القلق الوجودي والتّيهان المصيري،هي ما يفرض هذه السّخرية السّوداء؛وفعلا هي الدّافع الذّي يجعلني أكتب لأتخلّص من المغص،والغصّة التي تخلفها المواقف المؤثّرة في نفسي.
- ما مصير،امتداد الرجل،والرجل نفسه؟ - امتداد الرّجل،امتداد ما زال يدبّ على وجه البسيطة،يتعثر تارة ويستقيم أخرى.
هذا الامتداد قد يكون أنا..أنا التّي أحمل اسمه،وأحمل همّه وحلمه،أمنيته أن يرى اسمي على وجه كتاب.كان يلقبني ب"الجاحظ" لأنه لم يكن يستطيع أن ينتزع من يدي كتابا لم أتممه.رغم أمّيته كان يحب الكتاب ويعشق القراءة،أقرأ له ويشرح لي ما استعصى عليّ،كان تلميذي وأستاذي في نفس الوقت،لكنّه رحل..إنّه أبي يرحمه الله.والحمد لله، لقد عوّض الرّجل الآخر غيّابه،فسار على منواله،يتفانى في توفير أسباب الرّاحة المادّية والمعنوية لي،يؤازرني،يحترم مواقفي وآرائي،يشجّعني،ويفرح لنجاحي.
ماذا لديك هذه الأيام؟ -لا أستعجل،فقط أنتظر أن أرى نصوصي من خلال عيون القرّاء،حيث سيمكّنني ذلك من تلمّس موطن القوّة والضّعف في تلك النّصوص،وطبعا كل الكتّاب يتعلّمون ويحاولون التّجديد والتّغيير إلى الأحسن.ودائما المطمح والهدف هو النّص المتميّز/الأجمل/الأنضج...