حبيبي . معصيتي الأولى و ربّما الأخيرة
من اليوم لا تكثر الدّقّ، فأنا متعبة و لن أفتح الباب مرّة أخرى لأنّي لست هنا . فعندما خرجت معك هذا الفجر البارد لم أنس أبدا أن أسد ورائي كلّ شيء، حتّى القلب المنهك. لم يكن في نيّتي أن أهزّ راحتك الصغيرة فأمامك عمر و أمامك أحلام و مهالك كثيرة عليك أن تقاومها. فأنا من زمان و أنا أشعر أني مريضة بك، بيديك و بإنهاكلتك الطّفوليّة و بتلك الأرض التي ترضعنا الدم و الخوف و كثيرا من الأسئلة المستعصية.
تركت وهران و جئت إليك للمرّة الأخيرة لتجعل منّي امرأة ولأنساك دفعة واحدة . في قلبي خيبة كبيرة من الناس المستكينين في كذبهم الدائم، قذفتني عشرين سنة إلى الوراء. أنتبه فجأة إلى هول الفاجعة ، لقد مات الذين كنت أحبّهم. من اغتيل ، اغتيل و من آثر الإنتحار فعل ذلك بدون أدنى تردد, حبيبي هل تعلم هول الفاجعة ؟ كم أريد أن أقنع نفسي بأنّ أخي مات في حادث سيّارة و لم ينتحر و لكن عبثا. أرأيت في حياتك رجلا يتزيّن و يتعطّر و يعدّل هندامه و الكرافاتة و يقبّلني على جبهتي و يقول بكلّ هدوء و يقين و هو كمن يستعدّ لأجمل موعد في حياته:
ـــ فتنة أرجوك إذا لم أعد عينك على أمّك و على الوالد فهو أكثرنا هشاشة. يحمل في قلبه موت أمّي كتهمة. يظنّ دائما أنه كان بامكانه إنقاذها و لم يفعل ذلك. و تركها تموت بين يديه. دائما يكرر: آه لو لم أسمع لها و جرجرتها إلى المستشفى الكبير.
و نسي ميمون أن يقول لي إحذري على نفسك فأنت مثل الطّين ، طيّعة و هشّة . أنا كذلك أتساءل إذا لم يكن من الممكن التمارض على ميمون لإبقائه دقيقة إضافيّة في البيت حتّى يمرّ الخطر المحدّق به. أندم كثيرا للأنّي لم أفعل ذلك. تصوّر عندما كان حيّا، لم يفعلوا الشيء الكثير من أجله وواجه الحياة في لحظات الظلام و هو يخادع قدرا كان ينتظره في الزاوية. و عندما مات ، جاء الوالي و كل المسؤولين و الوزير و كاميرات التليفزيون الوطني لتعزّي في الرجل الذي أسعد الناس مدة طويلة في آخر الليل. و عندما سحب نحو قبره و لم يعد يشرب معنا قهوة الصّباح تقول أمّي ، لم نر أحدا. كنت وقتها غلئبة عن الدنيا ، أعيش على وقع الفقدان و أتحمّل ضرب العصا من معتوه لا أدري من الذي جعله في رتبة الإمام و لا أدري ما الذي يجعل جاهلا في مكانة ليست له.
أيّها الطفل كم تحتاج من الجنون لتتفرّد عن بقيّة الخلق ؟
إنّ حبّك صار لا يطاق و إنّي لا أحتاج إلى فقهاء المدينة و لكن إليك وحدك، لليلة واحدة. الحبّ الجميل هو الذي نشتاق إليه دوما. المخاطرة فيه صعبة و لكن علينا أن نعيشه لندرك الشطط الحقيقي للمتعة .