الاشتباك مع دانتيل النص
(إضاءة ورؤية)
على ناصية حكاية مشتهاة، تتربع هاوية تفصل بين وجهي النص الادبي، أي نص؛ الاولى تتوشح بفيض لحظة الابداع وانهماراته، والثانية تبتهج بثوب المرآة وما يرغب موجهها لرؤيته من وجوه تلك اللحظة لا اقتناصاتها.
انها معظلة تلقي بهجة الدانتيل والانفعال باغراءاته... وتلك بهجة تراوغ (بفتح الواو) ولا تراوغ (بكسر الواو).
النقد الاكاديمي أسس لرؤية تلك اللحظة، الا انه لم يطور أدواته لاقتناص بهجتها في فضائها المطلق وبعيدا عن تلصص الزوايا المعتمة من مرآة الذات... ذات الناقد، بمعناها التسلطي والمتحكم (المقيم).
دانتيل النص كدانتيل حمالة النهدين او سروال الحسناء، ينفعل ببضاضة الجسد قبل ان يشف ويعكس جمالها.. وهذا ما عطل أدوات النقد الاكاديمي او اوقف حمى تفجرها في جسد النص قبل بلوغه – النص - درجة الهذيان والبوح، خارج محددات الممكن والمناسب وما يلائم وما لا يلا ئم.
(النص هو محور الادب الذي هو فعالية لغوية انحرفت عن مواضعات العادة والتقليد وتلبست بروح متمردة رفعتها عن سياقها الاصطلاحي الى سياق جديد يخصها ويميزها)، بحسب الغذامي في الخطيئة والتكفير، وهذا ما يؤكد حاجة النص الى أدوات قرائية لا نقدية تطلق سراح تحليقات بهجة الدانتيل في المخيال ليؤسس لاختراقاته وتموضعاته بعيدا عن نظر أي من ادوات الحسبة او الرقابة.
النقد بصورته الحالية يشبه القضاء الذي لا يرضي غرور الكاتب ولا طموح المتلقي، وخاصة ان الهوة كبيرة بين ما حصل من اضاءة وتثوير للمنتج الادبي في الثقافات التي اهتمت بتوليد طاقاته، كهم ثقافي اول، وبين الثقافات المتوجسة في منعرجات الاحتباس والقهر الموضعي.
رؤية المنهج النقدي المقولبة بمحددات (ما قبل فعل النص الاختراقي) صنعت هاجس (الغصة) في عمق تفكير ومخيال ولغة المبدع، لانها تريد قياد النص الى مربد الحضيرة، لا الى فضاء ومديات الاطلاق وهو – النص او العملية الابداعية : نكد بابه الشر فاذا دخل في الخير فسد، بحسب الاصمعي، و(الشر) مطلق الحراك، بالمعنى المجازي للكلمة طبعا.
(الشر) دانتيل النص وموضع تثوير فضاءاته الاغرائية واستباحاته لاستواء وجه المرآة، عندما تصر على عدم رؤية مراكز الضوء واستشعار أبجدية اشاراتها.. وهذا ما يجب ان تجاريه ادوات النقد ومناهجه: تلقف اشاراته وتفكيك بناها واعادة ضخها بشكل تقريبي، لاذبح النص وتفريق لحمه على موائد بلا صحون او خزانات التجميد المحشورة في المطابخ الضيقة. وبصياغة اخرى: مهمة القراءة اثارة الصيد لقنص المتلقين، لاقطف الصيد من فضاءات تحليقاته.. وايضا بصياغة ثالثة: هي – القراءة – محاولة عروج بالجمال في مراقي المبدع، لا النزول بالنص الى تراب الارض... عروج الى مراقي الجمال (سواء بحلمه او حلمنا) التي يولدها المبدع في زحمة تشظيه، نتفا، وهي – القراءة – ان لم تكن تجميعا فهي يجب ان تكون اشارة الى مواطن ومكامن عناصر الخلق الموجودة في النص.
الدانتيل عنصر اثارة وبهجة، والاشتباك به ضرورة تفجيرية للتوليد، سواء على جسد الانثى او في جسد النص..، واهمال عناصر الاثارة تلك تحيل حمالة النهدين الى مجرد خرقة واللغة الى مجرد أداة توصيل لا اداة تفجير وتوليد.
دانتيل النص هو بنيته الاشارية التي ينهض لايصالها للمتلقي، جنسا وتقانات وتشكيل، وهو عنصر الجذب واثارة شهوة الكشف فيه..، والنقد الاكاديمي دائما حصر جمالية الدانتيل بقمصان النوم الخارجية التي لاتشف والتي لاتلامس مواطن الاثارة، اعني ملاحقة عناصر النص التقنية وتشريحه وفق مقتضياتها، في حين ان ما يجب هو عدم الالتفات الى النصوص التي لاتكون محملة بحزمة دهش اشارية قادرة على اثارة رغبة البحث في وجدان المتلقي وتحفيزه على فعل التلقي، لا عدم توفرها على شروط وعناصر اكتمال النص من الاساس.. وتلك النصوص ، في رأيي المتواضع، لا يجب التوقف عندها لان الاجناس الادبية قد تجاوزت مرحلة طفولتها، على اقل تقدير.
"""""""""""""""""""""""
عندما لا اتمكن من فك اشارات النص فذاك جهلي انا لا قصور في الكاتب! كم من النقاد يستطيع قبول هذه المسلمة؟ ولكن ما يبقى موضع الجدل هو قدرة الكاتب على استخدام التقانات التي يقبض عليها وكيفية ايصاله لها.. فاغلب الكتاب يتوفر على خزين لابأس به مما يجب ايصاله ولكنه لا يتوفر على آليات استخدام ادوات التوصيل، وهنا يأتي دور القراءة المخلصة في اعادة كتابة النص واعادة انتاجه وايصاله للمتلقي..، والا ماغاية القراءة وهدفها؟
"""""""""""""""""""""
علينا ان نتذكر دائما ان المبدع – أي مبدع والشاعر على وجه الخصوص – يعيش حالة عزل وحبس يتراوحان بين الاختيار والاجبار، بحسب الطقس العام والبنية السيسيولوجية والقيمية للمجتمع الذي يعيش فيه، وايضا طقسه النفسي هو..، وبما ان طقس المبدع النفسي دائم التقلب – وهذا التقلب هو المسؤول عن نسج دانتيل النص ومنحه شحنة الاثارة والبهجة – فان هذا التقلب يؤرجح محاذاة الجميع، بما فيهم النقاد، لصخرة استقرار المبدع التي تتأرجح على قرن ثور اسطورة الخلق المتهالك تعبا.
هل المبدع – بحركته الدائبة – من يسعى لاخلال توازن الصخرة بقصد اسقاطها (اسقاطها ام جعلها اكثر توازنا؟!) عن قرن الثور المتعب؟ الاجابة: نعم هو بالتأكيد! ومن هنا يجب ان تكون قراءته متأنية وفاحصة، لا من اجل ايفائه حقه، انما من اجل الوقوف على اجابة السؤال التالي: اين ستستقر صخرة ثبات بنانا بعد تدحرجها عن قرن الثور خائر القوى؟ أعتقد ان مهمة قراءة النص الابداعي اضاءة هذا السؤال من زاوية جديدة، عن طريق الاشتباك العنيف بدانتيله وتمسيد خيوط نسيجه!