الحرب على غزة ستليها مواجهات دامية أخرى

الحرب على غزة ستليها مواجهات دامية أخرى
د. تيسير الناشف
.
اتسمت حرب "الرصاص المسكوب" الإسرائيلية على غزة بكثافة النيران المذهلة التي صبت حممها على سكان قطاع غزة الذي هو أشد مناطق العالم اكتظاظا بالسكان الذين لجأ قسم منهم إلى القطاع أو تحدروا ممن لجأ إليه من يافا والمجدل وأماكن أخرى من جنوب فلسطين نتيجة عن عمليات الطرد التي قامت بهافي سنتي 1948 و 1949 وأوقات أخرى عصابات الإرغون (التنظيم) وشتيرن والهاغنا.
الغلو في استعمال الآلة العسكرية المتطورة أدى إلى استشهاد وجرح آلاف السكان من المسلحين والمدنيين الأبرياء. بيد أنه لا يمكن لإسرائيل، باستعمالها هذه القوة العسكرية الجبارة، أن تقضي على إرادة الشعب الفلسطيني على تحقيق حقوقه المشروعة، ومنها الحق في إقامة دولته المستقلة مثل سائر شعوب العالم الذي يشكل الفلسطينيون جزءا منه ولو كره الكارهون.
وعلى الرغم من إطلاق آلة الحرب الإسرائيلية ضد أهل قطاع غزة الخاضع للاحتلال منذ سنة 1967 لم تنجح تلك الآلة في إلحاق الهزيمة بخصومهم.
هل النشوب المتكرر للحروب والحملات العسكرية (حروب 1956 و 1967 و 1978 و 1982 و 2006 على سبيل المثال) من جانب واضعي السياسة في اسرائيل ينم عن قبولهم لفكرة أن المصير المكتوب لإسرائيل هو مصير الدولة التي ستخوض الحروب دوما؟
ونظرا إلى أن واضعي السياسة في إسرائيل لم يحققوا في الحرب على غزة أهدافهم، والهدف الرئيسي منها هو القضاء على المقاومة أو حملها على الاستسلام أو، على الأقل، أن توجه إليها ضربة لا تبرأ منها، فإن لدى كثيرين من العرب والاسرائيليين من المحللين والمراقبين شعورا بأن هذه الحرب ليست الأخيرة، وبأن جولة الحرب الحاضرة ستليها جولة أو مواجهة دامية أخرى، وبأن بدء هذه الجولة وغيرها مسألة وقت. وهكذا تستمر الحالة تتطور على هذا المنوال.
وركون كثير من الإسرائيليين إلى اعتبار إسرائيل دولة حرب، أو دولة ستبقى تخوض الحروب تشهد عليه أيضا طريقة إدارة العمليات العسكرية خلال الحرب على قطاع غزة: الانقضاض الشامل المدمر الذي نجم عنه استشهاد وجرح وحرق آلاف من الفلسطينيين، وكثير منهم من المدنيين، واللامبالاة لدى السلطات الإسرائيلية بنشوء الصورة السلبية عنها على الساحة العالمية. (وينبغي الا يُفهم من هذا الطرح أنه لا توجد أسباب أخرى للشمول والتدمير اللذين يتصف الانقضاض الإسرائيلي بهما). من المفيد للطرف القائم بالهجوم الا يتصف هجومه بالقسوة الفتاكة المدمرة التي تقضي بعد انتهاء الاشتباك على إمكانية التوصل إلى تسوية ما بين الطرفين.
إن الحروب الكثيرة المتواترة التي تخوضها إسرائيل وطريقة السلوك التي لا تدري الحكومات الإسرائيلية بها أن تتكلم اللغة الدبلوماسة تدلان على فشل تلك الحكومات في السلوك كدولة معيارية، أو كدولة ذات معايير على المستوى العالمي. بمراقبة الأحداث التي جرت وتجري على الساحات المحلية والإقليمية والدولية لا يمكن للمحلل من الإفلات من الحس بأن مواجهة دامية أخرى في المنطقة قادمة.