عمرو خالد …. خطاب السطحية و سطحية الخطاب
فوزي الديماسي / تونس
جريدة الحقائق ” الحقائق الثقافية ”
نافذة ” الإتجاه المشاكس ”
القرآن كتاب منزّل على الأحياء ، و يبشر بالحياة ، كتاب يفتح في الراهن عبر قنوات الاجتهاد أرضا خصبة على الممكن و المتعدد في نظم العيش و طرق تسيير شؤون الناس في المعاد و المعاش و طرق تصريف شؤونهم حسب العصر و متطلباته بعيدا عن حديث الاختزال و التسييج و التحنيط .
النص القرآني نصّ يقوّم الباطن و يزكي الظاهر للاقتراب من النموذج الإلهي – الخليفة - و هذه الأيام من زاوية الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر طفت على السطح الإعلامي المرئي عدة برامج دينية تعنى فيما تعنى بالسيرة النبوية العطرة و سيرة آل بيته و أصحابه الأخيار من قبيل * على خطى الرسول * للداعية عمرو خالد ، و هذه البرامج على جماهريتها لم تستطع التأثير في الواقع الموبوء و لو قيد أنملة نظرا لسطحية خطابها ، و بالتالي لم تستطع صقل الناس و تزكية اعوجاجهم و فرض استتباعا لذلك النموذج القرآني – الخليفة- إذ للخلافة كما صورها النص القرآني مناخاتها و أسسها و معا لمها التي نفتقد أغلبها اليوم و نجهل أغلبها نتيجة الفراغ المعرفي الرهيب المتلبس بأدبياتنا الدينية و خطابات من نصبوا أنفسهم هداة .
خطابات تلفزيونية لا تسمن و لا تغني من جوع نظرا لسمتها التعويمية و تسطيح مشاكل الراهن و قضاياه المحورية .
فاليوم في زمن القطب الواحد و عولمة العالم و فرض النموذج الرأسمالي القائم على ثقافة الفرد و الربح المادي الباذخ و السريع مازال علماء المسلمين و دعاتها يفصلون في قضايا ثانوية و هامشية من جنس – نوا قض الوضوء و برّ الوالدين و الصدقات … – في حين أن الرسالة القرآنية المغيبة في هذه البرامج أعلى و أرفع و أعمق من ذلك بكثير ، و دعاتنا هنا مثلهم كمثل من يقرأ على ميّت آيات تتحدث عن الطلاق .
فأن أتتبع برنامجا لعمرو خالد يصف فيه بالصوت و الصورة غزوة من غزوات الرسول و يمسرحها ، فهل في ذلك منفعة للمتلقي المشحون بأسئلة حارقة ؟ و هل تجيب مثل تلك البرامج عن مآزق حضارية و ثقافية و سياسية و معرفية يعيشها اليوم الشارع المسلم المفتوح على عدة رؤى و مواقف تصل إلى حدّ التباين و على قراءات متنوعة منها الاختزالي و منها التجزيئي و منها التكفيري و منها الإقصائي حتى بات القرآن فرآنات و السنة سنن ، ورغم الخطر الذي يتهدد الأمة مازال دعاتنا ينظرون للواقع من خلال كوّة التاريخ في نظرة تتسم بالإختزالية و القفز على الواقع و مجانبة المشاكل الحقيقية المعيشة ، فالتاريخ و قراءته للإعتبار و استخلاص العبر لا للتعويض النفسي كحديثهم عن غزوة خيبر و الواقع اليوم أن الإسرائيليين يقتلون أبناءنا وهم المنتصرون فهل حديثنا عن انتصار الأمس سيعوضنا عن هزيمة اليوم ؟ و هناك عديد القضايا الجوهرية الأخرى المتروكة للصمت و التهميش .
فقضايا التعليم و حرية التعبير و علاقتنا بالكيان الصهيوني و الإرهاب الفكري والإنتهاك البدني المنتشر اليوم في جسد الأمة ينخر دولا وقرى و مدنا باسم الطائفية و العرقية و الحزبية ، فهل تحدث عمرو خالد و من شابهه و من لفّ لفّه و من اتبعه عن سبب تخلف الأمة معرفيا و حضاريا و سلوكيا و قام بتشخيص الداء و طرق علاجه من خلال سيرة النبي و القرآن و العلماء ، و بالتالي هل كانت قراءته للتاريخ قراءة اعتبارية لا قراءة تمجيدية تحنيطية و قراءة حفرية على الطريقة الهايدغرية نسبة للفيلسوف هايدغار ، فهل من المعقول أن نناقش اليوم مسألة معاصرة مثل العنف أو الزنا أو الرشوة أو المحسوبية من خلال سيرة عمر بن الخطاب و طرق تعامله مع هذه الفئة من الأسئلة ؟ إنه عين الخطأ لأن زمان الخطّاب زمان مغاير لزماننا على جميع الأصعدة ثقافيا و اجتماعيا و معرفيا.
فالخطاب الديني في القنوات الفضائية اليوم مع الاستثناء طبعا بقي خطابا وعظيا إرشاديا لا يكاد يلامس من قضايا الأمة إلا سطحيّها دون المساس بأمهات القلاقل من جنس تفشي الجريمة : الأسباب و الحلول ، تفشي التقاتل الطائفي ، انهيار الأمة ثقافيا و علميا مقارنة بأمم لا تتجاوزنا في شيء مثل الصين و اليابان