رواية "جراح الروح و الجسد " للمغربيّة مليكة مستظرف
فوزي الديماسي / تونس
جريدة الحقائق
تنطلق الرواية بجملة مفتاح ، مثّلت محور النص برمّته ، و فاتحة للسرد اللاّحق " حاولت مرارا أن أبدأ ، كنت أحمل قلمي .. أوراقي البيضاء ، منزوية في ركن الغرفة أمرر القلم على ورقتي بطريقة عشوائيّة ..مسرحة أفكاري بعيدا في ذلك الماضي البعيد .." هذه الجملة أعلنت عن تدفق نص استرجاعيّ ، زمنه الماضي البعيد على حد تعبير الراوي و مكانه مغلق ، فالإنغلاقيّة صفة رافقت النصّ في نقطتيه أي نقطة البداية " الغرفة " و نقطة النهاية حيث انتهى النصّ في قاعة المطار ، و بذلك عاش النصّ تقوقعا و أحداثا دائرية كشفت عن نفسيّة منطوية و منكسرة ،
صوّرها الراوي على امتداد السرد المسيّج بذات منهارة اكتنفها الانهيار من بداية السرد إلى نهايته و قد دلّ على ذلك الموقع الذي اتخذه لنفسه الراوي من زاوية الرؤية " الرؤية المصاحبة " فبين الغرفة نقطة البداية و المطار نقطة النهاية راوح صوت الراوي بين انكسار و آخر ، اختزلت الانكسارات مجتمعة كلمة " الغدر " و الحوار الداخلي في " جراح الروح و الجسد " مثّله الراوي بجمله القصيرة التي تلعب دور نافذة على مناطق السقوط التي عاشتها الشخصية و بقيّة المتحركين معها في فضاء السرد ، و قد صاغت هذا العالم لغة متواضعة في جملتها تغلب علبها لغة خالية من المقوّمات التي تجعل منها لغة أدبيّة ، و بذلك خرج علينا النص في زيّ لغويّ ممزّق ، مرقّع ، فاللغة التي هي علاوة على أنها أداة تواصل فهي أداة جماليّة في الأعمال الأدبيّة ، و قد كانت على امتداد النص غائبة غيابا بارزا شأنها في ذلك شأن منطقيّة الأحداث و ترابطها و كذلك علاقة الشخصيّات ببعضها حيث كانت العلاقات مبنيّة بطريقة هشّة و ساذجة "فجوزيان " زوجة " قدور" مثلا في أول لقاء لها بشخصية النص المحورية اقترحت عليها مرافقتها إلى فرنسا و إحداث جمعيّة تعنى بأبناء الحرام على حد تعبير الراوي .
نسج العلاقات في النص كان موكلا للصدفة و اللامنطقيّة ، و هشاشة البناء لم تطل بناء علاقات الشخصيات فحسب و إنما طالت التراكيب اللغويّة التي كانت تغلب عليها التراكيب العاميّة كقول الراوي " قبل أن تصل سنّ الرشد و الخطاب يقفون على باب بيتها طوابير " و لغة يقال " يقفون بالباب " و لغة يقال " تبلغ سنّ الرشد " و كذلك في قوله " فتحت الباب ، توقعت أن أجدها نائمة على سريرها ، لم تكن متواجدة " و التواجد لغة من الوجد و كان أحرى به أن يقول " موجودة " و قوله " يكفي تمثيلا ، لما هذه الدهشة المرتسمة على وجهكما " و الأسلم لغويّا في باب الرسم " لم " و ليست " لما " كما وردت في النص ، ففي صيغة سؤال ترسم " لما " / " لم " شأنها في ذلك شأن " عمّ يتساءلون" و قد كثرت الأخطاء اللغويّة و أخطاء الرسم و الأخطاء جمّة في باب حروف الجرّ كقول الراوي " لم نجتمع منذ زمن طويل على صينيّة شاي " و الأسلم لغويّا أن يقال " حول " ، كما أثقل كذلك النص بمقاطع سرديّة غير وظيفيّة مما أثقلت العمل و أصابته بالترهّل و الانتفاخ المجانيّ و لا تساهم بأيّ شكل من الأشكال في التقدم بسير الأحداث و إنما هي مواقف و رؤى أرادت الكاتبة أن تحشرها عنوة على ألسنة شخوصها لتوقفنا على هول ما تعانيه الأنثى / الجسد ( الرغبة) من قلالقل تتعرض لها منذ الصغر من قبل المارد / الذكر و نورد هنا من الأمثلة حكاية بشرى الشخصيّة الهامشيّة و المترددة على الحانة ، و ممّا زاد في تشظّي النص التقاطع الكامن بين القائل و المقول أي بين الملفوظ و الشخصيّة المتلفظة به كذلك المقطع السردي الذي تعتذر فيه الأمّ لإبنتها و هي في لحظة احتضار " سامحيني على كلّ ما فعلته لك في الطفولة ، أنا أميّة لا أفهم في أصول التربية " فكيف لهذه الأمية إدراك الفارق بين التربية السليمة و التربية الخاطئة و الحال أنها امرأة أميّة تتردد على منازل العرّافين و المنجّمين ، و كيف ذلك و هي امرأة تعيش القيم الجمعيّة حد النخاع ، القيم المنبثقة من مجتمع موغل في بطركيّته ، متمسّك بذكوريّته .
إنّ " جراح الروح و الجسد " عمل هشّ في جملته من وجهة نظر لغويّة و جماليّة ، و من زاوية تقنيّة يعد نصا جنينيّا لم تكتمل صورته بعد لما فيه من سقطات حفّت بالمبنى و التراكيب و هذا ما يفسّر كثرة الاستطرادات غير الوظيفيّة مثل حكاية البنت في الصغر ( أي الشخصيّة الرئيسيّة ) و ممّا مثّل حشوا أصاب العمل بالترهّل و الانفتاح كذلك التطوّر المفاجئ للأحداث مثل لقائها مع جوزيان آنف الذكر ، فقد كان لقاء باردا و لا تعكس أحداثه حقيقة العلاقة بينهما .