" يؤنثني مرتين " للتونسية آمال موسى
فوزي الديماسي/ تونس
تعد العتبات في التعامل مع النصوص الإبداعية دربا من دروب الكشف عن مناخات النصوص و تفاصيلها، شأنها في ذلك شأن النص / المتن، فعنوان أي عمل و الإهداء و العناوين الفرعية هي أشياء من صميم النص تبوح بما يريد النص الإفصاح عنه، فهي بشكل أو بآخر تعتبر الطريق الملكيّ لقراءة النص إذ أنها نص يعاضد النص / المتن.
و مجموعة التونسية آمال موسى الموسومة بعنوان " يؤنثني مؤتين " توحي بنرجسية أنثوية صاخبة نستشفها من بنية العنوان الرئيس بدءا، فعنوان المجموعة الشعرية تركيب إسنادي فعليّ و الجملة الفعليّة هي إحالة على الحركة و الصخب
و عدم الاستقرار على حال بمعنى إنها دلالة على الحياة و انطلاقا من بنية الجملة النحوية يمكن أن نجزم بأن الديوان زاخر بالحركة و الحياة و الفعل، هذا من جانب .
النرجسية الأنثوية تطرح نفسها بقوة منذ البداية و لعلّ القرينة اللفظية الدالة في هذا الصدد المفعول المطلق " مرتين " المرتبط بفعل التأنيث، إذن فالعنوان هو احتفالية صاخبة بفعل التأنيث و ممّا يدللّ على احتفاليّة الأنثى بأنوثتها تصدير المجموعة المشار إليها حيث تقول الشاعرة:
لصالح من
يتفتّت كلّي
فأصبح بعضا يصلّي
و بعضا يشوّش على من يصلّي...
هذا التصدير هو أبيات للشاعرة نفسها مقتطعة من ديوانها السابق " خجل الياقوت"
و هذه العتبة تحكي انشطار الذات/ الأنثى إلى نصفين متكاملين متنافرين من نفس الجنس في دائرية منغلقة على ذاتها تحيل على نرجسية صوفية تثبتها تركيبة الجملة في هذا الديوان.
فعشق الأنثى لذاتها و احتفاء نصف أنوثتها بنصف أنوثتها الآخر تؤسس له بنية الجملة حيث تحتلّ الأنثى جلّ المحلاّت النحويّة في نفس الجملة فهي الفاعل
و المفعول به في الآن نفسه، فهي المنطلق و الأداة و المنتهى على طريقة الكوجيتو الديكارتي القائم على مثلث الذات ( الذات الفكرة / الذات الأداة/ الذات الغاية)، فعشق الأنوثة لأنوثتها يخيّم بظلاله على ردهات الجمل في الديوان على غرار
" أعود إليّ " و " أقسم أني لن أروم غيري " و " يفصل بيني و بيني " و
" أسمع صورتي ترددني " و : لازلت أتوسّلني " .. .. فوله الأنثى بنفسها سمة ديوانها من أقصاه إلى أقصاه، حيث تتغنّى الذات/ الأنثى بذاتها/ الأنثى في جدليّة عشقيّة حلزونيّة بحيث تغيب الأنثى في ذاتها / الأنثى فتستحيل هي ذاتها و ما يؤكد هذا المناخ المشحون بصوفيّة مونثة هي تلك السجلاّت أي سجلاّت القول الصوفي من قبيل:
من وقع في غيره
كمن تهاوى
من الثريّا في ليل غاسق
و من أدرك في عناصره الحلول
كمثل من قطف النجوم عند قرن الشمس
و قدّ عرشا بخاتم الملك
و مما يجعل قولنا لا يجانب الصواب في نعت هذا التألّه الأنثويّ أو هذه النرجسيّة المجحفة بالصوفيّة و قد أسميناها بالصوفية المؤنثة هو تلبّس المرجعية الصوفيّة بعديد الأبيات و القصائد و يبدو ذلك جليّا في الاستناد إلى مفاهيم هي من صميم الفكر الصوفيّ من جنس ( الحبيب/ مريدة/ توحد...) هذا من زاوية العتبات أو العناوين الفرعية و يؤكد ذلك كذلك قول الشاعرة :
يا التي تسلّلت كما الشهوة من أناملي
كلّ ما فيك عزيز و باسق
دع قلبك فارغا
فلا فارس
يليق بصولاتك
غير الله
إلاّ أنّ صوفية هذا الديوان ليست كالتي عهدنا في كتب الأوّلين و إنّما هي حلول الذات في ذاتها و اتحاد الأنثى بأناها في علاقة عشقيّة موغلة في " الأنا " و تصبح الأنا المحور و ما عداها أطراف إنها كوبرنيكيّة أنثويّة مقلوبة سمتها الحركة و الحياة و هذا ما يفسر كثرة استعمال الجمل الفعليّة من نوع ( ألوذ.. / أنتشي ../ تسللت../ أسرجت..) .
ديوان " يؤنثني مرتين" للتونسية آمال موسى ديوان تحتفي فيه الأنثى بأناها بلغة سمتها الحركة و صفتها التلبّس بسجلّ العشق و اللذّة.