فتحية الهاشمي الادارة و التنسيق
عدد المساهمات : 1899 تاريخ التسجيل : 23/01/2008
| موضوع: نصللكاتب سهيل اليماني 12/1/2009, 19:22 | |
| . . كنت أفكر في كتابة شيء ما فوجدتني أتحدث عن قصة .. اكتملت الشخوص في ذهني ولكن دون مكان ، ووجدتهم في الجوار يتحدثون عن المسموح وغير المسموح في الأدب .. وهل قلة الأدب تنفع أن تكون أدباً أيضاً ؟! ، فعبارة " قلة أدب " لا تعني انتفاء الأدب نهائيا عن الشيء المنعوت بهذا الوصف ولكنها تعني فقط انخفاض منسوبه .. ليس إلا ! كنت أنتظر أن ينتهي الحوار إلى نتيجة ، لأني في حقيقة الأمر أريد ان يكون المكان الذي سيحتوي شخوص قصتي هو "غرفة النوم " ! ومكان كهذا لاشك أنه مليء بالخطوط الحمراء ..! وكنت أتمنى من الأخوة المتحاورين في هذا الموضوع ـ أعني موضوع الأدب ـ أن يصلوا إلى نتيجة أنه لا ضرورة لهذه الخطوط وإنها إن وجدت فلن توجد إلا في عقول مريضة مرتابة شكاكة ليست كعقلي بكل تأكيد الذي يعاني من زيادة في الانفتاح إلى درجة يصعب فيها السيطرة على محتوياته ومنع الآخرين من السطو عليها وهذا ما يفسر بطبيعة الحال عدم وجود أية شيء بداخلة ! على أية حال .. كان التفكير في كتابة قصة تدور كل أحداثها في غرفة النوم أمر يشغل كل جوارحي ، ولكني لم أجد مدخلاً لكتابة هذه القصة ..! بدأ اليأس والنوم يتسللان سوية إلى عقلي الفارغ والمنفتح جدا ..! نظرت إلى ساعة على الحائط التي ليس لها أية وظيفة إلا إخباري بشكل مستمر ومستفز أني متأخر ، كنت أحلم ـ ولا زلت ـ أن أنظر إليها يوماً ما ثم أقول : جميل لازال هنالك متسع من الوقت ! ولكن هذا لم يحدث !
حين نظرت إلى الساعة تلقيت رسالتها بشكل آلي ، وهي أني متأخر ، أما عن ماذا تأخرت فهذا أمر لا يهم ولم أشغل نفسي به يوماً ! المهم أني متأخر وكفى ! حين أتلقى تلك الرسالة الوحيدة من تلك الساعة البلهاء بأني قد تأخرت تكون ردة فعلي التلقائية هي التثاؤب ، والتثاؤب ليس إلا ممارسة احتقار متبادل مع عقارب الساعة !
نمت .. وكانت هذه خطوة مهمة في سبيل حدوث أمر أغرب من أن يصدقه أحد ! حلمت ، وكان هذا أيضاً ارتكاب أمرٌ كان مجرد التفكير فيه أو " الحلم " به أمر يشعرني أني مطوب أمني لكل مخافر العالم ! أجمل ما في الحلم أننا في لحظة ما لا نعلم أن الأمر مجرد حلم ، نصدقه ونتعايش معه وكأنه حقيقة ثم إن الحقيقة نفسها أمر " هلامي " لا فرق بينها وبين ما نمارسه في أحلامنا أو كوابيسنا !
رأيتها ، هي نفسها .. أذكر أني كنت طوال الحلم مذهول لا أصدق أن هذا يحدث " حلماً " .. كيف أتت في هذه اللحظه ؟! لماذا لم أفكر بها منذ مدة ؟ كم سنة مرت منذ آخر مرة ألتقيتها بها ؟! سألتني بلهجتها المتهكمة : وينك يالدب ؟! أشعرتني كلمة "الدب" بنوع من الانتشاء وهي على كل حال لم ترني منذ مدة ولم تعلم أني قد أنقصت وزني وأصبحت رشيقاً ! نظرت إليها وأنا لازلت غير مصدق أنها هي التي أمامي وأجبت : أنتي اللي وينك يالزرافة ! سألنا بعضنا الكثير من الأسئلة وبطريقتنا في الحوار ، كنت أنا وهي صائعين وداشرين وكانت ألفاظنا سوقية في الغالب ..
في الحقيقة لسنا الوحيدين الذين نعبر عن محبتنا بألفاظ ليس لها مبرر ـ وهذا استطراد خارج الحلم ـ فأحد الأصدقاء إذا أراد والده أن يسأل عنه ويبين شوقه ولهفته لهذا الابن الضال فإنه يقول له : كيف حالِك يا كلبة ؟ والتأنيث هنا ليس إلا إمعان في التدليل ! أما والدي فكان يكتفي بأن يقول لي : يا بهيمة ، دون تحديد لنوع هذه البهيمة ، ويترك لي حرية الاختيار لأننا نعيش في جو أسري ديموقراطي إلى حد ما! أما أصدقائي الذين ينحدرون من أسر تمارس الديموقراطية بشكل أكبر فإن آباؤهم ينادونهم بـ " ياحيوان " وهذا لاشك أنه يعطي مجلاً أرحب وأوسع للاختيار !
وأعود للحلم الجميل .. حيث كنت أتحدث معها وأسألها عن أخبارها وأين ذهبت بها الدروب ، وأحاول جاهداً أن أتذكر فقط كيف افترقنا ! بدا لي للحظات أني أصبت بفقدان مؤقت للذاكرة ، فكيف لم أفكر فيها كل هذه المدة ! لكنها كانت على عجلة من أمرها .. كانت تنظر إلى ساعتها ، وحين كانت تفعل ذلك كنت أفكر في التثاؤب ثم أتذكر أني نائم ولا ضرورة تستدعي تثاؤبي أو احتقاري لساعتها ! قالت لي : لن تفلت من يدي هذه المرّة ، ولكني الآن مشغولة بأمر سأخبرك به حين نلتقي هذا المساء ! قلت وأنا لن أدع هذا المساء البغيض يذهب دون أن ألتقيك ! اتفقنا على اللقاء .. سألتها إن كان رقم هاتفها لازال هو نفسه القديم ، فأخبرتني أنها غيرته ، وأعطتني الرقم الجديد ! وقبل أن أودعها صحوت من النوم وكل تفاصيل ذلك الحلم موجودة في ذهني ! تذكرتها بالفعل !! وسألت نفسي ذات الأسئلة التي سألتها وأنا أحلم ! لماذا لم أفكر فيها كل تلك المدة ! نظرتُ إلى الهاتف وفكرت في الاتصال بها على نفس الرقم الذي أعطتني إياه عندما كنت أحلم ! ثم نظرت إلى الساعة واكتشفت ـ كالعادة ـ أن الوقت متأخر ، كانت الخامسة فجراً وهو على كل حال ليس وقتاً مناسباً للاتصال بشخص لم أره منذ أكثر من عشر سنوات إلا في حلم لم أحتفظ بنسخة منه !
أجلت موضوع الاتصال إلى وقت لاحق ، ولأني لا أثق في أحلامي فقد كتبت الرقم الذي أعطتني إياه على ورقة وعدت لأكمل نومي ! ربما عدت للنوم حتى ألتقيها مجدداً وليس لرغبة في ترك اليقظة !
ذهبت إلى العمل وفي الطريق تذكرت الحلم والهاتف والحبيبة ! كان حلماً بالفعل ! هذه الشخصية غير موجودة من الأساس ، ولا أعرف أحد بهذه الدشرة الجميلة ! شعرت بالإحباط ، واليأس ! ثم تذكرت الرقم ، وأني كتبته على ورقة ، فعدت إلى المنزل ، كنت أخشى ألا يكون هناك رقم وأن يكون هذا مجرد إحباط جديد .. ذهبت إلى سريري ووجدت الورقة ووجدت الرقم مسجل عليها بالفعل ! إذاً فلم تكن شخصية وهمية ، فكيف يمكن لأشخاص غير موجودين أصلا أن يأتوا إلى أحلامنا ، ثم يعطوننا أرقام هواتفهم إمعاناً في إثبات وجودهم ! ترددت في الاتصال .. ماذا سأقول لمن يجيب على الهاتف ؟! إن أجابت على الهاتف وسألتني من أنا ، هل أقول أنا الذي كان معك في الحلم ليلة البارحة ؟! هل حلمت هي أيضاَ ؟ هل أعطيتها رقم هاتفي في الحلم ! كل ذلك ممكن جداً ... إذن سأتصل ..! اتصلت وكان الرقم مشغولاً ! حاولت أكثر من مره وبدات أشعر بشيء من الغضب والغيرة ! بدأت اقتراحات الشيطان تظهر على هيئة اسئلة ، لمحت الشيطان يسخر مني وهو يقول بابتسامة خبيثة : ربما كان حلماً جماعياً ، ثم يغمز بعينه الوحيدة ! كررت الاتصال .. وأخيراً .. سيجيب أحد على هذا الهاتف اللعين ! الأمر لن يتعدى ثوان وسيكون حلمي الغريب أقرب للحقيقة ! وأتى الصوت من الطرف الآخر : مطعم أبو نواس مرحبا ! مطعم ! وأبو نواس ! لم أكن في لحظتها سوى جبل من الاحباط يمسك بهاتف ويتحدث مع عامل مطعم ! لم أرد فكرر العبارة : مطعم أبو نواس مرحبا ! وكأنه يمعن في إغاضتي ! قلت له : السلام عليكم .. شعرت أن الكلمات تخرج من فمي وهي تلتفت ورائها ، كانت خائفة من برد الحقيقة ! وبعد ان رد السلام سألني " شو بتؤمر ؟ " .. سألته : متأكد إنكم مطعم ؟! لم يجب وأغلق الخط !
كان الأحباط كافياً لكي أعدل عن كتابة قصتي ، بل لأتجنب الدخول لغرفة النوم ناهيك عن أن تكون مكاناً يلتقي فيه شخوص تلك القصة ! لم يعد يهمني الآن إن وصلوا إلى نتيجة في حوارهم عن الأدب ولا عن حدوده وجغرافيته ، فأنا محبط بما يكفي لعدم ارتكاب أية فعل له علاقة بالأدب أو بقلّته !
وعلى الحلم نلتقي ! النص مأخوذ عن منتديات الساخر لكاتبه سهيل اليماني
| |
|