في سبيل بناء مجتمع مدني
سامي البدري
توطئة تاريخية عامة
"""""""""""""""
تاريخيا ،تعود اولى خطوات المجتمع الانساني باتجاه رفض الحكم المطلق والسعي لتكريس الحكم المدني المصان بالدساتير والشرعات القانونية الى بدايات القرن السابع عشر .وقد تمثلت تلك الخطوات بمجموعة الافكار والنظريات السياسية التي مهدت لمجموعة الثورات في اوربا ضد الحكم المطلق المدعوم بالحق الالهي من قبل الكنيسة لملوك اوربا .ففي بريطانيا جاءت اول شرارة على يد الفيلسوف توماس هوبز (1588ـ 1679) والفيلسوف جون لوك (1632ـ 1704) وهما من وضع اول افكار ورؤى الحكم المدني في كتابيهما ، وعلى التوالي : (في المدنية ) و (في الحكم المدني )وقد احتوى كتاب جون لوك (في الحكم المدني ) اول نقد للتسلط والحكم المطلق في ظل غياب القانون اذ يقول : (ان القوة المستبدة ،غير المشروعة ، هي وحدها التي يجوز دفعها بالقوة .وان الشعب ـ أي شعب ـ الذي اضطهد باطلا سوف يهب عند اول فرصة تسنح له ليطرح العبء الذي يثقل كاهله ) . وقد اكد لوك على الحق الطبيعي للبشر في الحرية والمساواة والاستقلال وحق الدفاع عن هذه الحقوق وعدم الخضوع لسلطة أي انسان آخر دون موافقته . كما اكد على حق تحديد سلطة الحاكم عن طريق القوانين التي تحفظ للانسان حقوقه وحريته وكرامته اذ يقول : (كل انسان حر بالطبع وليس بوسع اية قوة ارضية ان تسخره لها دون موافقته). واذ لايمكن انكار اثر هذين الفيلسوفين في جهود الفلاسفة والمفكرين الفرنسيين ،فان جهود مونتسكيو وفولتير وجان جاك روسو في ارساء قواعد الحكم المدني ومكافحة التعصب والتأكيد على حق الانسان في الحرية الفكرية ، كانت جزءا مكملا لجهوديهما ، وخاصة فيما يتعلق بصيانة حقوق الانسان والحريات المدنية والمساواة بين البشر. والى جهود هولاء المفكرين ومن تبعهم من مفكري وفلاسفة القرن الثامن عشر ،يعود الفضل في اشاعة مفاهيم العقل النظري (النظرية العقلية) التي احدثت ثورة العقل البشري التي حطمت اغلال الاستبداد ، وفرضت على ملوك اوربا اولى شرعات الحقوق المدنية وحرية وحقوق الانسان وصيانة الكرامة الانسانية ،كقانون
(الهابياس كوربيس habeas corpus ) الذي اصدره البرلمان البريطاني عام 1679
وفرضه بقوة الشعب على الملك شارل الاول ،والذي ركز على حماية حقوق المواطنين وحرياتهم ضد التعسف وجور الاعتقال الكيفي وتوفير الحماية القانونية للمعتقلين في حق الدفاع عن انفسهم امام اجهزة القضاء المستقلة عن سلطة الملك (السلطة التنفيذية)،وحمايتهم من التعذيب والتنكيل والاحتجازغير القانوني في حالة عدم توفر ادلة الادانة .وبعد عشرة اعوام (1689 ) ألحق البرلمان البريطاني بـ (الهايباس كوربس) وثيقة (شرعة الحقوق الشهيرة ) التي تخصصت في تقييد سلطة الملك ووضعت النهاية الحقيقية للحكم المطلق في بريطانيا وقيدت سلطات الملك ـ الملكة ماري حينها ـ وفرضت عليها احترام القانون وسلطة المجلس التشريعي (البرلمان) ، حيث ألغت الصلاحيات التي كانت تتمتع بها الملكة ماري في تنفيذ وتعليق القوانين ، وعدتها غير شرعية اذا لم تحظ بموافقة البرلمان . كما نصت الشرعة على ان تكون انتخابات اعضاء البرلمان حرة ومستقلة . وبعد حرب الاستقلال الامريكية ضد الاستعمار البريطاني واعتراف معاهدة فرساي باستقلال الولايات المتحدة الامريكية ، اعلنت ولاية فرجينيا وثيقة الحقوق التي صاغها كل من توماس جفرسون وبنيامين فرانكلين وجون ادامز ، والتي اعتبرت الحريات المدنية والانسانية من البديهيات التي لاتخضع للنقاش او المساومة ،كحق المساواة وحق الحياة والحرية والسعي لنيل السعادة . وفي دستور عام 1787 ،اكد آباء الدستور الامريكي ان حقوق الانسان هي حقوق طبيعية سابقة على قيام العقد الاجتماعي وغير قابلة للتصرف وليس من حق أي سلطة او نظام المساس بها (منع أي سلطة من تعليقها او حتى تنازل أي فرد عنها).ومن اللافت ان تكون اولى مواد الدستور الامريكي بحق السلطة التشريعية (الكونكرس) نفسها ،والتي حظرت عليه سن أي قانون ينص على اقصاء اية ديانة او لتحريم اقامة شعائرها بحرية كاملة.كما حظرت عليه ـ الكونكرس ـ سن أي قانون يحد من حرية الكلام والصحافة وعقد الاجتماعات السلمية ومطالبة الحكومات المنتخبة بالعدل والمساواة عدم الظلم. اما المادة الرابعة فقد نصت على منع انتهاك حرمة الشعب وعلى تأمين المواطن في شخصه وبيته واوراقه وتصرفاته. وجاءت المادة الخامسة لحماية المواطن من الاعتقال التعسفي ،حيث منعت هذه المادة سجن المواطن في اية جريمة الا بمشهد او اتهام من المحلفين الكبار. اما الثورة الفرنسية التي اندلعت في الرابع عشر من تموز 1789، فقد اصدرت في 26 آب 1789(اعلان حقوق الانسان والمواطن) الذي تميز عما سبقه من شرعات وقوانين بدقته وشموليته لكافة الحقوق المدنية والانسانية والحريات العامة. واذ كفل (اعلان حقوق الانسان والمواطن)جميع حقوق المواطن وحرياته ، كحق الحياة الحرة الكريمة وصيانة الكرامة الانسانية وحق العمل والعيش برفاه وسعادة وحق الامان وحق ابداء الرأي والكلام وحق المعتقد وتشكيل النقابات والجميعيات والتظلم ، فانه نص في مادته الثالثة على مبدأ ان تكون الامة مصدر السلطات وان لايحق لاي فرد او هيئة ممارسة أي سلطة غير صادرة عن الامة ، الامر الذي وضع حدا للطغيان والتسلط والسلطة المطلقة (سلطة الحق الالهي) التي كانت السبب الاول في طغيان لويس السلدس عشر واستبداده. من نافلة القول ان نذكر ان شرعات وقوانين الدولة المدنية وحقوق الانسان انما جاءت بعد طول معاناة واضطهاد تفوق حدود اضطهاد واستبداد الانظمة التي نعيش ظلمها وجهلها واستبدادها اليوم. وكذلك فان هذه المعاناة قد رفدها وعي حقيقي بقيمة نتائج المجتمع المدني الديمقراطي ،كتداول السلطة والمؤسسات الدستورية والديمقراطية التي تمنع الحكومات من العودة الى ممارسة الدكتاتورية.
مدخل تاريخي للمجتمع المدني في العراق
""""""""""""""""""""""""""""""""
ذات يوم من عام (1982) سألني احد علماء الاجتماع المصريين : لماذا نحن متخلفين؟ فاجبته ببداهة : لأننا نفتقر لمرجعية ثقافة المدنية لاساليب حياتنا اولا، ولادوات ومؤسسات المجتمع المدني ثانيا . واذ اعود اليوم لمناقشة اجابتي تلك فانني اجد اننا في العراق مثلا قد انفقنا مايقرب من (37) عاما من تاريخ تاسيس الدولة العراقية الحديثة (بدأها الملك فيصل الاول عام 1921) على قواعد المجتمع الاهلي (عشائري ـ قبلي) بالدرجة الاولى ، ولذا فانها لم تؤسس ـ من الناحية العملية ـ للمرجعية الثقافية الحقيقية للحياة المدنية الفعلية في حياة المجتمع العراقي الذي رزح مايقرب من خمسة قرون تحت هيمنة وتسلط الاستعمار العثماني ، وخرج من ذلك الاحتلال ليجد نفسه تحت استعمار جديد (الاستعمار البريطاني)الذي عمل على تضييع الكثير من فرص تاسيس بنى المجتمع المدني ،عن طريق حالة عدم الاستقرار السياسي التي صبغت تلك المرحلة من تاريخ العراق . من جهة اخرى فقد كانت حالة عدم الاستقرار تلك سببا رئيسيا في عدم صبغ دولة مرحلة التأسيس تلك بصبغة او توجه ايديولوجي محدد وموجه ، اذا ما استثنينا التوجه القومي لبعض ساسة تلك المرحلة ،والذي جاء كرد فعل على سياسة التتريك (الطورانية) التي انتهجتها الدولة العثمانية تجاه الهويات الثقافية لمستعمراتها في المشرق العربي على وجه الخصوص . وهذا ما ساعد على تأسيس نواة مؤسسات الدولة والمجتمع المدني على اسس غير مؤدلجة ؛ الامر الذي مهد لاشاعة ثقافة ـ على بساطتها ـ المجتمع المدني المستقلة وغير المؤدلجة برؤية الدولة اوالمؤسسة الملكية . لقد كان من بين اهم مميزات دولة العهد الملكي في العراق فصل الدين عن الدولة ، نسبيا ، وعدم احتكار المؤسسة الملكية ـ الملك وافراد عائلته ـ او هيمنتها البطريركية على جميع نواحي الحياة او مؤسساتها ، وترك هامشا منظورا لقيام مؤسسات المجتمع المدني ، الذي تركزت اوضح صوره في الاحزاب والجمعيات السياسية والصحافة الاهلية او غير الحكومية والنوادي والجمعيات الثقافية والترفيهية . وكعوامل موضوعية (خارجة عن ارادة المجتمع) ، تتحمل عوامل قلة الموارد المالية وفقر أغلب شرائح المجتمع والامية النصيب الاكبر من معوقات قيام مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في تلك الفترة ، الى جانب هيمنة (ثقافة) الاقطاع المشبعة بالموروث الاجتماعي والروح القبلية التي كانت تمثل المصدر الرئيس لثقافة تلك الحقبة.
ثقافة المدنية
"""""""""
اذا ما سلمنا بان المدنية ثقافة تنهض على شروط موضوعية تراكمية وتراتبية ، تفرضها شروط تاريخية حتمية تفرزها اطوار وعوامل اجتماعية تقوم على التراكم الثقافي النوعي لاي مجتمع من المجتمعات ، فاننا نخلص الى حصر اسباب تدني الوعي والثقافة المدنيين في المجتمع العراقي في منظومتين من الاسباب هما الاسباب التكوينية التي تتعلق بطبيعة البنية النفسية والبيئية البدوية للانسان العربي ، والاسباب الفكرية التي تتعلق ببنية الفطرة البدوية التي تقف على الضد من كل ما يخضع للنظام والتنظيم بالجبلة والطبع . وعلى طول تاريخ العراق المعاصر الذي يمتد عمره لخمسة وثمانين عاما ، لم تعمد الدولة ، كمؤسسة مدنية حاضنة ،الى تكريس وتأصيل ثقافة الحياة المدنية بين شرائح المجتمع او اشاعتها كممارسة عملية الا على نطاق ضيق وبما يخدم مصالحها ويديم سلطانها او يكرس توجهها الحزبي او منظورها الايديولوجي ـ مع تحفظنا طبعا على هوية وجدية عمل تلك الممارسات ـ وخاصة في عهد العراق الجمهوري .واذا ما كان العهد الملكي قد شهد تأسيس مؤسسات الدولة الحكومية والدستورية والاحزاب السياسية والنقابات المهنية ،كمؤسسات مجتمع مدني ، في مراحل مبكرة من عمر دولته ، ارباب السلطة والارث الاقطاعي سرعان ما احالوا هذه المؤسسات الى مسرح للصراع على مجالس اداراتها ومناصبها القيادية طمعا في المكاسب والوجاهة الاجتماعية التي كانت توفرها لهم مراكزها القيادية . اما في العهد الجمهوري فقد سيطرت مؤسسة الدولة بوجهها السلطوي على جميع مؤسسات المجتمع المدني لتحيلها الى دوائر رسمية خاضعة لسيطرة الحزب الحاكم ، وكمراكز للتثقيف بايديولوجيته . وعليه فان المدنية ،كثقافة ، لم تنل نصيبا يستحق الذكر من جهد الدولة ومؤسساتها التعليمية والتربوية لاشاعتها كأطر حاضنة لمقومات تأسيس المجتمع المدني وتكريسها كمنظومة (قيمية ـ ثقافية ) لنسق العملية والحياة الاجتماعيتين.
المجتمع المدني كنتيجة للصراع الطبقي
""""""""""""""""""""""""""""""""
مثلما لم تساعد البنية الفكرية /الحضارية للمجتمع العراقي على نمو ثقافة المجتمع المدني او قيام مؤسساته الثابتة ، فانها لم تمهد لصراعه الطبقي الذي ينتج ويرسي اسس الوعي المحصن بثقافة ضرورة قيام المجتمع المدني ومؤسساته ، وذلك لان صراع طبقات المجتمع العراقي لم يستند الى وعي حضاري او يأتي كنتيجه له ،بقدر ما كان كنتيجة لحماية الطبقة البرجوازية الناشئة لمصالحها الاقتصادية وتسويقها لنفسها كبديل اجتماعي وسياسي لطبقة الاقطاع التي كانت تستحوذ مرافق العملية الاجتماعية ومفاعيلها الاقتصادية والسياسية. ولذا فانها لم تعن بارساء قواعد وثقافة المجتمع المدني بقدر ما عنيت بارساء هيمنتها على مفاعيل العملية الاجتماعية ، سياسيا واقتصاديا ،كبديل اكثر (تمدنا) واقل (استغلالا) من طبقة الاقطاع الطريركية التي هيمنة على حياة المجتمع طوال قرون الاستعمار العثماني ، وربطت عملية نمو مفاعيلها وآفاقها الثقافية والحضارية بافق مصالحها الطبقية ، وفي اضيق دوائرها التي لاتتعدى محيط مزارع وحضائر ابقار الاقطاعي . وفي ظل انكفاء العملية الاقتصادية ، في مجتمع زراعي رعوي ، وتمحور دوراتها في العملية الزراعية ، فان طبقة العمال تكون قد انحصرت ضمن حدود هذا النشاط الذي ظل محصورا داخل حدود مزرعة وحقل الاقطاعي البعيدين عن اسباب المدنية والتعليم واجواءهما ، الامر الذي جعل البرجوازيات الاقتصادية الناشئة بمناى عن منافسة وصراع الطبقة العاملة الواعية لحين دخول البرجوازيات السياسية (واغلب عناصرها من ضباط الجيش) التي عادت الى العراق برفقة الملك فيصل الاول بعد سنوات الدراسة في كليات الاستانة العسكرية والقتال في حروب الدولة العثمانية التي لم تتوقف الا بنهايتها . ورغم اختزال البورجوازية السياسية لمفاعيل الحياة الاجتماعية في الصراع على المناصب ، الا انها كانت ابعد نظرا من البورجوازية الاقتصادية في تنويع اوجه الصراع الطبقي بين شرائح المجتمع ، لما ادخلته من اوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي (التعليم على وجه الخصوص) والسياسي عن طريق مؤسسات الدولة الجديدة وتشكيل اغلبهم للاحزاب السياسية والجمعيات غير الحكومية. واذا حصرنا تلك النواة ـ نواة المجتمع المدني التي اسست لها بورجوازية العهد الملكي ـ في الجانب التكنيكي ودون الالتفات الى جانبها النوعي ، فان دكتاتوريات العهد الجمهوري قد اتت على تلك النواة وجرت المجتمع الى حالة الانكفاء والعودة الى منظومة العلاقات المتخلفة (الاقطاعية ـ البطريركية) تحت بطش واستبداد توتالارية العسكر.
مرتكزات المجتمع المدني
""""""""""""""""""""
كما اسلفنا، فان عقود دكتاتورية عسكر العهد الجمهوري كانت قد اتت على كامل نواة ثقافة ومؤسسات المجتمع المدني في العراق . وعليه فان اهم مايجب توفره في حياة المجتمع اليوم هو المؤسسات الدستورية الفاعلة التي يمكن ان تحمي المجتمع المدني (ثقافة وممارسة ومؤسسات) من عبث رجال السياسة ، الى جانب اعادة بناء المجتمع المدني على اسس ومبادئ المجتمع المدني الحديث التي ارست قواعدها اعلانات وشرعات الحريات المدنية وحقوق الانسان ومبادئ الديمقراطية. بمعنى ان الشرط المسبق الاساسي لبناء المجتمع المدني هو دولة القانون التي تمثل الحاضنة المحورية لقيام وازدهار المجتمع المدني. هذا الى جانب النمو النوعي للقيم والممارسات الحضارية الحديثة والتطور النوعي في تكريسها كثقافة ووعي في صلب الحياة والعملية الاجتماعيتين .
ان اهم مرتكزات المجتمع المدني ،كثقافة ، هي نوع العلاقات الاجتماعية التى تحكم علاقات الافراد . فالعلاقات الاجتماعية القديمة (القبلية والعشائرية والابوية البطريركية ) تتعارض مع نسق العلاقات التي يقوم عليها المجتمع المدني الحديث (العلاقات الوظيفية) التي تقوم على مبدأ الفردية : الانسان ككيان مستقل له صيرورته الشخصية ، بعيدا عن انتماءاته وارتباطاته العرقية والعصبوية . ان بديل المجتمع المدني للعلاقات القديمة هو مفهوم المواطنة والانتماء الاختياري لمنظومة العلاقات الاجتماعية التي لاتقوم على علاقات الدم او الانتماء القبلي (الحريات المدنية وحقوقالانسان) التي باتت تمثل منظومة العلاقات الحديثة في المجتمعات المتحضرة، والتي تقوم على مبدأ الاستقلالية في الانتماء والاختيار البعيد عن الاشراف المباشر ، بما فيه اشراف الحكومة . واستنادا الى فكرة ان المجتمع المدني يمثل الحلقة التي تتوسط المسافة بين الحكومة والفرد ، فان المجتمع المدني ، كمؤسسات فاعلة ، تمثل حالة الانجاز الفردي المنظم باتجاه الحكومة ، والتي تتمثل في الدور الرقابي على مؤسسة الحكومة ومساعدتها على تحقيق برامجها التي تحقق الرفاه والسعادة للمواطن .ان تعدد اشكال ومهام مؤسسات المجتمع المدني ، وبقدر ما هو دليل على (النضج) الديمقراطي ، فانه دليل على (قبض) الشعب على كوابح شطط الساسة ومنعهم من توسيع مساحة سلطاتهم خارج حدود الدستور ، وصولا الى ترسيخ المفهوم الذي خرجت به الحالة الديمقراطية في الولايات المتحدة الامريكية ـ منبع اولى مؤسسات المجتمع المدني ـ والذي يتصدر الدستور الامريكي : (نحن الشعب .... ) قررنا ، رسمنا ، نؤكد .... من اجل الوصول في النهاية الى حالة جعل الحكومة ـ كأشخاص ـ عبارة عن مجموعة موظفين لدى الشعب ، مهمتهم تأدية مهام السهر على تطبيق القانون ورعاية شؤون المجتمع وحمايته وتحقيق سعادته وتأمين رفاهه . ان حقوق الانسان والحريات المدنية في بلد بمثل وضع العراق اليوم تتطلب حالة مثالية من (المواطنة الفاعلة ) التي تعمل على حماية حقوقها في المساواة وتكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية وحق العمل وحق صيانة الكرامة الانسانية والمساواة امام القانون والحماية من الاعتقال التعسفي وانتهاك الشخصية وحرية الكلام والتعبير عن الرأي، وهذا يتطلب جهدا نوعيا لمؤسسات مجتمع مدني رصينة ومتماسكة تحمي نفسها ذاتيا من حكومات ما زالت الديمقراطية بالنسبة لها مجموعة شعارات غائمة الملامح وبلا ادوات حماية وهذا طبعا لايعني التعامل مع الحكومة على انها خصم ، بقدر مايعني مراقبتها ومساعدتها على تجاوز ما يخل بحقوق المواطن المدنية والانسانية . واذ تشترك مؤسسات الحكومة والمجتمع المدني في هدف واحد هو خلق فرص حياة افضل واكثر استقرارا ورفاها للمجتمع ، فان دور مؤسسات المجتمع المدني يتجاوز حدود الدراسة و الاقتراح ليصل الى دور المساهمة الفعلية عن طريق العمل التطوعي في المؤسسات التي تقدم الخدمات الانسانية والجمعيات الخيرية التي تقدم المساعدات الانسانية لمحتاجيها وفي مختلف الظروف .