معاينة في بلورة الجسد: مواجهة
قراءة في قصيدة (نورس البلور) للشاعرة فاطمة بن فضيلة
سامي البدري
الجسد أيقونة
... أيقونة ارعشة من اصطلاء الاشتهاء
صفحة بلور موارب...
ومرايا لوجه نورس...
ضل او سيضل عن وجهه.
هل لي ان ادعي مقاربة عمق صرخة يطلقها جسد؟ او انثى تنفض غمام الاوزار عن جسدها لتواجه به عري أفئدة النوارس؟
الجسد أيقونة تستعر بالتحدي، والشاعرة/الانثى تضعنا امام تحدي: تفكيك النص /الجسد وايضا الانثى/الجسد .. واذ ينصهر الاثنان في منسرب شهوة الاكتشاف والتقصي، يشكل الامر وتتداخل وجوه الالتباس بتحديها، وخاصة ان النص يأتي من شاعرة تمتاز بعمق تجربتها الشعرية وجرأتها وتمرسها في نحت جسد نصوصها لغو وتصويرا وموضوعة.
بدهاء شاعرة تقبض على على ادوات إشتغالاتها، تختار الشاعرة بن فضيلة لغة المحكي اليومي لتصوير وانطاق أيقونة الجسد الانثوي واحالته الى وضعه الطبيعي في التعبير عن نفسه وتسجيل اعترافاته/استحقاقاته واعلانها كحق وصوت ... وحرقة أيضا.
الشاعرة – وهي هنا فاطمة بن فضيلة على وجه التخصيص – تقتحمنا من لحظة تفجر دفق القصيدة: نورس البلور..
الساعرة ترمز بالنورس للرجل وفعل ذكورته.. والنورس الطائر، كما هو معروف، صياد (مائي) حاذق؛ الا انه ياكل من جيف المزابل أيضا! ولكي ترتقي به الشاعرة من وضاعة هذه العادة السيئة فانها تظطر الى تغليفه بهالة من البلور ليتحول الى كائن شفاف ودقيق في نظره ويعف عن اكل جيف المزابل!
الشاعرة في فاطمة بن فضيلة من يقرر هذا فقط، أما الانثى فيها فلها شأن آخر مع النورس، وخاصة عندما يكون (رأس السرب).
هل قلت اني سأفصل فاطمة الشاعرة عن الانثى فيها...؟ قرار سيطاردني بالحاحه على كامل مساحة هذه القراءة ، ان لم يتعداها الى أجندة الحلم!
النورس/ رأس السرب
يترك راس السرب
ويحط على جسدي
يلتقط الحب
ما بين السرة والنهد
من اللحظة الاولى تصدمنا فاطمة الانثى/الشاعرة بحكم مطلق ومعمم..
النورس/رأس السرب
يترك رأس السرب
ويحط على جسدي
كم من (نوارس) الرجال قادر على (خيانة) غلواء كبرياء ذكورته للاعتراف بهذه الحقيقة؟!
الوقت غدير!!
هذه الجملة الملتبسة في دلالاتها واشاراتها: أهي من الربيع أم من الضحالة، وهي صيغة مبالغة مشتركة لاسم الفاعل والمفعول؟ اعتقد ان الشاعرة تقصدت تفخيخ هذه الجملة بهذه الصياغة لتقسمها على أكثر من فهم: الوقت غدير، بمعنى الوقت ربيع..
(لـ) يحلق السرب منحدرا
وأيضا بمعنى الضحالة، لان الغدير هو ما يتجمع من ماء المطر الذي سرعان ما يجف، لانها سرعان ما تستدرك في مقطعها التالي وتحصره بين هره بين هلالي التنصيص، على فهم واحد، كما أظن..
(كان السرب اناثا)
والانثى بطبعها، يخطف بصرها زهو ريش (النوارس) البيضاء! وهذا ما يؤيده المقطع اللاحق..
جلست احداهن على حافة غيمة
أدلت جفنيها وتدلت
فوق النورس خيمة
لكن النورس منشغل بالجسد
يلتهم الحب
ما فوق السرة والنهد
آه يا فاطمة! يا لجمال هذه الصورة رغم مرارتها! ليتني أستطيع التخفف من عبء (نورستي) لاستغرق في جمال هذه الصورة!
... والنورس منشغل بالجسد
يلتهم الحب
ما فوق السرة والنهد... تحت خيمته التي نصبت بيدك يا انثى!
للسرب خرير
للسرب مواء وعواء
(فالسرب اناث)
والنورس /رأس السرب
حط على جسدي العاري الا من ....
(حين تتوق الانثى تتعرى للمرآة)
حين تتوق الانثى تتعرى للمرآة، وهذا هو مقتل النورس، لانه يعرف هذه الحقيقة عنها؛ وهي في تلك اللحظة – يفترض – النورس – انها تكون قاب قوسبن او ادنى من بلوغ قمة الجبل أو اجتياز رأس الرجاء الصالح، بحسب الروائي الكولومبي غابريل غارثيا ماركيز..، ولكنها أيضا تكون في الطرف القصي لمتاهة الربع الخالي وبما يزيد على (...) سنة ضوئية عن درب زبيدة المؤدي الى عرفات حجة السكون!
وانا اذ اقف الآن على رأس صخرة مسندم، أكاد أجزم اني أشم رائحة الانثى في الشاعرة واسمع حفيف قميصها في تلك التخوم الغائرة في عمق الحلم النورسي، رغم عواء عواصف البحر الاحمر كلها!
من عادات النورس
ان يترأس سرب نجوم
ويجر وراءه الاف الغيمات
ينسج من أهداب الضوء فتيلا
حبلا يتدلى...
يرخي الحبل قليلا
ويمد جناحيه قليلا
تعلق أول انثى في الشبكة
فيشد الحبل وينال السمكة
هل يعني هذا استسلام الانثى او رغبتها فيه...؟ هي عادة تنكر كانثى! ولكن عندما يتلبسها شيطان الشعر فان الامر يختلف معها... او هكذا يدعي النورس في كقاريء على الاقل! لندع هذا (الافتراض) مركونا في زاويته المعهودة! ولنعيد النظر في المقطع السابق لنقول ان تقرير الحالة السايكلوجية للوضع العام للامر هو تقرير لا يخلو من حقيقة، ولكنه ايضا ينطوي على نوع من التعتيم (الاعلامي المراوغ)، لانه يختصر الامر في الحالة الاضطرارية وحدها ولا يؤكد تقرير القضية الا ضد مجهول الزاوية المعتمة، وهذا ما توافقني عليه الشاعرة ذاتها بقولها اللاحق، والذي تفرده كمقطع لوحده، بحسب فهمي او قراءتي طبعا..
للنورس عادات اخرى
..........................
..........................
.........................
هل تكفي مثل هذه الالماحة كقرينة لما ذهبت اليه في رؤيتي لما يعتمل في نفس الانثى السمكة؟ هذا ما سأترك تقريره للمتلقين، ان لم تسعفنا الشاعرة باضاءة في المقطع اللاحق..
الوقت حنين
وانا جسد ينتظر السرب
ليغازل رأس السرب
ويشد الحبل
ويصيد الشبكة
وها هي الشاعرة تدعم ما ذهبت اليه... الشاعرة أم الانثى فيها؟!!!
الوقت حنين
وضفاف البركة آهلة بالديدان
والنورس من عاداته أيضا
مال قليلا فوق الماء
مد جناحيه شهبا
أطلق للريح صفيرا شبقا
شد الحبل /ترك الشبكة
أرخى الحبل/ترك الشبكة
غابت في الارض بقايا الالوان
فالنورس لا تغويه أسراب الديدان
انه النورس الحلم... او المشتهى الذي لا تغويه الالوان، لان الانثى لاترضى لن ترضى ان يقاسمها نورسها او يساويها بـ (الديدان)!
النورس/راس السرب
ترك السرب
وأدلى حباله نحو البركة
يلتقط الجسد الشبكة
كانت عيناه كزجاج الصقر المسحور
ويداه/ جناحاه
تخيطان على وجه الغيمة
اغنية ونشيجا
كان الصوت حزينا
والرجع كما النغم المبتور
ارتفعت في البركة
أصوات وضجيج
أجراس ونواقيس وحفيف
ظل المشهد يبتعد/يقترب
والجسد/ العين
يرقب.....يلتقط
يشتعل......ينصهر
في لون البلور المحموم
هل سيكفي ان اسجل ان قصيدة نورس البلور هي بمثابة بيان تعلن فيه الانثى عن قيام جمهورية جسدها بكامل استحقاقاته، وعلى ضد من كل اشكال القمع والتغييب الذكوري والاقطاعي؟ كلا طبعا؛ لانها تؤسس لما هو اكبر منه فعلا .. انها الاعتراف الصريح بوجود الجسد وقيامه من قبل الانثى – خارج اطر المكبلات والمحاذير – اولا، وانه بريء من جميع تهم التدنيس التي الحقها بها نورس المزابل الذي لم يميز – لدهور خلت – بينه وبين ديدان التطهير! وهو ايضا اقرار صريح بتبعية الجسد لحاجاته التي يترك من اجلها رأس السرب سربه ليحط عليه ويلتقط من حبه..
النورس/رأس السرب
يهجر رأس السرب
ويحط على جسدي
يزرع حبا ما بين السرة والنهد
ياااااااااااااه يافاطمة قلق النواس وخيبات الذكورة!
ها انت تعيدين لخارطة تيهنا معالم وجهها ومسالك عروجنا الى ايماءات نجمات خواتيمنا المعلقة في سرة سماء بلا معالم. فها انت تعيدين لرأس السرب صورته الاولى في مرآة جسد الانثى ليزرع حبا ما بين السرة والنهد..
خشي الجسد (من فرط الشهوة)
ان ينشطر النورس
فمال ولان وسال
في ماء البركة شلالا.
مثل هذه الخاتمة تضع النقطة الاخيرة على الحرف الاخير في مسيرة نورس الجسد
وهو يلتقط الحب من مغاور الجسد، رغبة من الجسد لا اقتحاما.