محمد منير مؤسس
عدد المساهمات : 1898 تاريخ التسجيل : 23/01/2008 العمر : 59
| موضوع: الموناليزا الأفغانية 27/11/2008, 01:10 | |
| كان ماك كري يعمل لصالح مجلة ''ناشيونال جيو جرافيك'' خلال الثمانينات، عندما كانت أفغانستان ترزح تحت وطأة الاحتلال السوفييتي، وأراد التقاط صور فوتوغرافية حية، فقصد أحد مخيمات اللاجئين الأفغان في باكستان، وبينما كان يقوم بعمله استرعت انتباهه فتاة في الثانية عشرة شعر بخجلها وحزنها وخوفها الشديد، ولكنه فوجئ بها تسأله: ''هل تأخذ لي صورة؟'' قالت تلك العبارة باللغة البشتونية التي كان ستيف قد تعلم شيئاً منها لتساعده في إنجاز عمله. يقول ستيف مستدعياً شعوره في تلك اللحظة: ''لم أعتقد أن صورة تلك الفتاة ستكون مختلفة عن أي شيء قمت بتصويرها في ذلك اليوم، غير أن الصورة كانت مختلفة بالفعل كل الاختلاف، فالصورة التي التقطتها عام 1984 أصبحت عقب نشرها على غلاف المجلة عام 1985 من أهم الصور التي يشار إليها عند الحديث عن المعاناة الأفغانية، وعرفت في الأوساط الإعلامية بـ''الفتاة الأفغانية''، حتى إن أحد النقاد الفنيين قال إنها أيقونة من أيقونات التصوير الفوتوغرافي المعاصر، وإن وجهها يذكره بغموض ابتسامة لوحة الموناليزا الشهيرة''. ظل اسم تلك الفتاة غير معروف طوال 17 عاماً إلى أن قرر تلفزيون ''ناشيونال جيو جرافيك'' في العام 2001م، إرسال ستيف مرة أخرى للبحث عن الفتاة ''ذات العينين الخضراوين'' لمعرفة تأثير ما جرى في أفغانستان عليها. قصد ستيف وفريق البحث معسكر ''ناصر باغ'' الذي كانت تتواجد فيه الفتاة بالقرب من مدينة ''بيشاور'' الباكستانية، وبعد بحث مضنٍ توصلوا لشخص يعرف مكانها وأعرب عن استعداده لأن يذهب إلى الجبال قرب ''تورا بورا'' ويأتي بها، وبالفعل وصلت الفتاة التي غدت امرأة بعد ثلاث سنوات من التقاط صورتها الأولى، صعق ستيف لأنه رأى امرأة مهمومة في العقد الثالث، ظلت ماثلة أمامه كل تلك السنوات كطفلة صغيرة لا تغادر ذاكرته، ولكنه تيقن أنها هي ذاتها بعينيها الخضراوين. وفي هذا اللقاء عرف ستيف وعرف معه كل العالم للمرة الأولى اسم ''الفتاة الأفغانية ذات العينين الخضراوين: ''شربات جولا'' التي لم تكن تدري طوال اللقاء لماذا تم إحضارها؟ أو عما أحدثته صورتها من تأثير عند نشرها على غلاف المجلة، أو عن جائزة ''جولد كادا'' التي حصدها ستيف، بفضل نظرة عينيها ووجهها الطفولي المعذب، أو حتى عن عمرها الحقيقي، لكونها تعيش في بقعة لا تعرف شيئاً لا عن سجلات المواليد، ولا عن أي شيء آخر، بقعة لا تعرف سوى الحرب والحرب فقط. كانت تعبيراتها تتسم بالحدة ولم تبتسم طوال اللقاء، فلم تترك لها السنون سوى المعاناة والعينين الخضراوين، وعندما سئلت كيف استطاعت أن تواصل الحياة على الرغم مما لاقته من أهوال ومصاعب؟ أجابت: ''إنها مشيئة الله''. تمضي حياة شربات بشكل روتيني، تستيقظ من النوم قبل طلوع الشمس لتصلي الفجر، وبعدها تذهب للجدول لإحضار الماء، ومن ثم تبدأ دورة الحياة اليومية من طبخ وتنظيف وخلافه، لكن أهم محطات عمرها هو يوم زواجها- كما يقول أخوها الأكبر ''كاشير خان''- بل قد يكون أول يوم تفرح فيه في حياتها. أما همّها فينصب على العناية ببناتها الثلاث (روبينا وزهيدة وعلياء) بعد أن ماتت البنت الرابعة في المهد. لا تستطيع شربات القراءة ولكنها تستطيع كتابة اسمها، وتقول إن أملها هو أن تعلم أطفالها، فالتعليم على حد وصفها هو ''النور الذي تستطيع من خلاله أن ترى العين''. هذه هي قصة صورة ''شربات جولا'' الذي يعني اسمها حرفياً بلغة ''البشتو: فتاة زهرة الماء العذب'' والذي يعكس ولع قبائل البشتون بالزهور، لكن اسمها يبدو على النقيض من حياتها الطافحة بالألم والمرارة والخسارات، وليت المصور ''ستيف ماك كري'' يقوم اليوم بجولات جديدة في العراق وفلسطين المحتلة ومخيمات اللجوء الفلسطينية في الشتات، ليتعرف على الآلاف من أشباه ''شربات'' وأخواتها.
...
| |
|