سامي البدري مشرف
عدد المساهمات : 199 تاريخ التسجيل : 11/11/2008 العمر : 64
| موضوع: سيرة جدار 17/11/2008, 13:03 | |
|
سيرة جدار سامي البدري sami_albadri@yahoo.com
نص مسرحي
جدار خارجي لبيت فخم .. بائع متجول يحمل جقيبة وحلي كاذبة وامشاط ،يدخل المسرح وهو يردد : توقف للحظة والق نظرة على مجموعة الكتب التي احملها فقط .. صوت من خارج المسرح : ولم اضيع وقتي معها ما دامت لا تضم الكتاب الذي ابحث عنه ؟ البائع : ولكن هل انت متأكد من وجود ذلك الكتاب ... ما اسمه قلت ؟ الصوت : سيرة جدار . البائع : سيرة جدار ؟ لم اسمع بهذا الكتاب من قبل .. ومن يكون مؤلفه ؟ الصوت : وما فائدة اخبارك ؟ (يبتعد الصوت وهو يقول كلماته الاخيرة) البائع : حسنا ،خذ مشطا لزوجتك او طوقا لابنتك ... انها متينة ومشغولة باتقان ... ماذا ،ماذا قلت ؟اوه ،يالك من زبون متعب لا يعجبه شئ . (يفرد حليه ومشغولاته على قطعة من الكارتون المقوى ) يبحث عن كتاب لم يؤلف بعد .. (ينحي حقيبته ويجلس) لاتعجبه دواوين الشعراء ولا قصص الملوك ولا تواريخهم ... ولا حتى قصص النساء ... ويبحث عن كتاب لم يؤلف بعد ... لا وجود له الا في مخيلته ... (ينتبه لفكرته الاخيرة) لم يؤلف بعد! نعم!ربما لم يؤلف بعد ولكنه سيؤلف ... (لحظة تفكير) نعم ،هذا يعني ،اعني بطريقة ما ،انه ما دام قد افترض فانه سيؤلف .. نعم اجزم بهذا! فما دامت الفكرة قد قامت في رأس ذلك الرجل ... (ينهض وينظر الى جهة دخوله بامتعاض) البخيل فلا بد ان احدهم سيتلقفها ويؤلف الكتاب . (يأنس بالفكرة) نعم ،فلا بد انه سيبث تلك الفكرة الى الى رأس آخر له قدرة على تنفيذها ... وستصير كتابا ذات يوم . نعم ،فلقد قرأت اشياء كثيرة عن التخاطر .. ولكنه لم يشتر ولا حتى مشطا صغيرا لا بنته ... يا لبخله! (يجلس) لا سترح قليلا في ظل هذا الجدار ؛ فشمس شباط تحرق نفسها في الظهيرة! البخيل ،اتعبني! لولا بخله لكنت الان في مطعم صغير ... او حتى في مقهى ادفئ رأسي بكوب من الشاي . (يركز تفكيره) تاريـ ... سير... سيرة ... نعم سيرة جدار ... عنوان يصلح لقصة او حتى لقصيدة .. ولكن مالذي اوحى بمثل هذا العنوان الى ذلك الرأس البخيل ؟ ربما الوحدة؟ او ربما الضجر؟ نعم فالوحدة لها افاضاتها .. والضجر له،هو الآخر، مخلفاته .. نعم! (يضحك) الوحدة لها افاضاتها ،خاصة عندما تكون اختيارا!! اختيار! (يضحك) اختيار صحي! وبين هلالين : هروب! هروب اجباري ! (يقهقه بمرارة) يا للسخرية! هروب اختياري! يا لتعاسة الانسان عندما يختارـ طائعا ـ الهروب بدل المواجهة ؛لا جبنا ولا ضعفا ،بل استسلاما واذعانا لما تشتد وطأته وتسخف او تنحط سبل مواجهته ! وبين هلالين ايضا : الدفع بالتي هي احسن! (يقهقه بمرارة) فتستدير الى الخلف وانت مبتسم ... اعرف ان من يسمعني الان سيتسائل عن نوع الابتسامة ... ولكن لا يهم ! المهم ان تكون مبتسما ومستسلما ... وبين هلالين : معلنا هزيمتك ،بالنسبة لنفسك طبعا ، ... وباذعان كامل ، تخلع حذاءك بهدوء لتستبدله بنعل من المطاط المضغوط ، وتخرج الى الشارع ليستقبلك بذراعين مفتوحين .... لتواصل حياتك بطريقة اخرى! نعم بطريقة اخرى ... غير مألوفة اجتماعيا ... بل مرفوضة ... نعم مرفوضة ومزدراة ... ويتجرعها القانون ورجاله على مضض!ثم ... ثم رصيف ... بل ارصفة سحيقة وجدران ملونة ... وكل ما اشتدت وطأته ،وجبت طاعته!(ينهض وهو يقهقه) والمتمرد له الارصفة !ولكن ما نوع الحياة الاخرى وكيفيتها فهذا غير مهم .. المهم هو... (يسمع صوت خطى قادمة من الجهة التي دخل منها) يبدو انه ما زال هناك بعض الحظ... لافرد بضعة الكتب التي في الحقيبة .. (يفرد الكتب التي في الحقيبة الى جانب اشيائه الاخرى) هيا ! هيا،اسرع ارجوك .. لم انت بطئ هكذا ؟! اوه! كلا! كلا ارجوك! الى اين انت ذاهب؟ يبدو انه كان علي الجلوس بجانب ذلك الجدار الذي يسبق تلك العطفة الضيقة .. اوه! اللعنة! يا للحظ السئ ! ولكنني لم الاحظ تلك العطفة وانا قادم ... ربما بسعة سعة حضور الجدران! (يتذكر) لابد ان ذلك الزبون البخيل كان على حق ؛فليس من المعقول ان يكون للجدران كل هذه المساحة ... اعني الحضور ولا يكون لها تاريخ!(وساخرا) لابد اني بدأت اهذي بسبب الجوع والحاح الرغبة!فأي سيرة لجدار؟ جدار،مجرد جدار ... حتى لو كان جدارا لقصر ملكي!(فترة صمت) أي نحس هذا؟ يبدو ان هذا الشارع لا يسكنه غير الاغنياء!نصف ساعة مضت على جلوسي هنا ولا احد مر من هنا .. انه يوم نحس من اوله على اية حال .. فمن اول الصباح لم ابع ولو قطعة واحدة .. من اول الصباح وانا ادور على قدمي ولم ابع شيئا . (يسرح قليلا) وينتهي بي الصباح الى هذا الجدار ... الى هذا الشارع المقفر ... نعم . لابد ان سكان هذا الشارع كلهم من الاغنياء ! لان محثي النعمة لا يصلون الى مثل هذا الهدوء بمثل هذه البساطة! اذن ،لن يدر علي هذا الشارع بساندويش وكوب شاي حتى لو قهرت كل الشياطين!(فترة صمت) على اية حال ،انا هنا لاستريح .. (يجلس) يا للوحشة! ولا صوت رضيع او نبحة كلب حتى! وهم من يولون عناية خاصة لتربية كلاب الحراسة .. (يتلفت حوله وينهض) ... ولا حتى قطة ... قطة صغيرة سائبة .. قطة صغيرة ألهو معها قليلا وتؤنسني بمداعباتها وقرقرتها الدافئة! ... مثل قطتي التي صادقتها هناك ... (يشير براسه ناحية الجنوب باشمئزاز) طاردوها حتى قطعوا انفاسها ... وما انفكوا يترصدونها ويلاحقوها ويحرمونها من النوم حتى اجبروها على الرحيل وتركي وحيدا ! ... ولم اتطع ان افعل شيئا ازاء تصميمهم على قهري !(فترة صمت) كيف يحتملون كل هذا الصمت وكل هذا الركود؟ ترى هل هم في الداخل ام هم ما زالوا في اعمالهم؟ والاطفال ... هل دجنوا على تحمل كل هذا الصمت القاتل ! ام تراهم ورثوه كما يرث الاغنياء فن صناعة الحياة الاخرين وكما يرث الجمل حقده!(لحظة) اسمع انهم يعملون اقل ويكسبون اكثر .. ترى متى يعودون من اعمالهم ؟ فربما ـ وبطريق الخطأ حتى ـ استطيع اقناع احدهم بشراء شئ ... او بأحد هذه الكتب التي انقذتها من ... هناك باعجوبة ! فاضافة كتاب مجلد ،ربما زاد من فخامة خزانات كتبهم التي تكمل بهرجة صالوناتهم الباذخة . (يتنصت) ولا نأمة. اسمع انهم عندما يصخبون ،فانهم يصخبون بمجون يحاذي حد الدعارة! والان ساكنين بهدوء مقبرة. عندما اطلقوا سراحي نصحني كبيرهم بالسفر عن طريق البحر ،كفترة استجمام .. الا ان ارتباطي المرضي بالمكان حال دون سفري .. الارتحال يقلق هويتي .. الارتحال مثل المال الكثير ،يسلخ عن الانسان شاكلته! (يسمع اصوات خطى بعيدة فيعيد ترتيب عرض بضاعته) اصوات خطى... عسى ان يكون احدهم او أي مستطرق .. المهم ان يكون على استعداد لشراء شئ ... وبأي ثمن! ولو بثمن كوب شاي وسيجارة ! (يرقب الطريق) ما يزال بعيدا ... ولكن خخطاه حثيثة ... كل ما أرجوه ان لا ينتهي الى تلك العطفة اللعينة. انه يقترب .. (تنبسط اساريره) لا يبدو عليه التهيؤ لانعطافة قريبة ... عيناه بين قدميه ومستغرق في تفكير عميق .. انه يقترب .. في يده مجموعة من الكتب .. يبدو انه من المهتمين بالكتب ... هذا النوع من الرجال من السهل اقناعه بشراء كتاب ... فقط ارجو ان ... انه يقترب من تلك العطفة الملعونة ... اوه! اللعنة! اللعنة ! انه ينزلق في كهف تلك العطفة ... تمهل ايها الرجل ،تمهل ارجوك .... (يرفع بعض كتبه) تمهل واقترب مني ارجوك ... معي هنا كتب ... كتب رخيصة للبيع ... كتب مهمة ورخيصة جدا ... انها ارخص حتى من كوب شاي !تـ ...مـ ... هـ....ل ار..جـ...و...ك.... اوه ،اللعنة! اللعنة! يا للحظ السئ ! اقول لك معي كتب ... (يقلب الكتب بين يدبه) كتب جيدة ،فهذا تاريخ الملوك ،وهذا تاريخ النساء ... عم تبحث اهم من هذه التواريخ ؟ (وبنبرة تحسر) ومعي الكثير الكثير من الشعر.. هذا هو تاريخ الملوك اهم الكتب على الاطلاق! انه يختصر لك الوقت والجهد ليضعك في فلك الدورة.. وحذار ان تستهين بأي من ملوك الارض.. فليس بمقدور أي كان ان يكون ملكا.. الملوك خلقوا نعينهم ليكونوا ملوكا وملوكا فقط! والملك يا سيدي لا يمكنه ان يكون مواطنا عاديا ،يأكل وينام ويعمل كباقي المواطنين وبطريقتهم ! كلا،يا سيدي كلا!فالملك خلق ليكون ملكا ،وملكا فقط !وهذه هي مزية الملك: ان يكون استثناء ويشذ عن كل القواعد تماما! وهذا تاريخ النساء ،الجزء المكمل لتاريخ الملوك ... ومعا يختصران تاريخ الانسانية كله! (فترة صمت ،ثم يطلق حسرة) اما امثالي فلهم الشعر ولوك الكلمة. (يقهقه وينكمش الى جانب اشياءه) وحينما لم يعد امامي غير الامتثال لنصيحة ذلك الوغد الذي ودعني على باب المعتقل ،ضاق البحربي وازدحم حد انه اعتذر عن استقبالي !تصوروا ،البحر لايسع رقما آخر!وينصحني احد عتاة الادارة ،من ذوي الصلعات الفاقعة والمنتصبة كعلامة فارقة او معلما لشخصه ،كما لاب ان يوجه ابنه الضال ،بالهدوء والعودة الى البيت وبأن اكون زوجا صالحا ... بأن الهروب ليس حلا لمشكلة و.... ويزحف المساء كما يزحف الان ،وانا ممن ينتمون الى قواعد مكانية ثابتة ... وكان مساء مقلقلا ... وكنت موزعا وبلا قرار ... وكلمة استقرار ترادف عندي كلمة حياة تماما ... وصرت امام هوة الوجود الانساني وجها لوجه ،وكانت آسنة وتعبق برائحة الفراغ والتفاهة ... وكان الخلل جليا وراكزا وماضيا ..... وبلا قناع ! (يسرح) ويدور اصبعك حول نفسه ،ولا يجد له مكانا الا تحت اسنانك .... لتنتهي الى ظل جدار: حرا ،نعم ،ولكن شاحبا ،باهتا وبلا سقف.... ولاي سبب ...؟ لمجرد .... (يصمت لحظة) او لنقل لعدة اسباب ...او لكل الاسباب مجتمعة ... كلا ،بل لمجرد انك لم تحسب الامور كما هو مقرر اومقبول اجتماعيا!بل لنقل لمجرد انك لم تأخذ الامور كما يأخذها الاخرون !(يقهقه ساخرا) ياللمهزلة! أي حساب هذا واي تفكير واي تقدير ؟ هي الامور هكذا ،ومن الازل الى الازل ... وكأن ثمة من يدفعها في الاتجاه الخاطئ دائما : تموت الاسد في الغابات جوعا ولحم الضأن يرمى للكلاب (ينزوي بمظهر مخذول) ثمة من يلعب بالطقس ،عابثا، ليخذل حسابات الانواء الجوية المدروسة!(وكمن يهمس لنفسه) وليس بيننا من يستطيع الادعاء بانه قد وضع يده على سر هذا الامر.. ،ليس لانه مستعصيا ،بل لانه يقع داخل حدود العتمة التي تشكل جزءا من قانون لعبة الحياة ! ومن زاوية العتمة هذه تفرعت مئات الاسئلة التي مازالت معلقة على مشجب المجهول الذي يرفض اغلبنا الاعتراف بوجوده . (ينكمش كالخائف) ... ولتضعني ...(يومء برأسه باشمئزازالى الخلف) هي بين فكي سمكة ،فمها ادرد ،نعم ،ولكنه يخلف تلك العضة اللزجة التي تخلف القرف ،اضافة الى الالم . ،الامر الذي يجبرك على كل الاختيارات التي لا تلائمك .... وتقودك في النهاية الى ظل جدار .. ولتظل تتأرجح على قدم واحدة ... ولتدمن ـ مجبرا ـ النظر الى الامور بعين واحدة!(يزحف المساء على الجدار) نهار شتائي آخر يزحف المساء عليه بعجالة تفجأ؛ وبعد قليل سيجبرني على العودة الى الفندق بحثا عن بعض الدفء ... ولكن لازاوية لي هناك ... فلم اجبر على الذهاب الى مكان لا ارغب فيه ؟ (يطلق حسرة) ها هي برودة المساء تنقر عظامي وانا لا احتمل ضجة الفندق ولا ضوضاء زبائنه .. (يركز ضوء ابيض شديد الوهج على الجدار وكانه مصباح شارع) نعم ،هو المساء .... وانا امقته لانه يذكرني بالضياع ! (يصمت مفكرا) لا ادري من اين جاء ذلك الرجل بعنوان سيرة جدار (ينهض ويقترب من الجدار) سيرة جدار.. ترى كيف تكون سيرة للجدران ؟ومن يكتبها؟ (يتمعن في الجدار) ترى أي جدار قصد ذلك الرجل ؟ جدار بيت كهذا ام جدار بناية رسمية ام جدار قصر ملكي ام جدار احتجاج؟ ولم ادوخ رأسي بهذا السؤال الذي لا جواب له ؟ لامضي وقتي في كتابة سيرة ... سيرة لهذا الجدار ... بل سيرة لي على هذا الجدار . نعم لالهو قليلا ما دام الشارع فارغا وما من احد يراقب او يحتج على لهوي العابث . ولكن ماذا سأسجل من سيرتي وليس فيها ما يلفت نظر حتى القطط السائبة ؟ لا يهم ،المهم ان امضي وقتي .. ثم ان امثال انما يكتبون سيرهم لانفسهم ؛ لان ليس في حياتهم ما يهم الاخرين ما داموا ليسوا ملوكا او نساء جميلات ! (يتمعن في الجدار) ثمة بصمات لشخص ما ... (يقترب اكثر ويدقق النظر) ما هذا ؟ يا لفطنة ذلك الرجل ! يبدو ان للجدران سير فعلا ! فثمة بصمات هنا لشخص يدعي انه انشأ هذا الجدار في ... التاريخ غائم او ممحو ... على كل حال ،التاريخ غير مهم لان كل التواريخ تتساوى عند نقطة ما من مصير البشر! المهم اني استطيع ان اميز من هذه السيرة عجوز فخم بشارب معقوف وانف منقاري وعينا صقر ... هنا تذوب الكلمات لوجود امرأة جميلة تتمدد في الطريق بكل سطوة ...(يدقق نظره) كـ ... نعم ... كان بمقدوره ا... ان ... نعم ان يضع يده حيث يشاء ...و لسانه يلعق الاذان العالية .. ويبدو انه قد قرر التوقف عند هذا الحد لانه يترك فراغا ،يحصره بين هلالين ،يكاد يغطي النصف الاسفل من جسد حبيبته ! (يتحرك خطوة الى اليسار) وهنا يقول : وما فائدة تسجيل البقية ما دام الجميع يعرفها! (يلتفت يمينا ويسارا) مازال الشارع فارغا ... سأستغل الفرصة واسجل انا الاخر شيئا يخصني ... (يتفحص المكان الذي يقرر الكتابة فيه) مهلا، فاذا تجاوزنا مجموعة الاجساد المعروضة هنا فيبدو ان احدهم قد ترك شيئا هنا ...(يتمعن ويقرأ) على هذا الجدار سأسجل... اوه،ياللاسف ،فان جسدا قد تمدد فوق الكلمات وطغى حضوره الفاتن على معانيها! (يخطو خطوة الى اليسار) وهنا ثمة صرخة مكتومة تحتضن جمجمة مهشمة بعبث صبياني ... وهنا جمجمة تحت مطرقة كبيرة .. وهنا جمجمة تسوق مجموعة من الببغاوات الخضر ... وهنا الببغاوات الخضرتقف سدا لتحجز ماء نهر .... ما كل هذا الهراء؟ ايعقل ان تحجز مجموعة من الببغاوات الغبية ماء نهر بكامله ولاتسمح لقطرة ماء واحدة بالمرور؟! هذا لا يعقل طبعا ،ولكن هذا ما ثبته احدهم هنا .. اعرف ان بينكم من بدأ يشكك في سلامة رأسي ومحتوياته ،او ربما انصفني بعضكم وشك في سلامة رأس من سجل قصة الببغاوات الخضر تلك ؛ ولكن انا شخصيا مقتنع تماما في قدرة قطيع ،وقطيع صغير من الببغاوات الخضر ـ حصرا ـ على حجز مياه نهر كبير والتحكم بها وتصريفها على وفق هواها ! اعرف ان شكوكم في سلامة رأسي صارت الان اكبر ،وصار لها ما يبررها ،ولكن هذه هي قناعاتي ! وماذا لدينا هنا ...؟ امرأة جميلة تقف بتحد صارخ مطلقة العنان لمفاتنها وهي تتكئ على ظهر حمار! ... نعم ،هو مجرد حمار ... ولكنه ضخم الجثة ومفتول العضلات وعله ظهره خرج مشغول بعناية ... ولكن ياللحمار الخبيث ! تصوروا انه لايضيع أي انحناءة من انحناءات المراة ليسترق نظرة من نصفها الاسفل! ادعو لك بالحول على خبث طويتك ودناءة شهواتك يا عزيزي الحمار! ولكن هنا المراة تعتلي ظهر الحمار وتسوقه باتجاه الجنوب .. يبدو ان هذا الجدار يحمل من الهموم ما يعادل احتمال رجل منها!لم يتبق من الجدار سوى متر واحد ،وان كانت مشغولة فلن اجد لنفسي مكان على صفحات سجله ... (يسمع صوت خطوات قادمة) اوه! شكرا لجهة ما ! فقد اوصلني الجوع الى درجة الهذيان ... هيا ، هيا اين انت بحق ... ولكن لن انتظر هنا هذه المرة ،بل سأحمل اشيائي واتلقفه عند تلك العطفة اللعينة.. (يحمل اشياءه ويخرج مسرعا . وبعد قليل يأتينا صوته من خارج المسرح) اهلا . تفضل يا سيدي ،معي اشياء جميلة للبيع : امشاط ،اطواق ، لعب اطفال، كتب ... معي كل شئ .. فقط تمهل وانظر .. صوت الرجل : لنر ماذا لديك ؟ صوت البائع: هذه امشاط مختلفة الالوان والاحجام ،وهذه اطواق شعر وهذه حلي ... اؤكد لك يا سيدي انها مصنوعة .... صوت الرجل : ولكن ليس بينها ما قد احتاج اليه.. صوت البائع : حسنا ،حسنا. معي كتب ،كتب قيمة لكبار الكتاب ،فهذا تاريخ الملوك وهذا تاريخ النساء ... ومعي هنا العشرات من دواوين الشعراء .. الا تعنيك مدونات الشعراء يا سيدي ؟ صوت الرجل : انها مجرد تهويمات في عالم الخيال او اضغاث احلام ! صوت البائع : حسنا ! وهذا تاريخ الملوك ،الايعنيك التاريخ ياسيدي ؟ صوت الرجل : كلا . انا آسف . فانا اعمل في حقل الفيزياء ولا يهمني من الكتب سوى ما يقع ضمن دائرة تخصصي العلمي . صوت البائع : حسنا ،ولكن قراءة التاريخ ... صوت الرجل : ارجوك ،انت تهدر وقتي . صوت البائع : حسنا . انا آسف يا سيدي واعتذر لك ، واغفر لي تطفلي على وقتك . (يدخل البائع يحمل ثلاثة من كتبه وحقيبة اشياءه) وهذا شخص اخر لا يهمه تاريخ الانسان ... لاتعنيه سوى الكتب التي تقع ضمن دائرة اختصاصه ... وما تبقى فهو ترف ممضيعة للوقت ! لمن يكتب التاريخ اذن ، ومن يقرأه ؟ كان ذلك الرجل اخر فرصة بالنسبة لي ،ولكن التاريخ لا يعني له شيئا ... لايهمه بالمرة !(ومتاملا) والتاريخ تصنعه الحروب والنساء... والحروب تصنع معسكرات الاسر ومعسكرات الاسر تقهر الخيال ... ومعسكرات الاسر والاعتقال لا تعني التاريخ ولا النساء ... المهم ان يصنع التاريخ وان يكتب ... (يضع اشياءه على الارض) عندما كنت في الاسر ،كان ثمة من نقل لزوجتي خبرا يفيد بمقتلي في احدى المعارك ... وكانت هي قد كيفت نفسها ،في فترة اسري ،على وضع الارملة التي تحررت من عبء الزوج المتعب ! وجاءت عودتي المفاجأة لتفسد عليها خدمات القدر التي لا يجود بها الا مرة واحدة في العمر! (يحاول لفت نظر الجمهور تحاشيا لوقوعه في سوء الفهم) كلا! ليس كما تظنون ... بل ... (ومفكرا) بل وكما تظنون ومضافاته ! (يعود الى الجدار) لنر ما تبقى من التاريخ على هذا الجدار ... اوه! يا رب السماوات ! ما كل هذا الحشد ؟ ما كل هذا الكم الهائل من التواريخ الذائبة الملامح ؟ انهم من الكثرة بحيث انهم لم يجدوا مكانا يسع مجرد اسمائهم ... فاكتفوا من تواريخهم باشارات مشوشة من تلك التي تهمس بها قواقع البحر : لا تسمع ولكنها تحس ... جلية وصادحة! انها من الغزارة بحيث انها لم تترك مكانا ولا حتى لرأس دبوس . (يتحسسها بيده) ياه! كم هي يانعة وساخنة .. انها توقظ الحس وتلهب الشعور .. (يلتفت الى اشيائه فيحمل الكتب ويلقي الحقيبة بازدراء) اسمعوا ايها البخلاء ، عودوا وخذوا هذه . (يضع الكتب بهدوء بجانب الجدار ويمشي الى نهاية الجدار وهو يخط اسمه على صدره ويردد ما يكتبه) انا ابراهيم بن محمود ،ولدت في العام ... ( عندما يصل الى هذا الجزء يكون قد اصطف الى جانب الجدار ليصير جزءا منه .. يصمت وينقطع عن الحركة تماما ... انه يتحول الى جزء من الجدار ) ســــــــــــــــــــــــــــــــتار | |
|
فتحية الهاشمي الادارة و التنسيق
عدد المساهمات : 1899 تاريخ التسجيل : 23/01/2008
| |
محمد منير مؤسس
عدد المساهمات : 1898 تاريخ التسجيل : 23/01/2008 العمر : 59
| |
سامي البدري مشرف
عدد المساهمات : 199 تاريخ التسجيل : 11/11/2008 العمر : 64
| موضوع: رد: سيرة جدار 9/12/2008, 09:15 | |
| - فتحية الهاشمي كتب:
- نص تركني فعلا أتساءل أين تركت سلامة رأسي بل أصلا هل كلن لي سلامة ما
و أنا لا أملك مكانا لاصبعي سوى تحت أضراسي يا للجدران و الأجساد
و الببغاوات ، أين النهر و أين يصب و هل و هل وهل ، أسئلة حارقة فعلا ليظل التاريخ
تصنعه النساء و الببغاوات و الملوك ...
أحسست بغصة في عيني ، هل جرّبتم غصة في العينين و بائع الكتب ينقش أو يجترح
تاريخه على صدره و يصبح جزءا من الجدار .
شكرا سامي حتما لذة هذا النص المسرحي لا تنتهي و لا تكتمل منذ القراءة الأولى
بل في كل مرّة ، تكتشف قراءة مغايرة للأولى الاخت العزيزة فتحية شكرا لهذا المرور العبق مودتي واحترامي | |
|
سامي البدري مشرف
عدد المساهمات : 199 تاريخ التسجيل : 11/11/2008 العمر : 64
| موضوع: رد: سيرة جدار 9/12/2008, 09:18 | |
| - محمد منير كتب:
شكرا لك أخي الرائع سامي البدري على هذا النص الجدير بالقراءة و التشخيص على الركح
ساحاول أن احمله على خشبة المسرح الشبابي إن وجدت متسعا للوقت هذه السنة
في انتظار نصوص أخرى
مع محبتي
العزيز محمد شكرا لك صديقي عندي المزيد من النصوص ولكن الموقع لم يقبلها لطولها ارجو معالجة الامر مودتي | |
|