لملمة الانثى من شظايا ذاكرتها : اكتواء
( قراءة في قصيدة "هشيم ذاكرة" للشاعرة نور الادب )
سامي البدري
في الزاوية القصية ، من اقصى شرق الذاكرة ، ثمة لوح من مرمر الاكتواء : يسكب صورا وبوح ..، ينثر حروفا من مداد الترقب ، ويتشوف الى صوت خلف نهاية تستوي على هشيم الذاكرة . ثمة زحف لجوج يخاتل شواظ الوقيعة ، ليستكشف الصورة التي ألقت بمفاتيحها الشاعرة ( نور الادب ) في عيني ( بائع جرائد حزين ) ... هل هو من ثمار هشيم الذاكرة نور ؟ ام تراه مشجبا آخر نعلق عليه أسئلتنا المارقة عن حضيرة التدجين ؟ لكي الملم ( هشيم ذاكرة ) الشاعرة نور ، سأستعين بآلة صيد استرالية قديمة اسمها ( البوميرنغ ) ، وهي باسنان كأسنان المشط ، ترتد الى قاذفها عقب كل رمية خلف طريدة .. فهل سأوفق بقنص متواشج ، وطرائد نور تزاحم خطوها ومسالكها وتتماهى فيها ؟
لنفض الاشتباك اولا مع نثار الحروف الذي تسفحه ذاكرة البوح / الشعر في القصيدة ... هل كان علي ان اقول ( في نور ذاتها ؟!) عن طريق لملمة شظايا وشواظ الانثى في ذاكرة النص ، كطريدة اولى وخاتمة ايضا .. من اين لرمية ان تطفو على ذاكرتها ( الخاصة ) ليطارد ( بوميرنغها ) ذاكرة هشمتها استيفاءات الانثى وخبيئتها ؟ وهذا ما تفتتح به الشاعرة نصها ، مع سبق الاصرار والتحفيز ..
ماذا لو تسللت المرأة من
اطار يسمى :
( كبرياء شوق )
قبل سقوطه الحتمي ؟
... ربما نحت من هشيم القلب
... الاخطر !
نحن ازاء السؤال – الانثى في اعلى مراحل ثورة استيفاءاته لحدود قبول القهر واعلان مواجهته : التسلل من ( اطار ) الانوثة ، الذي حوله قهر الذكورة في الرجل الى قيد قهري لاجم .
مهلا ! علينا التوقف امام ( استدراك ) شعري مراوغ نصبته الشاعرة / الانثى في نور ، كفخ بين ادغال القصيدة ..
قبل سقوطه الحتمي !!
فهي تؤمن – وبدافع من فعل الثورة الذي يسكنها – بسقوط ذلك الاطار / القيد سلفا : جبروت الذكر القامع لحرية المرأة ! وعلى هذا التسلل تعلق أمل النجاة من فعل ( التهشم ) الاخطر : هشيم القلب .
تناثر الحروف فوق الرمل ،
نفاد المداد ،
انطفاء الشمعة ،
لم يكن أي من هذا
سببا وراء انتهائنا
نور الشاعرة تحلل ، وبصورة فنية بالغة الدقة والسلاسة ، اسباب النكوص والارتعاد الذي يسود طبيعة العلاقة الاجتماعية بين الرجل والمرأة لتعود بها الى جذورها ( الفلسفية ) في الثقافة الاجتماعية السائدة ..واذ لا تجد لها ما يدعمها من مقومات المنطق ، فانها تعيدها الى حقيقة النظرة الواهية فقط ، والتي تعبر عنها بصورة ساخرة وعبثية ..
ربما السبب ...
تلصص بائع جرائد حزين
علينا!
واذا ما استعرنا من شكسبير توصيفه للحياة : ضجة حول لاشيء ، فاننا سنكون اكثر قدرة على فهم واستيعاب وتشرب الصورة ( العبثية ) التي عبرت بها نور عن ( الضجة المفتعلة ) التي حول الرجل بموجبها المرأة الى تابع و وسيلة متعة ، وكائن مسلوب الارادة ..
تلصص بائع جرائد حزين
علينا !
نور تلجأ الى فضح لا معقولية العلاقة التسلطية التي تسود علاقة الرجل بالمرأة ، بصورة اكثر لا معقولية منها ، من اجل التدليل على عبثية الاسباب التي يتذرع بها الرجل لقمع المرأة وسلبها حريتها والتحكم بمصيرها . وبغض النظر عن هوية المخاطب او حاجتنا لمعرفته ، فان نور تعيد تذكيره ( الرجل فيه ) بوجودها وخصوصية هذا الوجود ونديته – خارج برواز الاسباب الواهية – لشخصه بصورة شعرية غضة ويانعة وبمنتهى الشفافية ..
كم مرة علي ان ارتب المساء
على النحو الذي
يليق بشاعرين ؟!
انه التوازن الاعظم الذي لا يكتسب بلا هدم ، بحسب انتونين آرتو .
كم منا قادر على تقبل فعل الهدم التهيري هذا ؟
على بعد فنجان واحد من الارق
كان حضورك ..
لا تأت ...
فالغياب مكتمل العدد !
نور ، وبأثر رجعي ، للحاجة الفطرية ، تعترف بحاجة المرأة للرجل الذي يقف ..
على بعد فنجان واحد من الارق
ولكنها تذكره بانه غير مرحب به اذا ما جاء محملا بكل ادران تأريخه القمعي المفضوح ، الذي لا ترمم تشوهاته وقبحه كل مساحيق الفاترينات الانيقة !
هنا اجد ني مجبرا على التوقف امام عناصر الدهش والجمال التي تتوفر لغة وصور نور الشعرية التي تستوفي جميع عناصر التثوير واقلاق ركود المتلقي ، وبأبسط
فنون الشعر الذي تحن اليه قصيدة النثر : فن السهل الممتنع البعيد عن الاسراف في الادوات ... والبلاغية منها على وجه الخصوص .
ها قد ابتلعت نصف التأريخ
الكتب ملقاة باهمال
الحروف تستعد للثأر
والارفف لاشيء شريف عليها
سوى الغبار .
ورغم اني اكاد ألمس هوية المخاطب ، الا اني لن اجنسه مادام هو في النهاية رجل مستبد وتتلبسه نعرة القهر والتسلط لاثبات رجولته داخل حدود ( حوض ) المطبخ / غرفة النوم الآسن ! كما اني سأغض الطرف عن تقليب صفحات تأريخه الخائب الذي تستعد حروفه للثأر منخيبة فحولته ، التي لايتعدى مجد بطولاتها حدود سرير النوم ! والتي تسلم نور بامر تعفنها – بطولاته – في كل صفحات تاريخها ، التي لم يبق منها شيئا يستحق الذكر : سوى الغبار : الغبار الذي يجهد في تغطية اورامها المتقيحة . ونور بهذا ، تهز جمود مادته الخانقة ، التي لم يعد من سبيل لتطهيرها غير التطهير .. اهو تطهير مرض الطاعون نور ؟!
آخر درس تعلمته
ان المرأة التي لا نجم يشبهها
ليست صيدا فاشلا
التأريخ سجال بلا نهاية ، بحسب بيتر جيل ، ولعل اول ما يصدق عليه مثل هذا التوصيف هو تأريخ بطولات – باعتبار التأريخ في تفكير صانعيه سجل لتخليد البطولات – الرجل على سرير المتعة .
وسجال هذا الجزء من تاريخ الرجل ( من يستطيع البت في تحديد المساحة التي يغطيها من تأريخ البشرية كلها ؟!) في أغلب حروبه ، هو ( جهد ) لاضافة الانتصارات ، وبغض النظر عن قيمتها الحقيقية ؛ وهذا ما يساوي من لا نجم يشبهها بمن ( يشبهها ) نجم ساطع ، باعتباره في النهاية صيدا استحق جهده الخاص وسد في ( ساعة جنون الشهوة ) فراغا !
تعال نبحث عن خدعة اخرى ... ( ان كنت اكثر وعيا )
( عن ) قصيدة تتقن الكلام !
لن تجعلني احبك اكثر ...
............................
على الاقل الان
ومادامت الحياة في النهاية ، ليست اكثر من ضجة مفتعلة ، فان عملية استمرار آليتها ، تحتاج كل يوم الى خدعة جديدة ... خدعة مضافة ..
هل تأريخنا اكثر من هذا الفرض ، في نهاية اللعبة ؟!
صدفة ، وللمرة الالف
اخطئ العد
هي الصدفة المقصود رسمها نور ، أليس كذلك ؟الخدعة الالف التي لا بد منها ، وكمخدر حكايات شهرزاد ... أليس كذلك ؟
من منا يستطيع التخلي وايضا الاستغناء عن لعبة خداع النفس ؟
انه الالم الضروري الذي لا يقل اهمية عن شك الفيلسوف .
اهكذا تلملم الانثى شظايا ذاكرتها لتحيل بينها وبين اللحاق بهشيم القلب ؟
والان ، وبعد ان عدت من رحلة قنصي ، هل ارتد ( البومرينغ ) الى يدي ام تراه
مازال في بعض مجاهيل غابة نور يلاحق بعض طرائدها ؟