أستاذ بنعيسى الحاجي ،
سعيدة كون بورتريه أمي الزاهية الجديدية قد جعلك تكبت هذه الزجلية الرائعة
تحية لقلمك و لكي أضع أعضاء مدارات في الصورة ، سأنشر البورتريه
أمي الزاهية
في طفولتي كنت أراها دوما ،حيث كان بيتي بقرب الضريح "سيدي الضاوي" أو سيدي lumièreحسب قول الشاعر محمد منير ، كانت أمي الزاهية " شيخة " تصطحب الجوق في الأعراس و خصوصا فيما نسميه" الدفوع " و الذي أصبح في طريق الاندثار ، و كذلك " الهدية " و التي اندثرت ، و هي طريقة كان الأهالي يقدمون بها هداياهم للمتزوجين و الحاجين ، كما كانت ترقص حينما تزور عائلة المختن الولي الصالح "سيدي الضاوي" ..هناك كنت أراها ، كنت طفلة ما أزال ، و كنت أعجب بالوشم الذي يزين كل وجهها ،كانت ذات ضحكة عالية و صوت يشي بمعاناتها أكثر مما يشدو..تلبس لباسا تقليديا ، يداها مخضبتان دوما بحناء أسود ..أكثر ما كان يثيرني في أمي الزاهية ابتسامتها ، لم أر قط جبينها مقطبا.دارت الأيام و دارت ناعورة السنين، ليلة احتفال عربي رأيتها تنتقل بين الناس تترجى عطاءهم، هرولت إليها:
-ما بك أمي الزاهية ؟
-أجهشت بالبكاء " راني أبنيتي بلا أولاد و تْلا بي الزمان "
- كانت عندي عوينة وحدة بها نشوف عمات .
أمي الزاهية في حساب حياتها سجنت مرة، و كان أخوها الوحيد هو الذي يزورها و يلبي حاجياتها، لكنه مات و هي شجرة بلا أوراق، يابسة، أمي الزاهية غابت ابتسامتها، و غاب كل ما يمت بصلة للأنوثة، أصبحت طي النسيان..ترتدي جلبابا رقيعا و صندلا بلاستيكيا ، تتعكز على عصا ، و تطوف بعض الأيام على المارين في السوق القديم قبالة الحي البرتغالي، تستعطفهم حينما تتكلم تبدو أسنانها المغشاة بالذهب، و يبدو الانكسار في عينيها ، أمي الزاهية اختزال لأصوات غيبت ، أمي الزاهية استجماع لأصوات بيعت بالجملة ...
ذات مساء ، كنت بالمقهى قبالة البحر، برفقة الشاعرين عبد العزيز العرفاوي و محمد منير ، رأيتها ، بنفس الانكسار و نفس الحزن تجر وراءها خيبتها ، تستعطف قلوبا متحجرة، بادرتها و قد استقالت من الذاكرة ، ذكريني باسمك ..قالت و هي تتكأ على عصاها " أنا أمك الزاهية أللا....... " دموعها و شهقاتها و نظراتها ، اهتز لها القلب ، "أمي الزاهية" في الذاكرة جرح من الجراح الراعفة و غيرها كثير ..يا لقساوة الأيام !
حبيبة زوكَي